تحولت مصر مع جنازة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الى عاصمة للعرب، وأكدت ارتباطها التاريخي بالقضية الفلسطينية عبر الموكب العسكري الرسمي المهيب لجنازة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في حي مصر الجديدة شرق العاصمة المصرية أمس، والتي جاءت دقيقة ورهيبة وعكست مكانة عرفات الكبيرة لدى العرب. وتَقدّم الجنازة الرئيس حسني مبارك والقادة العرب والأجانب وممثلو دول العالم المشاركون فيها، ووفد من كبار الشخصيات الفلسطينية وأسرة الرئيس الراحل، وبدأت الجنازة في الساعة الحادية عشرة من ساحة مسجد الجلاء في مصر الجديدة. وتقبّل المسؤولون الفلسطينيون العزاء في رحيل عرفات في سرادق نُصب في ساحة النادي ووقف رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، ورئيس حركة"فتح"فاروق قدومي، ورئيس السلطة الوطنية الموقت روحي فتوح، وعضو اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه وعضو اللجنة محمد زهدي النشاشيبي وسفير فلسطين في الاممالمتحدة الدكتور ناصر القدرة في مقدمة السرادق. ووُضِع الجثمان على عربة مدفع تجرها ستة خيول ملفوفاً بالعلم الفلسطيني وسارت الجنازة الى ميدان العروبة في اتجاه مطار ألماظة، واصطف حول العربة رجال حرس الشرف الذين يمثلون الافرع الرئيسية للجيش المصري الذين حملوا السيوف وباقات الزهور والأوسمة والنياشين التي حصل عليها الفقيد. وتقدمت الجنازة فرق الموسيقى العسكرية التي اخذت تصدح بالموسيقى الجنائزية. وتحركت الجنازة سيراً على الأقدام حتى قاعدة ألماظة الجوية في شارع العروبة يتقدمها الرئيس حسني مبارك وبجانبه ولي العهد السعودي الأمير عبدالله، والرئيس اليمني علي عبدالله صالح، والعاهل الأردني الملك عبدالله، والرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الصومالي عبدالله يوسف احمد، والقيادات الفلسطينية. ونُقل جثمان عرفات الى طائرة عسكرية مصرية خاصة لنقله الى العريش، بينما نُقل كبار المشيعين بالسيارات حتى سلم الطائرة. واصطف الرؤساء والقادة العرب وكبار المشيعين عند سلم الطائرة ليكونوا والوفد الفلسطيني في وداع عرفات، حتى مرور الجثمان وصعوده الى الطائرة بينما رفعت الأعلام الفلسطينية على سلم الطائرة. وقام حرس الشرف من طلبة الكليات العسكرية بحمل الجثمان الى الطائرة، بينما عزفت الموسيقى العسكرية السلامين الوطنيين الفلسطيني والمصري. وكانت الطائرة"ايرباص"العسكرية الفرنسية التي اقلّت جثمان عرفات وصلت من مطار فيلا توبلاي العسكري الفرنسي في الحادية عشرة مساء أول من امس، ورافق جثمان الرئيس الفلسطيني السيدة سهى عرفات قرينة الرئيس الفلسطيني، ووزير الشؤون الخارجية نبيل شعث وعدد من كبار المسؤولين الفلسطينيين. وأجريت مراسم استقبال رسمية للجثمان في المطار وكان في مقدمة المستقبلين السيدة سوزان مبارك قرينة السيد رئيس الجمهورية، وعدد من الوزراء المصريين ومندوب فلسطين لدى جامعة الدول العربية محمد صبيح وسفير فلسطين في القاهرة زهدي القدرة وأولاد شقيقة الرئيس الراحل يسرى وأولاد بنات شقيقته جيهان وجرير القدوة زوج شقيقته وبناته وباقي افراد عائلة الرئيس الفلسطيني. واستقبلت السيدة سوزان مبارك السيدة سهى عرفات عند سلم الطائرة الفرنسية في مطار القاهرة حيث قدمت لها التعازي، وقدّم السيد أحمد ابو الغيط وزير الخارجية، والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية التعازي للسيدة سهى عرفات. وبعد دقائق من وصول الطائرة اُنزل جثمان الرئيس عرفات وحمله ستة من حرس الشرف على الاعناق في موكب جنائزي فيما عزفت الموسيقى العسكرية لحناً جنائزياً. وبعد ذلك وضع الجثمان في سيارة اسعاف فيما انهمرت الدموع من عيني السيدة سهى عرفات التي اصطحبتها السيدة سوزان مبارك يرافقهما عدد من كبار رجال الدولة وأعضاء اسرة الرئيس الراحل والوفود الفلسطينية الى استراحة الرئاسة في المطار. واعتبر مشاركون في الجنازة العسكرية أنها أكدت حق الشعب الفلسطيني في أرضه وعكست مكانة عرفات لدى قادة العالم، ورسوخ حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته على ارضه رغم محاولات اسرائيل. وأكد الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى أن جنازة ياسر عرفات والتمثيل الكبير الرفيع المستوى من كل دول العالم"يعبّر عن تقدير قادة دول العالم لشخص عرفات والدور الكبير الذي قام به"، معرباً عن أمله في أن"يتم مواصلة الجهد الذي قام به الرئيس عرفات من أجل تحقيق السلام العادل والشامل". وقال موسى أثناء مشاركته في الجنازة:"فقدنا بوفاة الرئيس عرفات شخصية رئيسية وزعامة تاريخية مهمة، وسنستمر جميعاً في العمل على نفس النهج لنصل الى سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط"، وأضاف:"انني ارى أن الخلافة على الساحة الفلسطينية نظمت تنظيما جيداً وسليماً"، ورأى أن فرص إقرار السلام في الوقت الراهن"تتوقف على السياسات الاسرائيلية"، مؤكداً أن على الاسرائيليين التزامات يتعين القيام بها. وفي رسالة الى جميع الاطراف المشاركة في عملية السلام في الشرق الاوسط قال موسى:"إن الإسرائيليين زعموا ان عرفات لم يكن شريكاً حقيقياً وهو الأمر الذي لم نقر به أبداً، والآن عرفات ليس موجوداً ودعونا ننتظر ونرى ماذا سيفعلون". مشعل يتهم إسرائيل بتسميم عرفات واتهم رئيس المكتب السياسي ل"حركة المقاومة الإسلامية"حماس السيد خالد مشعل اسرائيل بتسميم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، مشيراً الى أن ما حدث له"هو قضية قتل صهيونية متعمدة". وأكد أن رحيل الزعيم عرفات يمثل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني، مشيراً الى أن الرئيس عرفات"شخص عزيز علينا ورحيله خسارة لنا جميعاً". لكنه أكد أن مسيرة الشعب ستتواصل وان رحيل الزعماء الكبار مثل عرفات سيزيد الشعب الفلسطيني إصراراً على تحقيق الحرية والاستقلال، واشار الى أن الفلسطينيين بدأوا مسيرة حوارات وانهم سيرتبون البيت من الداخل وسيجدون صيغة للحوار في ما بينهم. وأكد الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين السفير سعيد كمال أن الجنازة تعكس المكانة الكبيرة والرفيعة التي كان يتمتع بها عرفات على الساحة العالمية، وقال"ان عرفات سيظل رمزاً كبيراً للنضال الفلسطيني والذي تمكن بصبرٍ وجَلَدٍ ومثابرةٍ من نقل القضية الفلسطينية من قضية لاجئين الى قضية شعب يتحدث عنها العالم اجمع". من جهته، أعرب مارك أونيه المبعوث الاوروبي لعملية السلام في منطقة الشرق الوسط عن أمله في دفع عملية السلام في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، وأكد أنه يشعر بحزن شديد لموت الزعيم الفلسطيني، مؤكداً أن الاوروبيين والاميركيين سيلعبون دوراً مهماً خلال المرحلة المقبلة لدفع عملية السلام في المنطقة.