أعرب اقتصاديون وأكاديميون يمنيون عن مخاوفهم، أمس، من خطورة تأجيل خطوة الاصلاحات السعرية، التي رفضها البرلمان ومجلس الشورى الشهر الماضي، على برنامج الاصلاح الاقتصادي والتزامات الحكومة اليمنية تجاه الدول والمؤسسات المانحة. وقال وكيل مصلحة الجمارك للشؤون الفنية، حسن العديني، ان"موقف مجلس النواب ضد متابعة برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري ينكر ان المراحل المنفّذة من الاصلاحات حقّقت استقراراً لسعر الصرف وسيطرت على معدلات التضخم وقلصت نسبة العجز في الموازنة العامة". وأضاف ان الرفض الحاد لاجراءات الاصلاح المقترحة من قِبل الحكومة"يظهر تملقاً ممقوتاً للناخبين واستغلالاً لجهل المواطن بعلم الاقتصاد، على رغم علم بعض النواب ان الاصلاحات ضرورية لرفع كفاءة الاقتصاد الوطني وان بقاء الأوضاع من دون تدخل سيؤدي إلى تدهورها من جديد". من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، الدكتور سيف العسلي، ان"الأوضاع الاقتصادية مستقرة في الوقت الراهن، لكن هذا الاستقرار غير قابل للاستمرار"، مشيراً إلى ان الحكومة تمتلك الآن من الموارد ما يمكّنها من مواجهة أي آثار سلبية لرفع الدعم عن المشتقات النفطية،"لكنها قد تضطر الى رفعه في المستقبل من غير أن تكون قادرة عند ذاك على معالجة آثاره". وأكد العسلي ان المهم معرفة ان"المعالجة للاختلالات في الوقت الراهن أفضل بكثير من تأجيلها إلى المستقبل"وضرورة أن ترافق رفع الدعم عن المشتقات النفطية اصلاحات اخرى"تُقلّل من الآثار السلبية لرفعه". ورأى وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، الدكتور محمد الصبري، ان الأوضاع الاقتصادية لا تسمح بتأجيل اصلاح الاختلالات السعرية، مشيراً إلى ان رفع الدعم لن يضر بالطبقات الفقيرة التي لا يصلها من هذا الدعم سوى خمسة في المئة فقط منه. وقال ان حجم الدعم البالغ نحو 740 مليون دولار سنوياً يزيد عن حجم القروض والمساعدات الفنية التي يقدّمها المانحون لليمن، والتي بلغ حجمها العام الماضي نحو 576 مليون دولار. ويتفق الخبراء اليمنيون على انه كان ينبغي على الحكومة أن تهيئ الرأي العام لمشروعها لاصلاح الاختلالات الاقتصادية قبل أن تقدّمه لمجلسي النواب والشورى والذي انتهى إلى التصويت ضده. وكانت حكومة عبدالقادر باجمال تقدّمت في نهاية أيلول سبتمبر الماضي بحزمة جديدة من الاصلاحات المالية والادارية احتوت رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ما أشعل أزمة مع البرلمان. وطلبت الحكومة معالجة مشكلة الحجم المتزايد لدعم بعض السلع ومنها المشتقات النفطية، والذي يمثّل أحد مظاهر الاختلال ويؤثّر في مستوى ادارة الاقتصاد وادارة الموازنة العامة للدولة، وفي تنفيذ السياسات العامة المساعدة في استدامة البيئة. وقال رئيس الوزراء:"نقوم حالياً باستيراد أكثر من 70 في المئة من حاجات اليمن من مادة الديزل، وتتكلف الحكومة في استيراد هذه المادة وتسويقها إلى المستهلك أكثر من 60 ريالاً للتر الواحد الدولار الواحد يعادل 184 ريالاً، بينما يتم بيعها للمستهلك بسعر رمزي يبلغ 17 ريالاً. وهذا يعني ان المالية العامة للدولة ستتكبد ما يزيد على 150 بليون ريال سنوياً لدعم مادة الديزل فقط". وقد قوبلت الاقتراحات الحكومية برفع الأسعار برفض شديد من كتلة المعارضة والمستقلين في مجلس النواب، بل ومن عدد كبير من أعضاء الحزب الحاكم. وفي الوقت الذي تعتقد الحكومة ان الاصلاحات حقّقت نتائج اقتصادية ايجابية وأنقذت البلاد من كارثة، وان المضي فيها يُعد طوق النجاة للاقتصاد، فإن غالبية أعضاء مجلسي النواب والشورى ترى ان برنامج الاصلاحات الاقتصادية انحرف عن أهدافه، وان الحكومات المتعاقبة أهملت شقه الإداري، ما أدى إلى رفد مستنقعات الفساد والتأثير سلباً على الحياة المعيشية للمواطنين. ويؤكّد النائب في البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، علي عبدالله أبو حليقة، ان برنامج الاصلاحات المالية والادارية مر عبر البرلمان في عام 1994، وان الموافقة عليه كانت مشروطة بأن تسير هذه الاصلاحات بشقيها كمنظومة واحدة، مشيراً إلى ان هناك بعض الجهات يتجه إلى تعميق الفساد وتأصيله في المجتمع، ومحذّراً مما أسماه"كارثة"في حال استمرار الحكومة في رفع الدعم عن المشتقات النفطية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بحياة الناس. من جهته، يقول النائب عن حزب الاصلاح المعارض، عبد الكريم شيبان، ان موقف البرلمان كان واضحاً في رفض الجرعة، وان"الحكومة لو تقدمت باصلاحات حقيقية لكان مجلس النواب، وافق كونه والحكومة يتعاونان على مصلحة البلد". ويركّز شيبان في انتقاده مبررات الحكومة لرفع أسعار المشتقات النفطية على التشكيك في رقم دعم الديزل، الذي ذكرت انه من المتوقع بلوغه 150 بليون ريال مع نهاية 2004، مشيراً إلى أضرار يمكن أن تحدثها الجرعة على الجوانب الزراعية والصناعية ووسائل النقل والحياة المعيشية للناس. وحضّ شيبان الحكومة على تحصيل ايراداتها الحقيقية من الضرائب والجمارك، معتبراً انه كان يتوجب عليها العودة إلى المؤسسات الدستورية"قبل أن تورط نفسها بالتزامات دولية"، موضحاً انها تريد إيصال رسالة للبنك الدولي فحواها ان المؤسسات الدستورية لم توافق على حزمة الاصلاحات الجديدة. ويطالب رئيس كتلة الوحدوي الناصري المعارض في البرلمان، سلطان العتواني، الحكومة بضرورة البحث عن بدائل للجرع، مطالباً إياها ب"اصلاحات حقيقية"للحد من الفساد وإهدار الموارد والمال العام، حتى لا تصب الاصلاحات السعرية في رفد الفساد مع عدم اقتراب الحكومة من الاصلاحات الإدارية،"ولكي لا تصبح اصلاحات لا أساس لها وتنعكس سلباً على التنمية والمستوى المعيشي للمواطنين". وقال المدير السابق للبنك الدولي في اليمن، روبرت هندل، الأسبوع الماضي، ان انجازات الحكومة اليمنية في مجال الاصلاح الاقتصادي متواضعة، لافتاً إلى احتمالات خفض مستوى الدعم لليمن في حال بقاء الوضع على ما هو عليه.