أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    فادي الصفدي ل"الوطن": "ألكون" شركاء في تطوير طب العيون بالسعودية.. وتمكين الكفاءات الوطنية هو جوهر التزامنا    وكيل وزارة الصناعة لتنمية القدرات البشرية: جمعية تأهيل بعنيزة تمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة وظيفيًا واجتماعيًا    "سليمان الناس".. وثائقي يعيد صوتاً لا يُنسى على قناة السعودية    انطلاق النسخة الخامسة من مهرجان الغناء بالفصحى بالظهران    أسس العقار" تسجل مليار ريال تعاملات في "سيتي سكيب العالمي بالرياض 2025"    الشهري: النتائج لا تعجبني وعقدي مستمر لنهاية الموسم    "زاتكا" تُحبط تهريب 58 ألف حبة إمفيتامين عبر منفذ الحديثة    الذهب ينخفض 1% ويتجه لخسارة أسبوعية مع تراجع آمال خفض أسعار الفائدة    القادسية ينهي تحضيراته ويغادر لمواجهة الأهلي    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    أشرف حكيمي الأفضل في إفريقيا 2025.. وبونو أفضل حارس    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    رئاسة "كوب 16" تواصل قيادة الزخم العالمي من أجل حماية الأرض والمناخ والطبيعة    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    هوس الجوالات الجديدة.. مراجعات المؤثرين ترهق الجيوب    كيف يقلل مونجارو الشهية    مواجهات قوية وتأهل لنجوم العالم في بطولة "موسم الرياض للسنوكر 2025"    أوكرانيا تعلن تلقيها مسودة خطة سلام أمريكية لإنهاء الحرب مع روسيا    حريق في مقر "كوب 30" يتسبب في إخلاء الوفود وتعليق المفاوضات    الاتحاد الأرجنتيني يعلن فوز روزاريو سنترال بلقب "بطل الدوري"    السعودية والإمارات من النفط إلى تصدير الكربون المخفض    «سلمان للإغاثة» يجعل من الطفل محورًا أساسيًا في مشاريعه وبرامجه    نائب وزير الخارجية يؤكد دعم المملكة الكامل للخطة الشاملة لإعمار غزة    من أي بوابة دخل نزار قباني    جنازة الكلمة    كانط ومسألة العلاقة بين العقل والإيمان    من واشنطن.. الشركة السعودية للاستثمار الجريء تعلن عن مليار ريال استثمارات مشتركة    العراق يواجه الفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق مونديال 2026    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل    المنتخبات السعودية تقفز رابع ترتيب التضامن الإسلامي "الرياض 2025"    تجهيز 150 حديقة لاستقبال الزوار خلال الإجازة بالطائف    7 اتفاقيات بين سدايا وشركات أمريكية في الذكاء الاصطناعي    الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل        ولي العهد يبعث برقية شكر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصهيونية لا تزال جوهر المشكلة
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2004

من المفيد للذين نسوا طبيعة الصهيونية أو لم يفهموها أصلاً قراءة نصّين نشرا أخيراً. الأول مقابلة مع المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس نشرتها "هآرتس" في الرابع من الشهر الجاري، والثاني مقالة من المؤرخ نفسه نشرتها صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في 14 من الشهر. في النصين يقدم موريس بصراحة مدهشة معنى ومستتبعات المشروع الصهيوني. انه يدعي الانتماء الى اليسار السياسي، لكن قليلين فقط خارج اليمين الصهيوني المتطرف تجرأوا على طرح ما تعنيه الصهيونية بهذا المقدار من الصدق الجارح. الأهمية الخاصة لكلام موريس انه كان أول من فضح حقيقة الظروف المحيطة بولادة اسرائيل. فقد استعمل أرشيفات الدولة لتأليف دراسته الرائدة الصادرة العام 1987 عن "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، ونال عليها التقدير باعتبارها مراجعة شجاعة للتاريخ. وقتها افترض كثيرون ان اطلاعه على الحقائق لا بد أن يجعله متعاطفاً مع الفلسطينيين. لكنه في السنين الأخيرة بدأ باتخاذ مواقف متزايدة التشدد، وكأنه ندم على بحثه الرائد الذي ساعد على كشف الوحشية المرافقة لقيام اسرائيل. وبدا ان هذا الاتجاه تكلل بمقالته ومقابلته الأخيرتين عن طبيعة الصهيونية. ولا بد لنا ان نشكر موريس، مهما كانت المرارة التي يثيرها موقفه، على كشفه كل ما يعتقده الصهاينة، حتى "الليبراليين" منهم، من دون أن يفصحوا عنه.
في الماضي ادرك العرب أن الصهيونية السبب الأساسي للصراع العربي - الاسرائيلي. وفهم الفلسطينيون مبكراً انها تسعى للاستيلاء على وطنهم، وقاوموها، لكنهم لم يستطيعوا وقف مشروعها، حتى عندما شارك العرب في المعركة. وشاع وقتها استخدام تعبير "الصهاينة" بدل "الاسرائيليين"، و"الكيان الصهيوني" بدل "اسرائيل". وكثرت المؤلفات والمقالات والمنشورات عن الصهيونية، واعتبر العرب ان قضيتهم ضد عدوهم واضحة وضوح الشمس. ثم جاءت حرب 1967 وبدأ الغموض يتسرب الى الموقف. ذلك ان قرار مجلس الأمن الرقم 242 الذي وافقت عليه الدول العربية قام على كون أساس الصراع احتلال اسرائيل للمزيد من الأرض نتيجة تلك الحرب، من دون اشارة الى التاريخ القريب للقضية. وأصبحت هذه الفكرة المبدأ الذي سارت عليه كل اقتراحات السلام اللاحقة، اذ دارت على استعادة الأراضي المحتلة في 1967 مقابل الاعتراف باسرائيل. النجاح الأول لهذا المبدأ كان اتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل في 1979، الذي نص على انسحاب اسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة في 1967 مقابل عقد معاهدة السلام بين الطرفين. وترسخ المبدأ بعد ذلك، وشكلت وصفة "الأرض مقابل السلام"، بمعنى الأرض المحتلة في 1967، الأساس الذي قام عليه مؤتمر مدريد للسلام في 1991. واذ اقتصرت عملية مدريد على الدول المجاورة لاسرائيل، فان مقترحات السلام السعودية في آذار مارس 2002 وسعت الوصفة لتشمل الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المحتلة في 1967 مقابل تطبيع العلاقات مع العالم العربي كله.
هكذا اختفى عن المشهد بهدوء الموقف العربي السابق، الذي يعتبر اسرائيل دولة غير شرعية زرعت بالقوة في المنطقة، بعقيدة صهيونية لا تعرف غير العدوان والتوسع على حساب العالم العربي. وتبدو المشكلة الآن وكأنها لا تتجاوز احتلال الأراضي في حرب 1967. وعند حلها يمكن لاسرائيل التقدم للاندماج في المنطقة. لكن منظور الفلسطينيين للصهيونية كان أوضح. وقدمت منظمة التحرير الفلسطينية في 1969 رؤيتها لدولة ديموقراطية تحل محل اسرائيل لتوفر حقوقاً متكافئة لجميع مواطنيها من المسلمين والمسيحيين واليهود. كان هذا تحدياً مباشراً لفكرة دولة لليهود دون غيرهم، لكن الأهم انه عبّر في الوقت نفسه عن رفض الرضوخ لسرقة فلسطين 1948 من قبل الصهيونية. الا ان الاختلال الهائل في ميزان القوى أجبر منظمة التحرير على تعديل موقفها، واتخذت بحلول 1974 قرار القبول بأقل من ذلك بكثير. هكذا برز حل الدولتين، تلاه في 1988 اعتراف منظمة التحرير الرسمي باسرائيل ضمن حدود 1948. ثم وقعت المنظمة في 1993 على اتفاق أوسلو، الذي وفر الشرعية النهائية للصهيونية، اذ اغفلت بنود الاتفاق وضع اسرائيل 1948 واقتصرت على الخلاف على الأراضي التي احتلت في 1967. وكان معنى توقيع منظمة التحرير على الاتفاق التسليم بالادعاء الصهيوني الأصلي بفلسطين. وتكللت هذه المسيرة اخيراً باتفاق جنيف، الذي يطلب من الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل "دولة لليهود". انه من دون شك انقلاب قلّ نظيره في التاريخ.
ومع هذا التطور في المواقف كان هناك نوع من الغزل من العرب مع الصهيونية. وظهر الى الوجود بعد معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية عدد من المشاريع المشتركة. وفي الثمانينات، اتخذ البعض منها في الغرب شكل مجموعات حوار عربية - يهودية، وتسابق كثيرون لكسر التحريم التقليدي لهذا النوع من الاتصالات. كما كثرت اللقاءات بين الباحثين العرب والاسرائيليين. وامتدت ظاهرة المشاريع المشتركة هذه الى صفوف الفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو. كما شهدت المرحلة الكثير من الاتصالات، العلني منها والسري، على مستوى الدول، وشاركت فيها، ولو بدوافع متضاربة، دول عرفت بالتشدد سابقاً مثل سورية وليبيا. واقتصرت هذه المبادرات على الصهاينة "الليبراليين"، وليس المجموعات الراديكالية الهامشية من اليهود المعادين للصهيونية. وبدا ان الماضي طوى العداء القديم للصهيونية باعتبارها أساس مأساة الفلسطينيين وكوارث الشرق الأوسط، وان الزمن تجاوز الخطاب المناهض للصهيونية المنتشر بين العرب في الماضي، تماماً مثلما تجاوز الخطاب الماركسي بعد انهيار المعسكر الشرقي، وبدالكثيرين ان الصهاينة، بالعكس، اناس يمكن التعامل معهم.
وهنا يأتي كلام بيني موريس ليكون بمثابة الصفعة. فهو يذكّرنا بأن اسرائيل قامت على التشريد والاغتصاب والمجازر، وهو ما أكد عليه في الطبعة الجديدة من كتابه الأصلي الذي صدر بعنوان "عودة لولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين". وأضاف اليه نتائج ابحاثه الأخيرة. فالدولة الاسرائيلية لم يكن لها ان تقوم من دون اعمال التطهير العرقي، وربما كانت هناك حاجة، كما يقول، الى المزيد من هذه الاعمال مستقبلاً لضمان بقاء الدولة. ويوضح ان مبدأ القوة كان دائماً ضرورياً لفرض وجود اسرائيل وادامتها، وان عداء السكان الأصليين كان حتمياً منذ البداية وكان لا بد من الرد عليه بالقوة الساحقة. وان الفلسطينيين سيبقون دائماً مصدر خطر على اسرائيل، ولذا تجب السيطرة عليهم و"وضعهم في قفص" مثلما في الجدار الذي تعمل عليه اسرائيل حالياً في الضفة الغربية. ويقرّ بأن مشروع الدولة اليهودية فكرة مستحيلة، وان المنطق كان يفترض فشله. مع ذلك فهو يصر على الأحقية الأخلاقية للمشروع على رغم مما أحدثه من دمار، نظراً الى الحاجة الملحة الى حل لمعاناة اليهود. أما العرب فلهم، حسب موريس، ثقافة قبلية "من دون روادع اخلاقية"، وهم "لا يفهمون غير العنف". ويوسع منظوره هذا ليشمل المسلمين عموماً: "هناك مشكلة عميقة في الاسلام... حيث ليس لحياة الانسان القيمة التي لها في الغرب، ولا مكان فيه للحرية والديموقراطية والمصارحة والابداع".
هذه الأقوال تعكس جوهر الصهيونية: الدولة اليهودية ما كان لها ان تقوم سوى عن طريق القوة والقسر والتطهير العرقي، وان بقاءها يستند الى القدرة على سحق كل المعارضين، وانها مدفوعة بالاقتناع التام بأصحيتها الاخلاقية، النابعة من تميز اليهود على كل الآخرين، وبهذا لا ترى في كل شيء سوى وسيلة لتحقيق غايتها. يبدي موريس الأسف لمعاناة الفلسطينيين نتيجة اقامة اسرائيل. لكنه يعتبر ذلك شراً لا بد منه لتحقيق الخير الأكبر. يقول: "حق اللاجئين في العودة الى مواطنهم يبدو طبيعياً وعادلاً. لكن يجب وضع حق العودة هذا في الميزان ازاء حق خمسة ملايين يهودي في اسرائيل في الحياة والرفاه".
هكذا يبرهن موريس بوضوح على خطورة فكرة الصهيونية. إنها أساساً اقتناع بالأحقية الاخلاقية التي تبرر أي عمل تقريباً يعتبر ضروريا للحفاظ على الدولة اليهودية. واذا كان هذا يعني الأسلحة النووية والقوة العسكرية الساحقة والتحالف مع أنظمة لااخلاقية والسرقة والسيطرة على موارد الآخرين والعدوان والاحتلال وسحق المقاومة الفلسطينية وأي مقاومة اخرى من دون رادع انساني، فليكن! فكرة الصهيونية لا تزال على قوتها اليوم. إنها مزروعة بعمق في قلوب كثيرين من اليهود، في اسرائيل أو خارجها. وليس لأي عربي ان يتوهم انها في طور الاضمحلال، مهما كثر اللغط الحالي عن "ما بعد الصهيونية" أو "الصهيونية الثقافية". هذه الايديولوجية يجب ان تكون موضع رفض العالم كله، وليس فقط العالم العربي، على رغم ما فيه من تخلف وضعف. وربما كان من بين مظاهر التخلف اعتقاد بعض العرب، من حكومات وأفراد، بإمكان التوصل الى توافق مع الصهيونية، ونحن ندين لبيني موريس عندما يدحض لهم هذه الفكرة. ليس للمشروع الصهيوني مستقبل على المدى البعيد، واستمراره حتى الآن ظاهرة استثنائية لكنه لا يضمن له البقاء. وكما يقول موريس نفسه: "الدمار قد يكون نهاية هذه العملية".
* كاتبة فلسطينية، زميلة أبحاث في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة اكستر البريطانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.