تنحني كل دساتير العالم المتمدن للديموقراطية المبجلة. فالديموقراطية هي وسيلة التعايش الأولى بين المواطنين. وتحتضن الديموقراطية معنى "الأكثرية" احتضاناً مفرطاً، حتى ان نظرية سياسية تحدثت عن "طغيان الأكثرية" تحت لواء الديموقراطية. وطغيان الديموقراطية، بمعنى استبداد الديموقراطية، مفهوم ينطبق على "المشاركة الكمية"، وليس على "المشاركة النوعية"، أو على المشاركة وفقاً للمعايير النموذجية في الاختيار. ونتائج برنامج "سوبر ستار" العرب الذي قدمه تلفزيون "المستقبل" اللبناني صورة تمهيدية عما يمكن ان يحدث في مجتمعات كمجتمعاتنا إذا ما اعتمدت "الديموقراطية العددية"! فاختبار هكذا ديموقراطية، ولو بالشكل الفني الذي اتخذته التجربة، قدم المعنى المؤذي للديموقراطية العددية. فما معنى الديموقراطية إذا اختزلت النوعية الى مجرد اجماع عاطفي؟ وما معنى حكم الأكثرية، أو رأي الأكثرية، إذا جاء ليهدم مقاييس الكمال والمثال؟ الأكثرية العددية أخرجت صوت المشترك اللبناني ملحم زين من المنافسة النهائية. وهو صوت لا يحتاج تفوقه على صوت الفائزة باللقب الى براهين. ثم أخرجت الأكثرية العددية صوت المشتركة السورية رويدا عطية. وهو صوت وصفه النقاد ب"الجبار" و"النادر الوجود". إذاً تمارس الأكثرية العددية ديموقراطيتها الاستبدادية جارفة معها معايير الأفضل والأقرب الى الكمال. فكم من القيم والمعايير ستسقط تحت أقدام هذه الديموقراطية العددية إذا ما طبقت على المستويين السياسي والاجتماعي؟ هل هذه هي الغاية المنشودة من فرض هكذا ديموقراطية تمارسها أكثرية عددية يجمعها تشابه فكري مستنسخ وطارئ. وبذلك يسهل ترويض الأقلية العددية الممثلة بالنخبة المثقفة والمتمسكة بالحقائق؟ ان نتائج برنامج "سوبر ستار" العرب هدم في داخلنا معياراً حقيقياً من معايير الجمال. والدعاء أن يقتصر الهدم على هذا الحد، فلا يصل الى المجال السياسي، فتمارس الأكثرية العددية ديموقراطيتها الشوهاء والعمياء، فتكون وبالاً، وتكون بداية الانحدار الذي لا ينتهي. بيروت - عايدة الصعيدي [email protected]