تشير استطلاعات الرأي العام في أميركا الى تراجع شعبية الرئيس بوش، حيث انخفضت خلال الشهرين الأخيرين من حوالى 70 في المئة الى ما يقل عن 60. رغم ذلك تبدو احتمالات نجاحه في الانتخابات المقبلة شبه مؤكدة، مما يجعل المعادين لسياسته الخارجية من غير الأميركيين خصوصاً يصابون بحالة من الاحباط وخيبة الأمل. اذ أن قيام ادارة بوش باحتكار حق القرار في ما يتعلق بغالبية القضايا الدولية المهمة أدى الى احساس غالبية الدول الأوروبية والآسيوية الرئيسية بتقلص أهميتها ودورها واستحواذ أميركا على امتيازات ليست لها ولا تستحقها. ولقد كان من المحتمل أن تقبل غالبية الدول بدور دولي متواضع لو أن سياسة بوش استهدفت خدمة قضايا السلام العالمي وحقوق الشعوب المكافحة من أجل الحرية والعدالة. ان نجاح ادارة بوش في غزو العراق واحتلاله قبل أربعة شهور وذلك بعد نجاحها في غزو واحتلال افغانستان، مكّن بوش من الحصول على تأييد شعبي واسع داخل أميركا، وحيث ان تقاليد المجتمع الأميركي تفرض على أفراد الشعب والساسة عامة دعم جيوشهم خارج الوطن، خصوصاً أثناء الحروب، فإن القوى الأميركية النشطة في مجال نقد السياسات الخارجية والداخلية تراجعت الى حد كبير. وفي الواقع، أصبحت قوى المعارضة، بغض النظر عن هويتها وأهدافها، متهمة بعدم الوطنية والتخلي عن الشباب الأميركيين الذين يدافعون عن الوطن ويموتون من أجله. وهذا جعل تلك القوى تفقد الكثير من صدقيتها وقدرتها على التأثير الفاعل في توجيه السياسات الداخلية والرأي العام. وما ساهم في تعزيز موقع بوش وزيادة شعبيته انحياز الإعلام الى جانبه واتجاه غالبية المؤسسات الإعلامية الأميركية ومحلليها السياسيين الى الترويج لسياسات العدوان وتبرير الحروب والاعتداء على حقوق الغير وانتهاك القوانين الدولية. وحيث ان الإعلام الأميركي يحارب دوماً الى جانب الحكومة، فإن وقوفه الى جانب الحرب يعني بالضرورة الوقوف ضد القوى المعارضة للعدوان. ولقد ترتب على هذا كبت الحريات العامة ومحاصرة قوى السلام وإسكات أصوات المعارضة السياسية. وفيما عدا بعض الأصوات القليلة، ومن بينها بعض المحللين السياسيين في جريدة "نيويورك تايمز"، لم يسمح للأصوات المعارضة ان تصل الى الجمهور، بل تم كبتها. فهل يمكن في هذه الأجواء ان تنجح قوى المعارضة في هزيمة بوش في معركة الانتخابات المقبلة؟ وهل لخريطة الطريق دور في تحديد فرص نجاح بوش أو تطورات الوضع في العراق المحتل؟ على رغم شعبية بوش الكبيرة وانحياز الاعلام الأميركي الى جانبه، فإن احتمالات نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست أكيدة. فبوش وادارته التي تتصف بالعنجهية والجهل يواجهان تحديات داخلية وخارجية عدة، أهمها مشكلة الاقتصاد الأميركي الذي يعاني الركود، وتأزم الموقف في الشرق الأوسط على الساحتين العراقية والفلسطينية، وتراجع صدقية أميركا على الساحة الدولية بعدما تبين مدى الخداع الذي مارسه بوش لتبرير الحرب على العراق. وهذا سيجعل تطور هذه القضايا وكيفية تعامل المرشح الديموقراطي معها تحدد احتمالات نجاح بوش من عدمه في الانتخابات المقبلة. فالفرد الأميركي في العادة يحس بالألم في فراغ جيبه قبل أن يحس به في فراغ معدته، وهذا يجعل الاقتصاد وحالته عاملاً مهماً في تحديد وتوجيه الرأي العام. فاذا استمر الاقتصاد على حاله من الركود واستمرت معدلات البطالة على حالها من الارتفاع واتسع حجم العجز في الموازنة وفي الميزان التجاري، موقف الناخب الأميركي سيتغير من بوش ومن سياسته الاقتصادية. وهذا بدوره سيضعف فرص نجاحه، خصوصاً إذا استطاع المرشح الديموقراطي استغلال الوضع الاقتصادي بشكل جيد وطرح بديل لسياسة بوش الاقتصادية غير المنتجة. الوضع المتأزم في الشرق الأوسط عامل آخر مهم في التأثير في شعبية بوش، وبالتالي في احتمالات إعادة انتخابه. فبوش راهن على خريطة الطريق وأعلن دعمه لها والتزام حكومته تنفيذها، وهي خريطة تبدو وقد صممت لخدمة المصلحة الاسرائيلية لا لتحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة العربية. وفشل خريطة الطريق، وهو شبه مؤكد اذا استمر شارون على سياسته الحالية، سيؤثر سلباً على شعبيته واحتمالات نجاحه. إلا أن فشل الخريطة قد يعوضه الموقف الاعلامي المسخر للدفاع عن اسرائيل والترويج لأفكارها وتزييف الحقائق عن سياستها التوسعية والاجرامية. وإذا كان بالامكان التعويض عن الفشل على الساحة الفلسطينية، فمن غير الممكن، التعويض عن الفشل على الساحة العراقية. ففي حال استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وازدياد اعداد الضحايا من الجنود الاميركيين والعراقيين سيكون من الصعب اخفاء الحقائق أو تجنب المقارنة بين فيتنام أواخر الستينات وأوائل السبعينات وعراق اليوم. ان اسلوب الخداع الذي اتبعه بوش وبلير في اقناع الرأي العام الأميركي والبريطاني بضرورة وشرعية غزو العراق خلق قضية لا تزال تتفاعل على الساحتين الاميركية والبريطانية، وهي قضية أثرت ولا تزال تؤثر سلباً على شعبية كل من بوش وبلير.وهذه القضية من الأمور الحساسة التي يمكن استغلالها انتخابياً للتشكيك بمدى صدقية بوش واقناع قطاع واسع من الاميركيين أن من الصعب الثقة بكلامه مستقبلاً. وكي تتفاعل هذه القضية بشكل أكبر فإن على جهود البحث عن أسلحة دمار شامل في العراق ان تفشل، وعلى المرشح الديموقراطي استغلالها بشكل أفضل. وتتوقف فرص إعادة الانتخاب على مدى تشابك القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية وقدرة المرشح الديموقراطي على استغلالها. ومهما حدث في السنة المقبلة، فتطور الأحداث عراقيا ومدى النجاح أو الفشل فلسطينيا، سيكون لهما كبير الأثر على فرص اعادة انتخابه، وبالتالي على موازين القوى الدولية وإعادة الاعتبار لمنظمة الأممالمتحدة ومستقبل السلام العالمي. * أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي، جامعة الأخوين المغرب.