وقفت والدة الشهيد غسان عوايصة أمام لوحة مطرزة في مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله، تحمل رسم قبة الصخرة وصورة ابنها الشهيد، وقد اختلطت مشاعرها. في البداية عبرت عن سعادتها بإنجاز شيء لتخليد ذكرى ابنها الذي رحل بعد شهر من اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية ايلول سبتمبر 2000، إلا أنها سرعان ما أجهشت بالبكاء عندما اقتربت أكثر من اللوحة ولامست بأناملها صورة ابنها، وكأنها أرادت أن تحضنه... تضمه إليها وتشعر بأنه لا يزال على قيد الحياة. واللوحة المطرزة التي أعدتها والدة الشهيد عوايصة واحدة من نحو ثلاثمئة لوحة مطرزة من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة ومدنهما وقراهما والمدن والقرى الفلسطينية داخل الخط الأخضر أيضاً، أعدتها أمهات الشهداء أو زوجاتهم أو شقيقاتهم أو إحدى قريباتهم لتخليد ذكراهم، ضمن أربع جداريات شكلت معرض "ذكراهم"، الذي أشرف عليه ونظمه مركز خليل السكاكيني في رام الله بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية ومؤسسة رعاية أسر الشهداء ووزارة الثقافة الفلسطينية والمركز الرعوي لدير الروم الكاثوليك، إضافة إلى مشغل التطريز الفلسطيني. وتقول الأميركية لويس نخلة، التي تولت مهمة تصميم القطع والتوزيع، في الوقت الذي حاولت فيه منع دموعها من الانسياب على وجنتيها: "أنا سعيدة بأنني أقدم ولو شيئاً بسيطاً لإسعاد أمهات الشهداء... جميل أن نقدم عملاً فنياً نخلد الشهداء من خلاله... هذا أقل ما يمكن فعله من أجل فلسطين". وتضيف نخلة المتزوجة من فلسطيني: "لقد تأثرت كثيراً وأنا أصمم هذه القطع التي تحمل من الأحاسيس أكثر بكثير مما تحمله من الفن، ومع ذلك فضلت أن لا تكون خلفية الجداريات الأربع التي توزعت عليها القطع المطرزة سوداء... فاللون الأسود أحادي الاتجاه، ونحن لا نفكر بهذه الطريقة، والأمر ذاته ينطبق على الأبيض، لذا تم الاتكاء على الألوان "الصادمة" إن جاز التعبير... فالصدمة لا تزال تسكن نفوس أمهات شهداء اللواتي فقدن أبناءهن، وليس لديهن ما يفعلنه إلا التذكر والبكاء". سباق مع الزمن ولم تكن لويس وحدها، فقد شاركها طاقم ضم العديد من الفنانات ذوات الباع الطويل في مجال الفن التشكيلي، وهن: آندي مغربي، تانيا تماري ناصر، ردينة قصراوي، وفيرا تماري. وتقول جاكلين تميم، التي تولت مهمة خياطة القطع على الجداريات مع فيوليت سابا: "لم تكن المهمة سهلة... كنا نسابق الزمن، وكان علينا أن نخرج القطع في شكل لائق، وبسرعة أيضاً، خصوصاً أنها مهداة إلى أرواح الشهداء". أما معين حسين، المنسق العام للمعرض، فيؤكد أن الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال على المدن والقرى الفلسطينية، ورغبة أسر الشهداء في تقديم العمل الأكثر تميزاً، ساهما في تأخير عرض هذه الجداريات التي كان من المخطط لها أن تعرض في الذكرى الأولى للانتفاضة، أي قبل عام ونصف العام، مشيراً إلى أن طاقم العمل قدم كل ما في وسعه حتى خرج المعرض بهذه الصورة، لا سيما أن ثمة مطوية باللغتين العربية والإنكليزية تتحدث عن حياة جميع الشهداء الذين شاركت أسرهم في هذا المعرض، وإعداد هذه المطوية تطلب جهداً كبيراً من فريق عمل ضم العديد من الشبان والشابات. وتشير عادلة العايدي، مديرة مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله إلى أنه من المخطط لهذا المعرض أن يتجول في المناطق الفلسطينية، خصوصاً مع سهولة نقل محتوياته، على عكس ما جرى في معرض "مئة شهيد مئة حياة"، الذي ضم مقتنيات أول مئة شهيد في الانتفاضة، وكان تجول بين عواصم عربية عدة، مؤكدة أن المركز سيلبي أي دعوة عربية لاستضافة المعرض الجديد "ذكراهم".