للمرة الأولى بعد مرور أربعين سنة على صدور العدد الأول من مجلة "فكر وفن" الألمانية يصدر اليوم عددها السادس والسبعون باللغتين الإنكليزية والفارسية إضافة إلى العربية طبعاً. في الطبعة الإنكليزية ستصبح "فكر وفن" مُتاحة للأوروبيين إضافة إلى القراء من الهند ونيجيريا وأندونيسيا، فيما ستُمكّن الطبعة الفارسية المجلة من الانتشار في منطقة آسيا الوسطى. ويعكس لجوء المجلة إلى الانكليزية والفارسية من أجل ضمان تواصل أوسع مع العالم الإسلامي وعي مُحرّريها الشباب بأن ما يطلق عليه عادة العالم الإسلامي يبقى أوسع وأعمق مما يعتقده الكثيرون في أوروبا. وعلى رغم أن شتيفان فايدنر مدير تحرير "فكر وفن" الجديد يبدو فخوراً بتاريخ هذه المجلة التي نجحت منذ مطلع الستينات من القرن الماضي في دعم الحوار الثقافي العربي - الألماني من خلال المجهودات الجبارة لمؤسسها ألبرت تايله الصحافي المتخصص بتاريخ الفنون وزميلته آنا ماري شيمل المستشرقة الألمانية ذات المعرفة الواسعة بالعالم الإسلامي، إلا أن المحرر الجديد يريد فتح "فكر وفن" على أسئلة جديدة، صعبة وضرورية، يفرضها المناخ الحالي الذي يسود العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001. فهذه الأحداث تضع المجلة بحسب افتتاحية العدد 75 "في مواجهة تحديات ومهمات جديدة لتجاوز الهوة المتزايدة بين الشرق والغرب. ولذلك تسعى هيئة التحرير الجديدة الى معالجة المواضيع الحيوية والمهمة بالنسبة الى الشرق والغرب على السواء معالجة نقدية وصريحة". بل إن المجلة وفي إطار الرغبة في تجديد مواضيعها ستعمل، كما نقرأ في افتتاحية عددها الأخير، على تناول "المواضيع الخلافية بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب، من دون أي قيود أو محرمات. لن نُعيد ما هو معروف ومُتّفق عليه من الجميع، بل سنطرق أبواب المواضيع التي تُعقِّد التفاهم وتجعله عسيراً. وسننشر وجهات نظر عدة عن الموضوع الواحد. فهدفنا هو التحريض على تفاهم أكثر استمراراً وعمقاً". ويبدو أن هذه المجلة التي كانت تطالعنا في السابق بمقال مصور عن عالم الخيل ظناً من ناشريها أن العرب جميعهم شغوفون بالخيول، أو باستطلاع عن قصور الباروك في ألمانيا، بدأت تعرف اليوم تحولاً وهي تستحضر البعد السياسي في معالجتها للثقافي. ولأن هذا التَّماس محفوف بالمزالق والإلتباسات كانت افتتاحية العدد الجديد واضحة وهي تحدد "أن "فكر وفن" مجلة تعي تأثير السياسة في مكانها المناسب وفي الزمان المناسب أيضاً. وإذا كانت هناك تصورات في ربط الثقافات من خلال مجلة وخلق شبكة حوار بينها، قد تكون سياسية أيضاً، فمثل هذا الهدف لا يتحقّق إلا من خلال الثقافة". لكن المجلة لن تلغي الفن من حسابها خصوصاًَ أن هذا الاخير صار يوثّق الواقع المعاصر بوسائله، وهو ما بدا واضحاً من خلال الدورة الحادية عشرة لمعرض "الدوكومنتا" الذي يقام مرة كل خمس سنوات لمدة مئة يوم في مدينة كاسل في ألمانيا، وقد خصصت له المجلة ملف عددها السادس والسبعين. ولعلّ أهم ما يميز هذا المعرض الذي انطلق للمرة الأولى سنة 1955وصار اليوم واحداً من أكبر معارض الفن المعاصر في العالم، هو تغيير مديره مع كل دورة مما يجعل منه مرآة للفن المعاصر، لكن من منظور ذاتي جداً. فبما أن لمدير المعرض مطلق الحرية في اختيار الفنانين وبما أنه يأتي كل مرة من بلد مختلف، فإن الجمهور يواجه مع كل دورة من دورات "دوكومنتا" فناً مغايراً. بل حتى مفهوم الفن يعاد تحديده من جديد مع كل دورة. وأجمع النقاد على أن جدل الفن وتحولاته من الملامح الأساسية لدوكومنتا 11 التي عرفت للمرة الأولى تعيين مديراً غير أوروبي لها، وهو النيجيري - الأميركي أكوي إنفيزور. ومثلما لاحظ أحد النقاد الفنيين، فهذه الدورة لم تسعَ لتقديم معارض وثائقية تُوثّق الفن المعاصر كما جرت العادة، بل انصرفت إلى توثيق الواقع المعاصر بوسائل الفن.