الحشود الأميركية المتزايدة حول العراق ونتائج العمل العسكري محور اهتمامات وسائل الاعلام في روسيا شأن مثيلاتها في معظم دول العالم. لكن أول ما يلفت أنظار متابعي ما تنشره وسائل الاعلام الروسية هو حال الارتباك التي سيطرت عليها في التعامل مع الموضوع العراقي. بعضها حمل لواء الدفاع عن الموقف الأميركي ولم يحاول إخفاء تأييده المطلق لحملة "تحرير العراق وشعبه من الديكتاتورية"، فيما التزم آخرون الحذر وآثروا انتظار اتضاح موقف الكرملين إزاء تداعيات الموقف في المنطقة. ودعا غيرهم الى الحفاظ على مصالح روسيا الاقتصادية والتحالف مع الطرف الذي يستطيع ان يقدم أفضل ضمانات لموسكو. والأكيد أن الحدث العراقي أحدث شرخاً في الاستراتيجية غير المعلنة التي طالما وحدت وسائل الاعلام الروسية في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، وكانت تضع على مدار سنوات خطوطاً حمراء يصعب على الكتاب والمحللين تجاوزها من بينها مثلاً الحديث عن وحشية الجيش الاسرائيلي والآثار الكارثية للاحتلال أو الكتابة ولو بالتلميح عن مشروعية مقاومة هذا الاحتلال. هذه الاستراتيجية لم تستطع الصمود أمام تشعبات الملف العراقي وارتباطه بمصالح حيوية لروسيا، وهو ما ظهر من خلال إيلاء عدد من كبريات الصحف الروسية حيزاً مهماً من تغطيتها لتحليل حسابات الربح والخسارة في حال انطلاق العملية العسكرية ضد بغداد. ووضعت صحيفة "ارغومنتي اي فاكتي" في خانة الخسائر فور اطاحة القيادة العراقية الحالية ضياع عقود نفطية مهمة موقعة مع بغداد اضافة الى اتفاقات سابقة لتسديد ديون تزيد على 8 بلايين دولار، وأشارت الى توقعات هبوط أسعار النفط عقب العملية مشيرة الى أن كل تراجع بواقع دولار واحد للبرميل سيؤدي الى خسارة روسيا بليون دولار سنوياً. وتوقع محللون في الصحيفة ان تؤدي العملية الأميركية الى انهيار أنظمة عدة في غرب آسيا واندلاع صراعات في عدد من الدول قد تطاول شظاياها الحدود الجنوبية للرابطة المستقلة. ورأت الصحيفة ان "الهم الأساسي" الذي يشغل بال موسكو حالياً هو طبيعة الحكومة التي ستأتي بعد اطاحة القيادة الحالية في العراق مشيرة الى أن أي ضمانات تقدمها واشنطن الآن بمراعاة المصالح الاقتصادية لروسيا لن تكون أكثر من "حبر على ورق" بعدما يشعر البيت الأبيض "انه ملك العراق". لكن صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الواسعة الانتشار حذرت من الوثوق بالقيادة العراقية الحالية وكتبت ان التعاون معها يبدو مستحيلاً على المدى البعيد، ورأت في تراجع بغداد عن عقود نفطية كبرى قبل أسابيع "نموذجاً على سيناريوات التطورات المتوقعة"، في الوقت ذاته شددت على أن السيطرة الأميركية على العراق تشكل "خطراً أكبر على مصالح روسيا"، مشيرة الى أن "التغيير من الداخل" هو أفضل الحلول للمشكلة العراقية، وتوقعت الصحيفة ان تكون المملكة العربية السعودية هدف الولاياتالمتحدة اللاحق. وأضافت ان واشنطن "ستخرج من جعبتها في اللحظة المناسبة أدلة على تورط الرياض في دعم الارهاب"، ورأت ان هذه المهمة لن تكون أصعب على الادارة الأميركية من تلفيق أدلة ضد بغداد. وفي السياق نفسه كتبت صحيفة "كوميرسانت" ان الحرب على العراق واحدة من حلقات إعادة ترتيب العالم حسب الهوى الأميركي، وتوقع كاتب أحد الأعمدة ان تستمر الحرب التي أعلنتها واشنطن ضد "محور الشر" سنين طويلة مشيراً الى أن هذا المحور سيشهد انضمام دولة "شريرة" أخرى وستقوم حروب ضد دول عدة كلما دعت المصالح الأميركية لذلك، وتناولت الصحيفة زيارة رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف للعراق ورأت فيها "نذير شؤم"، مذكرة بمهمة مماثلة قام بها في الربع ساعة الأخير قبيل انطلاق "عاصفة الصحراء عام 1991". وأشارت "كوميرسانت" في تعليقها الى أن مهمة المبعوث الروسي الغامضة ربما يكون هدفها الوحيد توفير فرصة للكرملين كي يؤكد انه بذل جهوداً حثيثة لوقف اندلاع الحرب. ووجدت صحف مشهورة بعدائها للعرب والمسلمين في تطور الموقف فرصة جديدة لشن حملات عدائية. ودخلت صحيفة "ازفستيا" في تنافس مع الاعلام الأميركي في حديثها عن أن الرئيس العراقي هو "مصدر الخطر الأساسي على الأمن والسلام في العالم، وحتى عندما خرجت التظاهرات في أنحاء العالم ضد الحرب، فإن "ازفستيا" وجدت فيها "تهمة اضافية" وعنونت موضوعها الرئيسي على الصفحة الأولى بعبارة "صدام حسين شق البشرية". وفي الاطار نفسه مضت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" في حملتها المعادية للعرب، وفي ظل تزايد المخاوف في العالم من آثار الحرب المحتملة في المنطقة آثرت الصحيفة ان تقنع قراءها بأن الولاياتالمتحدة هي التي تتعرض للتهديد على يد العراقيين وأفردت صفحة كاملة لتحقيق مصور من واشنطن تحدثت فيه عن "معاناة الاميركيين ومخاوفهم من هجمات عراقية ضد أراضيهم".