دمشق - رويترز - يوصل شارع مترب في وسط دمشق حيث يسير بعض الطلبة والرجال المسنين بخمول في حدائق المتحف الوطني، الى نافذة تطل على نفحة من الحياة قبل ألفي عام، عند اطراف واحدة من اقدم امبراطوريات العالم. والآثار التي كشف عنها في صالحية الفرات، "دورا اوروبوس" البلدة التي بنيت منذ نحو 300 عام قبل الميلاد على ضفة نهر الفرات، تستحضر العوالم القديمة لليونان والرومان والفرس. وتصف جانين عبد المسيح عالمة الآثار العاملة في مشروع فرنسي - سوري يهدف الى حماية الآثار ودراستها واستكشافها، ان هذه المدينة "ملتقى الامبراطوريات". وتوضح ان المدينة التي تقع على هضبة تطل على النهر، كانت مركزاً للغزاة على مدى خمسة قرون، والنقطة التي امتزجت فيها حضارات العالم القديم وشكلت مهد الفن للقرون التالية. واشتهرت دورا اوروبوس باللوحات الكبيرة فريسك على جدران المعابد. وتلقي هذه الجداريّات الضوء على المتغيرات التي شهدتها المدينة، وما تركه الغزاة عليها من بصمات. ويقول بيير لوريش، المدير المشارك لمشروع دورا اوروبوس: "كانت المدينة مثل بوتقة انصهرت فيها اشكال الفنون التي ازدهرت عبر طرق مرور القوافل... وأصبحت ملتقى للحضارات الهلينية والسامية... للشرق والغرب". وما كان للمدينة التي ظهر اسمها كثيراً في النصوص القديمة، والتي بدأ علماء الآثار في البحث عنها من دون جدوى في القرن الثامن عشر، ان تكتشف لولا تلاق جديد بين الشرق والغرب. القوات البريطانية التي اشتبكت مع القوات العربية، اثناء تمرد في بلاد الرافدين العام 1920، جابت الموقع المهجور بحثاً عن مأوى وبدأت في الحفر... فظهر جزء من معبد على مشارف المدينة. وكان للكشف اثر كبير، إذ يضم رسوماً تربط بين الحضارة الهلينية والحضارة البيزنطية المسيحية وعصر النهضة. وأكدت عمليات التنقيب التي بدأت العام 1922 ان الموقع هو لمدينة دورا اوروبوس الشهيرة. وأدت عملية حفر ثانية الى الكشف عن نحو ثلث الموقع وأعطت صورة عنه العام 1938. وشكلت هذه الجهود اسس الاعتقاد السائد حالياً عن تاريخ دورا اوروبوس، وهو ان يونانيين شيدوها، وغزاها الفرس العام 113 قبل الميلاد، ثم احتلها الرومان بعد ثلاثة قرون. وفي أحدث غزو للموقع العام 257 ميلادياً، من قوات الامبراطورية الساسانية في ايران، توج القتال بمعركة اضرمت فيها النار في المدينة. ورحل أهالي المنطقة، باستثناء مستوطنة عربية صغيرة كانت موجودة في القرن السابع عشر بعد الفتح الاسلامي، فظلت دورا اوروبوس خالية تقريباً ومنسية على مدى 16 قرناً. ومنذ عمليات الحفر التي مرّ عليها أكثر من نصف قرن، تآكلت المباني بفعل عوامل التعرية في الموقع القريب من الحدود العراقية. واستأنف المشروع السوري الفرنسي العمل العام 1986، فعادت الحياة تدب في المنطقة هذه المرة بفرق من خبراء الآثار الساعين لحماية آثار المنطقة التي تضم جدراناً مرسومة، نقلت الى المتحف الوطني في دمشق.