911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    الإطاحة بمشعل النار في محمية طويق الطبيعية    إحالة محاسبين غير مرخصين إلى النيابة العامة    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    ترأسا الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى المشترك.. ولي العهد ورئيس إندونيسيا يبحثان تعزيز التعاون    في أولى مواجهات دور ال 8 لكأس العالم للأندية.. الهلال يواجه فلومينينسي بآمال التأهل نصف النهائي    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    محافظة شقراء والأمن الغذائي    وزارة الرياضة تعلن انتقال أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة الدوري السعودي للمحترفين    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    منتخب الصالات يقيم معسكراً في البوسنة    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    واشنطن تعلق إرسال شحنات أسلحة لأوكرانيا    لبنان يؤكّد الالتزام بالقرار 1701    مجلس الشيوخ يقرّ مشروع قانون ترمب للموازنة    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية تيسير لمساعدة ذوي الإعاقة على الزواج    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    رؤيتنا الوطنيّة 2030 تبني مناهجنا    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    المؤسسات العلمية في عالم المتغيرات    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    محمد بن عبدالرحمن يفتتح ورشة الوضع الراهن في إمارة الرياض    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    اتحاد القدم السعودي يوافق على تقديم فترة تسجيل اللاعبين    ملتقى "مشروع مجتمع الذوق" يجمع قادة المؤسسات في المنطقة الشرقية    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام ينظم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات    تعيين أحمد زيدان أمينا عاما لغرفة المدينة المنورة    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم ضمن الأفضل عالميًا    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربع قرن بعد زيارة الرئيس السادات للقدس . تواصل تاريخي ... دوافع مرحلية ... ام رؤية استراتيجية ؟
نشر في الحياة يوم 27 - 11 - 2002

في هذه الايام يمر ربع قرن على حدث مهم من حيث مدلولاته الاستراتيجية ونتائجه قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، ليس فقط على مصر ومنطقة الشرق الاوسط، بل على مجمل النظام الدولي بل وعلى الانماط السائدة للعلاقات الدولية، واعني هنا زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للقدس يومي 19 و20 تشرين الثاني نوفمبر 1977.
وكثيرة هي القراءات التي فسرت هذه الزيارة او سعت الى تفسيرها، وكم هو حجم التباين في ما بينها. وسنكتفي هنا بالتعرض بالتحليل النقدي الموجز لثلاث من هذه القراءات، ثم نقدم القراءة الرابعة التي نميل الى اعتبارها الاقرب الى المنطقية والواقعية في آن واحد من منطلق ما صدر في شأن هذه الزيارة خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، سواء على لسان صاحب قرار الزيارة او من كانوا حوله على الجانب المصري، او من جانب كبار المسؤولين على الجانبين الاسرائيلي والاميركي او غيرهما ممن كان لهم دور في الترتيب لهذه الزيارة او العمل على تفعيل نتائجها او من خلال ما كتب عنها وهو كثير لا حصر له من صحافيين وكتّاب ومحلّلين سياسيين واستراتيجيين ومعارضين سياسيين وغير ذلك كثيرين.
اما القراءة الاولى التي نتناولها هنا فهي تلك التي ترى في قرار الرئيس السادات بزيارة القدس تواصلاً تاريخياً مع النهج السياسي للرئيس جمال عبدالناصر في اطاره الخاص بالتعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي. ولاصحاب هذا الاتجاه رؤية خاصة تجاه موقف الرئيس عبدالناصر من اسرائيل ومن الصراع العربي معها، فهم يرون ان عبدالناصر سعى لتسوية مع اسرائيل قبل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ولم يمانع حينذاك من حيث المبدأ في اجراء اتصالات مباشرة مع الاسرائيليين لهذا الغرض، كذلك يشيرون الى استعداد مماثل لدى الرئيس المصري الراحل في اتصالات مع ادارة الرئيس جون كينيدي في مطلع الستينات من القرن العشرين، واخيراً يذكرون ان عبدالناصر انتهج منذ حرب الخامس من حزيران يونيو 1967 نهج السعي لتسوية سياسية مع اسرائيل بدءاً من قبول قرار مجلس الامن الرقم 242 في تشرين الثاني 1967 الذي اكد حق اسرائيل في العيش داخل حدود آمنة ومعترف بها وانتهاء باعلانه القبول في تموز يوليو 1970 - اي قبل رحيله بشهرين فقط - بمبادرة روجرز الاميركية لوقف اطلاق النار وبدء التفاوض باتجاه تسوية سلمية.
ومع تقديرنا لاجتهاد اصحاب هذه الرؤية، فاننا نرى فيها قدراً من المبالغة في الرهان على التواصل التاريخي بين الحقبتين الناصرية والساداتية في ما يتعلق بمنهج ادارة الصراع العربي الاسرائيلي فلا شك لدينا وجود تباينات مهمة بين الشخصيتين في هذا المجال حتى لو اقررنا بفرضية التشابه من دون التماثل بين القيادتين في تفضيل التسوية السلمية للصراع مع اسرائيل والاقرار الضمني او المعلن بأن وجود دولة اسرائيل حقيقية لا يمكن تجاهلها لاعتبارات تتصل بفكر القيادتين والدروس والمستفادة لدى كل منهما من التجارب المتراكمة في التعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي ورؤية كل منهما لطبيعة علاقات مصر العربية ودورها الاقليمي وتصور شكل علاقاتها مع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الاميركية.
اما القراءة الثانية التي نتعرض لها هنا بالتحليل النقدي فهي تلك التي اعتبرت زيارة الرئيس الراحل السادات للقدس نتاجاً لتفاعلات شهدتها سياسة مصر الداخلية والاقليمية خلال عام 1977 وما جسدته هذه التفاعلات من تعميق ازمة متعددة الابعاد كانت تواجهها القيادة السياسية المصرية حينذاك، وكذلك ارتباط هذه التفاعلات بحال الجمود التي لحقت بسبل تسوية الصراع العربي الاسرائيلي عبر صيغة دولية تباركها او تشرف عليها الامم المتحدة. وركز اصحاب هذه القراءة على ثلاثة احداث تحديداً شهدها عام 1977 للدلالة على الازمة التي واجهتها القيادة السياسية المصرية ووجدت في زيارة القدس سبيلاً للخروج منها، وهذه الاحداث هي: انتفاضة 18 و19 كانون الثاني يناير 1977 التي جسدت مأزقاً يتصل بمدى المشروعية الشعبية للقيادة المصرية في ضوء ما شهدته من مواجهات شوارع بين المتظاهرين وقوات الامن المصرية مما دفع الى انزال قوات الجيش الى الشوارع لاستعادة الهدوء والنظام بعد اعلان حال الطوارئ.
اما الحدث الثاني فهو اختطاف جماعة اسلامية متطرفة اطلقت على نفسها اسم "جماعة المسلمين" واطلقت عليها وسائل الاعلام تسمية "جماعة التكفير والهجرة" لوزير اوقاف مصري سابق ثم تنفيذ حكم الاعدام فيه بفتوى من قيادة الجماعة في ضوء سابق هجومه على افكارها، وهو ما شكل انذاراً جدياً بتصاعد قوة التيارات الاسلامية المتطرفة وتوجهها نحو تحدي سلطة الدولة. وجاء ذلك بعد ثلاث سنوات من محاولة قامت بها جماعة اسلامية اخرى عرفت باسم "شباب محمد" للقيام بانقلاب عسكري ضد الرئيس المصري الراحل السادات.
اما الحدث الثالث والاخير ذو الدلالة عام 1977 فكان ايضاً في شهر تموز من ذلك العام، واتصل بوصول التوتر بين القيادتين السياسيتين في مصر وليبيا والقائم منذ السنوات الاولى لتولي السادات مقاليد الحكم عام 1977 خلفاً لعبدالناصر الى مدى غير مسبوق عبر اندلاع اشتباكات عسكرية دورية بين البلدين وتوغل القوات المسلحة المصرية الى طبرق داخل ليبيا ونسف منشآت عسكرية هناك، وذلك في اول مواجهة عسكرية مصرية مباشرة مع دولة عربية اخرى منذ ثورة "23 يوليو 1952" في مصر.
ومن جانبنا نرى انه على رغم مما تتمع به هذه القراءة من اتساق منهجي ووجاهة موضوعية، فانها تتسم بأنها "قصيرة النفس" بمعنى انها تكاد تقتصر في تفسيرها على احداث شهدتها مصر او كانت طرفاً فيها عام 1977 من دون الذهاب ابعد من ذلك، وهو امر يصعب القبول بأنه شكل توجه القيادة السياسية المصرية نحو اتخاذ قرار زيارة القدس في ضوء المخاطر المحيطة بمثل هذا القرار والحاجة للدراسة المتأنية والتشاور الطويل والاعداد الجيد لمثل هذا القرار بما يتجاوز الفترة منذ مطلع عام 1977 حتى تشرين الثاني من ذلك العام.
وثالث القراءات التي نتناولها هنا بالنقد: هي تلك التي تقول أن السادات كان يتمتع ب"رؤية استراتيجية" ثاقبة، وانه ادرك واقع المعطيات الاقليمية والدولية واستشرف آفاقها المستقبلية واتسمت قراءته لها بالواقعية وحسن التوقع. وفي هذا السياق يرى اصحاب هذه القراءة ان الرئيس السادات قدر منذ ذلك الوقت ان النظام الدولي ثنائي القطبية في طريقه الى الزوال وانه في ضوء متابعته عن قرب لما يجري في الاتحاد السوفياتي ومصادر معلوماته عنه اعتبر ان النظام الشيوعي هناك مرشح للانهيار في ظرف فترة زمنية قصيرة وانه كان يعاني منذ السبعينات من حال جمود في النظام السياسي وبوادر ازمة على الصعيد الاقتصادي وتراجع على الصعيد العلمي والتكنولوجي بالاضافة الى تذمر عدد من الجمهوريات السوفياتية وسكانها الاصليين من سيطرة الروس والحزب في موسكو. وفي ظل تلك الرؤية المستقبلية يخلص اصحاب هذه القراءة الى ان الرئيس السادات قرر الرهان حتى آخر مدى على الولايات المتحدة وعلى التفاوض المباشر مع اسرائيل سعياً للتسوية السلمية السريعة معها من جهة، ولكسب ثقة الولايات المتحدة والغرب بشكل نهائي من جهة ثانية، ولبناء صداقة ذات طابع استراتيجي مع يهود الولايات المتحدة وبتأثيرهم السياسي والاقتصادي والاعلامي العميق من جهة ثالثة.
وكما نرى فان القراءة تراهن على عبقرية وبعد نظر القيادة السياسية المصرية في السبعينات وهو امر غير قابل للقياس العلمي ومن الصعب عزله عن مرتكزاته الفكرية والسياسية والاقتصادية، كما انه يتصف بالذاتية اكثر منه بالموضوعية، كذلك فان التحفظ الاهم يتصل بأن هناك من يقول العكس تماماً، اي ان الرئيس السادات من خلال سياساته في السبعينات وحتى اغتياله في تشرين الاول اكتوبر 1981 ساهم بشكل مباشر في اضعاف الاتحاد السوفياتي السابق من خلال ارتباطاته الوثيقة بالاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط وافريقيا وجنوب آسيا ودعمه لها، كما ان هؤلاء اعتبروا ان سياسات الرئيس الراحل ساهمت في اضعاف الموقف العربي العام ازاء اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية.
وعقب هذه الرؤية التحليلية النقدية للقراءات الثلاث ضمن القراءات الشائعة لتفسير زيارة الرئيس السادات للقدس ننتقل الى القراءة التي نراها اقرب للمنطقية والواقعية والاتساق المنهجي لتفسير هذه الزيارة. وطبقاً لهذه القراءة فان فترة حكم الرئيس السادات وبعيداً عن الاتهام الشائع لها بان قرارات القيادة السياسية خلالها اتسمت بالتلقائية والعشوائية مثلت طرحاً متكاملاً تبلور بشكل متزايد كلما تقدم حكم الرئيس الراحل، واتصف هذا الطرح بأنه مربّع الاضلاع، حيث تكوّن من: الدفع بانفتاح اقتصادي خارجي واتباع سياسة اقتصاد سوق داخلياً، واقامة نظام تعددية محدودة ومقيدة على الصعيد السياسي الداخلي بما لا يهدد ركائز الحكم وفي الوقت ذاته يكون له انعكاس ايجابي على صورة البلاد في الخارج، وتحديداً في الغرب والاتجاه نحو التقارب مع الغرب خصوصاً الولايات المتحدة الاميركية بهدف بناء شراكة سياسية واقتصادية واستراتيجية معه، واخيراً السعي لتسوية سلمية مع اسرائيل تنهي الصراع معها وتزيل عبء الانفاق العسكري، والمواجهات المتتالية معها من على كاهل مصر واحلال الاستقرار بالمنطقة وجذب الدعم العسكري والاقتصادي والتكنولوجي الغربي لمصر لاعادة بناء اقتصادها. وبالتالي فان هذه "الصفقة المتكاملة" شكلت ما يمكن تسميته ب"الساداتية" مقابل ما جرى على تسميته ب"الناصرية" وهي التي يمكن في اطار فهمها التعرف على الدافع العام لاتخاذ قرار زيارة القدس من دون انكار دور عوامل اخرى وردت في القراءات الثلاث المشار اليها آنفاً في تحديد توقيت هذا القرار والظروف المحيطة به.
* كاتب وباحث مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.