تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    الذهب يواصل خسائره الأسبوعية مع تراجع التوترات الجيوسياسية    «الملك سعود» و«المنتجين».. تعاون فني وثقافي    الاكتتابات في السوق المالية بين تضخم الأسعار وتخمة المعروض    غزة.. مجازر مروّعة وقصفٌ لا يتوقَّف    رونالدو: ولي العهد أهم شخصية مؤثرة في التطور الناجح للمملكة    النصر يعير دوران ويقترب من جيسوس    الهلال يفقد نجمه الأول أمام السيتي    الأخضر السعودي يواجه المكسيك صباح اليوم الأحد    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    المملكة تحارب السموم.. وطن بلا مخدرات    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    13.400 طالب يعززون مهاراتهم العلمية والمعرفية    «الإسلامية» تُنفذ زيارات رقابية في الزلفي ونجران    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    اختتام منافسات الجولة الأولى من بطولة السعودية لصعود الهضبة 2025    في ثالث أيامه.. معرض حرس الحدود التوعوي يواصل فعالياته في عسير    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    ولي العهد صانع المجد وافي الوعد    "الخط السعودي" يتزين في نادي جدة الأدبي    ولي العهد.. الجانب الآخر    إيران مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع أميركا    «مكافحة المخدرات» بتبوك تنظم معرضاً توعوياً للتعريف بأضرارها ومخاطرها    رونالدو لجماهير النصر: البقاء هنا من أجلكم    موجة حارّة تلفح أوروبا    رينارد: المكسيك ليست سهلة    الصبان أكد أن الاختيار كان وفق تنظيم وشفافية .. (35) لاعبًا ولاعبة يمثلون السعودية في بطولة آسيا للتايكوندو بماليزيا    "الغروي" مديرًا لإدارة جودة الخدمات بتعليم جازان    مشروع "واجهة زان البحرية".. يعزز القطاع السياحي والترفيهي والاستثماري بجازان    أمانة منطقة جازان تحقق المركز الثاني على مستوى أمانات المملكة في مؤشر الارتباط الوظيفي    أسواق الطيور تجربة سياحية رائعة لعشاق الحيوانات الأليفة في جازان    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    البدء بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين ابتداءً من 1 يوليو    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    تحسن أسعار النفط والذهب    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية وحكم التاريخ ... ضد المؤلف
نشر في الحياة يوم 27 - 11 - 2002


وقعت بين يدي من باب الصدفة، رواية الطاهر وطار "الزلزال" التي كنت قرأتها منذ عشرين سنة خلت، أي في فترة كانت الجزائر تخوض تجربة "الثورة الزراعية" والتشييد الاقتصادي على النمط الاشتراكي من خلال ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وللقطاع المالي واحتكار التجارة الخارجية... وتدور الرواية حول شخصية "بولرواح" الذي يعود إلى مدينة قسنطينة بعد غياب دام أربع عشرة سنة، قصد توزيع أرضه على ورثته، هروباً من سياسة التأميم التي كانت تنتهجها الدولة آنذاك. "سيسطون على أرزاقنا"، يقول بهذا الصدد "بولرواح" لصديقه "بالباي"، صاحب مطعم في المدينة نفسها، قبل أن يضيف له بهمس: "أقسم في الورق الأرض على الورثة حتى إذا ما جاؤوا لم يجدوا بين يدي الشيء الكثير". لقد وظف المؤلف "بولرواح" كشخصية مركزية في النص، حيث نجده، في آن واحد، مداناً، معبراً عن قيم سلبية من منظور الإيديولوجية السائدة في تلك الفترة، إذ جعله مبدعه معادياً للاشتراكية وكارهاً للشعب ولتوجهات المرحلة عموماً. واليوم، بعدما زالت الكتلة الشرقية و انهار الاتحاد السوفياتي وفقدت الاشتراكية بريقها، لا يمكن لمن يقرأ الرواية ثانية إلا أن يلاحظ بأن التاريخ قد انتصر ل"بولرواح" وكذب مبدعه ومؤلفه. فها هي الجزائر نفسها تشرع في التحول نحو الرأسمالية وتعيد الأراضي إلى من انتزعت منهم ويعترف الجميع بأن الثورة الزراعية كانت خطأً استراتيجياً لا تزال الجزائر تدفع ثمنه إلى الآن. ظاهرة انتصار التاريخ لشخصيات سردية مدانة في النص شائعة في الرواية الجزائرية، بسبب طغيان العامل الإيديولوجي على نصوصها. الشيخ "علاوة"، مثلاً، في رواية "بان الصبح"، لعبدالحميد بن هدوقة، سينتصر بدوره، بصفته شخصية روائية مدانة في النص، على الكاتب الذي خلقه. فقيم الشيخ "علاوة" المتمثلة في العداء للاشتراكية وللطب المجاني والثورة الزراعية، هي التي ستنتصر تاريخياً على حساب قيم المؤلف. وهكذا يحسم تاريخياً الصراع الإيديولوجي بين المبدع وشخصياته، داخل النص، لفائدة هذه الشخصيات. تلك الشخصيات التي جعلها المؤلف تنطق بالباطل وتتصف بالانتهازية والتزمت، أي فاقدة لكل صفة إيجابية خليقة بأن تجعلها تمارس قدراً من الجاذبية على القارئ. ذلك أن المنظور الذي يؤسس لهذا النمط من السرد الروائي مرتبط بالثنائية القديمة حول الخير والشر، بحيث تكون الشخصية إما خيرة بتمامها أو شريرة بكاملها، وما النص إلا فضاء الصراع الدائر بينهما. وقد اتخذ الصراع بين الخير والشر نمطه الحديث في هذه النصوص السردية، صورة الصراع الطبقي، من خلال ثنائية البروليتاريا والبورجوازية، التقدمية والرجعية، وما ارتبط بهما من تقسيم الفن والأدب إلى اتجاه ملتزم واتجاه الفن من أجل الفن، إلى أدب بروليتاري وأدب بورجوازي، أدب تقدمي وأدب رجعي، وما إلى ذلك. والحقيقة أن ربط الأدب بمبدأ "الخير" هو تصور نظري تبلور أساساً خارج الحقل الأدبي، أي في إطار أنظمة فكرية ليس لها صلة مباشرة بالفن، كالأفلاطونية والماركسية والوجودية. أما في الأعمال الإبداعية الكبرى فإن هذه العلاقة لا تبدو واضحة، فالفن الرفيع لا يهدف بالضرورة إلى الإصلاح والتهذيب، وإذا ما وجد ذلك كان على نحو غير مباشر. ويؤكد ألبير ميمي بهذا الصدد بأن جوهر الأدب لا يكمن في رسالته الأخلاقية أو السياسية، أي في تكريس القيم والأخلاق السائدة أو على العكس من ذلك في تدميرها لإقامة قيم أخرى على أنقاضها ولا هو في جوهره تقنية من تقنيات تغيير الواقع والتاريخ أو مجالاً معرفياً أو فلسفياً. إن الأدب يتعامل مع هذه المجالات، لكن من دون أن ينحل فيها وبشرط أن يحولها إلى مادة جمالية، وبالتالي أن يصنع منها شيئاً آخر، تنطبق عليه صفة "الأدبية". فالأدب، بالدرجة الأولى، غاية نفسه، وبعد ذلك يمكن أن يكون شيئاً ثانياً. وقد يعود غلبة العامل الإيديولوجي في النص السردي الجزائري، إبان العهد الاشتراكي، إلى كون معظم الروائيين الجزائريين، إن لم يكن جميعهم، يساريين. بيد أن ذلك لا يجعل من الأمر شيئاً محتوماً، فرشيد بوجدرة، مثلاً، وبالرغم من ماركسيته، حرص دوماً على كتابة نصوصه السردية خارج هيمنة الإيديولوجيا والسياسة، واضعاً العامل الأدبي والجمالي في صلب ماهية عمله الروائي. إنه هو القائل، متحدثاً عن زملائه الذين اختاروا طريقاً آخر: "ها هي الاشتراكية زالت ولن يبقى غير الأدب". وهكذا يبدو أن الأدب ليس مجرد امتداد للنضال الذي يخوضه الكاتب في حياته اليومية، على طريقة عبدالحميد بن هدوقة القائل بأن الكاتب: "يجب أن يكون ... الداعي لمثل عليا للمجتمع الذي يعيش فيه"، أو على منوال أندريه مالرو الذي يمثل الأدب عنده إحدى وسائل المشاركة في "تراجيديا العصر"، و ج. ب. سارتر الذي بلور مفهومي الالتزام والمسؤولية بالنسبة للكاتب. إن مجال ممارسة النضال السياسي هو في الميدان وليس في الأدب، أي على الورق.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.