أسهم أوروبا تغلق عند ذروة قياسية    المعهد العقاري السعودي يوقّع عددًا من اتفاقيات التعاون    أمير جازان يرعى معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي "إبداع جازان 2026"    ولي العهد يلتقي القادة المشاركين في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار    السعودية: مواقفنا راسخة وثابتة تجاه فلسطين وشعبها    السعودي الألماني الصحية تستعرض شراكاتها وإنجازاتها الريادية في ملتقى الصحة العالمي 2025    أمير جازان يرعى انطلاق فعاليات النسخة الثانية من "موسم التشجير الوطني    وزير الصحة يزور ركن تجمع الرياض الصحي الأول ويطّلع على أبرز مبادراته في ملتقى الصحة العالمي 2025    الجلاجل يطلق مركز القيادة والتحكم الأول من نوعه بالعالم لمتابعة حالات السكري    طيران دلتا يعلن عن تدشين أولى رحلاته المباشرة بين أتلانتا والرياض اعتباراً من 2026    مركز الملك فهد لأورام الأطفال : 3318 عملية زراعة خلايا جذعية و150 سنويًا للأطفال    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    رئيس وزراء جمهورية ألبانيا يصل إلى الرياض    الكاراتيه ينهي بطولته المفتوحة    الشورى يقر توصيات لتدريب وتأهيل القاصرين لاستثمار أموالهم بفاعلية    يايسله يختار بديل رياض محرز    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود جمعية "انتماء وطني"    الاحتلال الاسرائيلي يعتقل 20 فلسطينياً    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت فنسنت وجزر الغرينادين بذكرى استقلال بلادها    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    والدة الإعلامي أحمد الغامدي في ذمة الله    تحت رعاية خادم الحرمين.. انطلاق النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض    لأن النفس تستحق الحياة".. جمعية "لهم" تُطلق فعالية توعوية مؤثرة في متوسطة 86 عن الصحة النفسية والإدمان    أوكرانيا تستهدف موسكو بعشرات الطائرات المسيرة    لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    أمانة نجران 4287 جولة وزيارة خلال أسبوع للصحة العامة    فريق مصري يبدأ عمليات البحث في غزة.. 48 ساعة مهلة لحماس لإعادة جثث الرهائن    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    تمهيداً لانطلاق المنافسات.. اليوم.. سحب قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    المخرج التلفزيوني مسفر المالكي ل«البلاد»: مهندس الصوت ومخرج المباراة يتحملان حجب أصوات جمهور الاتحاد    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    يامال يخطط لشراء قصر بيكيه وشاكيرا    إثراء تجارب رواد الأعمال    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    8 حصص للفنون المسرحية    صورة نادرة لقمر Starlink    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمر اكثر استدارة ولمعاناً في الغربة . اسبانيا مرسى "قوارب الموت" المحملة بالحوامل والأطفال الرضع
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2002

تطغى أخبار الهجرة السرية على الصحافة الاسبانية في شكل كبير، وقلما يمر يوم من دون أن تشير عناوين هذه الصحف الى اعتقال مهاجرين عند السواحل المطلة على جبل طارق او اعتراض آخرين في أرخبيل الكناري، أو تدفق المئات في عطل نهاية الاسبوع، وبينهم حوامل وأطفال رضّع على متن "زوارق الموت". اذ تعتبر اسبانيا بوابة المهاجرين الى "جنة" أوروبا التي لم تعد تفصل بين دولها حدود.
بالنسبة الى سكان القارة القديمة وحكوماتها أصبحت الهجرة شراً لا بد منه، لكن طريقة تدفق المهاجرين غير الشرعيين الى بلدان الاتحاد عموماً وإسبانيا خصوصاً وضعت الحكومات وسلطاتها الامنية في حال طوارئ وتأهب دائمين، وباتت تتخذ اجراءات مشددة في حق المهاجرين بحجة مكافحة الهجرة السرية من دون الخوض في اسبابها ودوافعها وبالتالي محاولة معالجتها من طريق تنظيمها في شكل يستفيد منه اكبر عدد ممكن من المواطنين.
أثبتت خطوات تنظيم الهجرة حتى الآن عدم فاعليتها وتعارضها مع بعض القوانين والحقوق الاساسية، واعترف بذلك أخيراً وزير الداخلية الاسباني انخل أثيبيس عندما قال ان الطريقة التي اتبعتها حكومته لتنظيم مجيء المهاجرين فشلت، ووعد بإعادة النظر في الأنظمة المتبعة، اذ ان رجال الاعمال قدموا 343 فرصة عمل فقط من اصل 10884 سمة دخول وافقت الحكومة الاسبانية على منحها لمن يتقدم بعقد عمل ثابت. وهذا ما دفع مصطفى المرابط، رئيس "اتحاد العمال المغاربة في اسبانيا" الذي يمثل مئات آلاف المهاجرين الى المطالبة بالتنسيق مع المنظمات التي تشكل الاتحاد لتنظيم قدوم المهاجرين المغاربة الى اسبانيا.
وتعود جذور الهجرة الى القرن التاسع عشر عندما تحوّل النمو السكاني المكثف الى كابوس بالنسبة الى المجتمعات الاوروبية، فاعتقدت بريطانيا ان الحل سيكون بالنسبة اليها في المستعمرات، فشجعت مواطنيها على الهجرة. اما في المانيا ففكّر البعض في بناء المانيا الكبرى واستعمار بعض الاراضي الروسية التي كانت تفتقر الى السكان. وبعد مئة عام تغيرت الاوضاع، فشهد النصف الثاني من القرن العشرين تغيّراً في وجهة الهجرة في ظل النمو الاقتصادي الكبير الذي سيطر على المجتمعات الغربية التي أدركت حاجتها الى اليد العاملة وضرورة تجديد مجتمعها الذي اصبح معظمه من المتقاعدين. وتشير الاحصاءات الحديثة الى ان نسبة الطبقة العاملة الاسبانية مثلاً ستتوقف عن النمو بعد سبع سنوات، ما سيحول المهاجرين الى ضمانة لمعاشات تقاعد الاسبان.
ولا يختلف الوضع كثيراً في بقية الدول الاوروبية عما هو في اسبانيا. فلولا وصول المهاجرين لكان عدد سكان المانيا وايطاليا والسويد تدنى في شكل مخيف، اذ ان 70 في المئة من النمو السكاني في اوروبا مرده الى الهجرة، وتزيد هذه النسبة في اسبانيا على 80 في المئة. ولو لم يعد العمال المغاربة عن اضرابهم منذ اكثر من سنتين في بلدة ايخيدو الجنوبية الاسبانية بعد تحسين اوضاعهم لأفلس مزارعو تلك المدينة الذين يجني المهاجرون مواسمهم بعدما بلغت خسارتهم اليومية نحو سبعة ملايين يورو.
حاجة سكانية
وتدرك أوروبا انها في حاجة الى 160 مليون مهاجر قبل سنة 2050، تحتاج اسبانيا الى 12 مليوناً منهم بمعدل 240 الف مهاجر سنوياً بحسب تقرير اعدته الامم المتحدة، اقله من اجل ضمان عدم انهيار نظام الضمان الاجتماعي لديها، وبالتالي الاستمرار في دفع معاشات تقاعد شيوخها. لكنها لم تكتشف حتى اليوم طريقة صحيحة وجديرة بسد حاجتها من دون المرور بالهجرة غير الشرعية.
ويؤكد الخبراء ان عدد سكان أوروبا سينقص قبل عام 2025 نحو 35 مليون شخص، واسبانيا مثلاً سيخفض عدد سكانها من نحو اربعين مليوناً اليوم الى نحو ثلاثين بعد 50 سنة. واذا ما رجعنا الى نسبة المهاجرين من اصل عدد السكان. فإسبانيا التي تتمتع الى جانب ايطاليا بأدنى نسبة من النمو السكاني 2.1 وأعلى نسبة من المسنين الى جانب السويد وايطاليا واليونان وتتعادل بذلك مع المعدل العام في الاتحاد الاوروبي، اي 16،7 في المئة من مجموع عدد السكان، تبلغ نسبة المهاجرين في سكانها 30 في المئة 8،3 في بلجيكا، 9 في المانيا، 9،3 في النمسا، 5،5 في فرنسا، 33 في لوكسمبورغ، 1،7 في اليونان والبرتغال وفنلندا.....
ويغامر كل يوم مئات المهاجرين من العالم الثالث، إذ يقطعون آلاف الكيلومترات بحثاً عن حياة افضل، فيموت من يموت منهم غرقاً او جوعاً واختناقاً قبل بلوغ اليابسة. وتشير الاحصاءات الى العثور على 3286 جثة في المتوسط بين عامي 1997 و2001 في صفوف المهاجرين عبر البحر من جنوب الصحراء الكبرى والدول المغاربية. ويتوقع ان يرتفع الرقم السنة الجارية أكثر من ثلاثة أضعاف، ناهيك بالذين فقدوا ولم يعثر على جثثهم، اذ ان عصابات التهريب تغرق الزوارق احياناً بمن فيها لاخفاء الادلة. اما من يصلون فيبدأون حياة جديدة ربما تكون اقسى من حياتهم السابقة اذ يواجهون صعوبات الغربة والحصول على عمل ومطاردة الشرطة والعنصرية في اكثر الاحيان. ولا يحل اعتقال المهاجرين وطردهم المشكلة بل يرفع تسعيرة نقلهم، ويزيد عمل العصابات التي تقوم بذلك فتستغل رغبة هؤلاء في الهرب من الفقر والجوع او الحرب والاستبداد بتبشيرهم بنعيم غير موجود لسلبهم كل ما لديهم بعد رهن منازلهم ونقلهم بطرق اقل ما يمكن وصفها به أنها لا تليق بالانسان.
مافيات الرقيق
ويخاطر كثيرون من هؤلاء بحياتهم ويبيعون كل ما يملكون لتسديد نفقات دخولهم الى اسبانيا واوروبا التي تراوح بين 1000 يورو من المغرب وخمسة آلاف من اميركا الجنوبية و20 الفاً من الصين.
اما الذين لا يدفعون فمصيرهم القتل او خطفهم وخطف عائلاتهم على أيدي مافيات الرقيق. ويقطع هؤلاء المغامرون آلاف الكيلومترات من اجل مستقبل مجهول، وكثيراً ما تنتهي محاولاتهم باعادتهم الى الوجهة التي أتوا منها. واستناداً الى معلومات وزارة الداخلية الاسبانية تم طرد اكثر من 40 الف مهاجر غير شرعي في النصف الاول من السنة الجارية.
ويعيش في اسبانيا نحو 1.1 مليون مواطن اجنبي، بينهم نحو 449 الف اوروبي، ويخضع نحو 800 الف من هؤلاء فقط لنظام الضمان الاجتماعي. ويعتقد ان اكثر من ثلث المهاجرين الشرعيين غير الاوروبيين هم من المغاربيين، اما المهاجرون السريون الذين يعتقد ان عددهم يقارب نصف مليون في اسبانيا ثلاثة ملايين في كل الاتحاد الاوروبي فمعظمهم من افريقيا والمغرب.
من هم مهاجرو اسبانيا، وكيف تمكنوا من الوصول اليها وكيف يعيشون؟
لاسبانيا خصوصية تختلف عن غيرها من البلدان التي يتدفق المهاجرون الى اوروبا من طريقها، اذ انها تقع على حدود افريقيا ويتكلم لغتها اكثر من 300 مليون اميركي لاتيني يشعرون بأن من واجب هذا البلد الاوروبي الذي استعمرهم طويلاً وتنعّم بخيراتهم واستقبلوا مفكريه في ما بعد خلال الحقبة الديكتاتورية ونشروا ثقافته، أن يمدّ لهم يد العون. وفي السنوات الماضية كانت عملية الحصول على الاقامة في اسبانيا او تطبيع الوضع غير الشرعي اسهل منها اليوم، لكن عدد القادمين من المغرب او جمهورية الدومينيكان، مثلاً، تضاعف أكثر من عشر مرات. ويستخدم المهاجرون وسائل عدة لاجتياز بوابات العبور، منها ما هو تقليدي وجماعي مثل "زوارق الموت" الى جزر الكناري او مضيق جبل طارق، او الوصول كسياح في الطائرة الى المانيا وهولندا وغيرها بعد ابراز كمية من المال كافية لقضاء اجازة يردها مع نفقات النقل الى المسؤول عن تهريبه بعد دخول اوروبا لينتقل في ما بعد براً الى اسبانيا، ومنها ما هو حديث وفردي حيث يأتي المهاجر المغاربي والافريقي خصوصاً على سطح سيارة او في صندوقها او حتى ملفوفاً في سجادة!
تهريب بالحجاب
مغاربة وجزائريون ونيجيريون وبولنديون ورومانيون واكوادوريون وكولومبيون وبيروفيون وقوقازيون... يأتون من كل القارات ويقطعون آلاف الكيلومترات، ويملكون شجاعة فائقة تساعدهم على عدم الالتفات الى الوراء فيعرّضون حياتهم للموت بحثاً عن جنة جديدة. سميا عنقه، مغربية عزباء في الاربعين من عمرها، درست العلوم الاسلامية وتتقن ثلاث لغات. جاءت الى اسبانيا بطريقة شرعية، وتعمل في منزل عائلة اسبانية/عربية. وهي اختارت الهجرة لتحسين وضعها المعيشي والتمكن من بناء منزل في المغرب. أما فاطمة الدسوقي فجاءت في سيارة مهاجرين مغاربيين مقيمين في هولندا. كانت ترتدي الحجاب، فدخلت بجواز سفر ابنة المهاجر وبقيت في مقاطعة الاندلس. تعرفت الى شاب مغربي وتزوجته وتعمل معه في قطف الفاكهة، وتنوي فتح مطعم مع زوجها عندما تسمح لهما الاحوال المادية.
أما آدريانا ديل بوثو فجاءت من الاكوادور حيث كانت موظفة في الادارة المركزية، بالطائرة الى امستردام ثم بالقطار الى اسبانيا حيث تعمل في تنظيف المنازل. تشكو من بعدها عن اولادها الذين تركتهم في غواياكيل مع والدهم، وتقول: "لم اسدد نفقات انتقالي الى اسبانيا بعد. اتيت بدلاً من زوجي لأن فرص العمل بالنسبة الى النساء اسهل منها للرجال في اسبانيا".
وتؤكد جيان واي التي كانت تدرّس العلوم الاجتماعية في هواتو الصين والتي تعمل محررة في صحيفة اسبوعية باللغة الصينية ان شعبها يحب الهجرة وان هناك مثلاً صينياً يقول: "القمر اكثر استدارة ولمعاناً في بلدان الاغتراب منه في الصين". تروي ان والدها اجبرها على الهجرة فسافرت الى بنما حيث كان يعمل جدها وأعمامها، وحيث تمكنت من جمع رأس مال صغير وفتحت مطعماً هدمته قذيفة اميركية عندما هاجم جيش الولايات المتحدة بنما لاعتقال رئيسها السابق مانويل نورييغا فخسرت كل ما لديها واختارت الهجرة الثانية الى اسبانيا التي كانت تتكلم لغتها.
ديانا فيالبا من تشيلي درست الطب حتى السنة الخامسة وكانت متزوجة من استاذ جامعي في سانتياغو. جاءت مع وحيدها الى المانيا ومنها براً الى اسبانيا حيث تعمل مع عائلة اسبانية في تنظيف المنزل وتربية الاولاد. أما ماري كارمن مونتيرو الكولومبية التي أوصلها مهربو المهاجرين الى اسبانيا من طريق المانيا في رحلة استمرت اسبوعاً وكلفتها ستة آلاف دولار، فتقول انها كانت تملك محلاً لبيع الملبوسات في بلدها، لكن انهيار سعر العملة افقرها. كانت اقامتها في السنة الاولى غير شرعية لكنها وجدت من ساعدها على الحصول على رخصة الاقامة بعدما عملت في تنظيف المنازل.
كوكتيل جنسيات
وتكر سبحة الأسماء والجنسيات: الاوكراني فلاديمير باشنكو يعمل دهاناً بعدما درس الحقوق في بلاده، والسنغالي ابراهيم دادو يوزع قوارير الغاز في محيط برشلونة بعدما درس الهندسة، والروماني جوزيف يعمل في قطف المواسم بعدما كان مهندساً الكترونياً في بلاده. أما البولندية انيوشكا معلمة الرياضيات وزوجها الكيميائي فيعملان في مطعم.
كل هؤلاء يعملون بجهد وسط ظروف قاسية ويساعدون في انعاش الاقتصاد، لكنهم متهمون دائماً لأنهم اجانب، خصوصاً ان بينهم من ضلّ الطريق فتسبب في صيت سيئ لأبناء بلده. لكن هذه البلاد لم تبخل عليهم أيضاً، وربما يجدر التذكير بأن 35 في المئة من تلاميذ اسبانيا المبتدئين هذه السنة و40 في المئة من المواليد الجدد هم من ابناء المهاجرين.
ضرائب مستحقة على العالم الأول
نقلت اسبانيا وفرنسا والبرتغال خلال قرون مستعبدين من افريقيا الى اميركا، حيث كان يموت ثلاثة من كل اربعة منهم قبل الوصول، كما يؤكد ريتشارد رايت في كتابه "اثنا عشر صوتاً سوداء". وتدين أوروبا بنهضتها الى ثروات افريقيا السوداء. وقوة اميركا قامت بعد "ريّها بدم السود وعرقهم" كما كتب ليوبولد سيدار سنغور. وأوروبا المقبلة ستكون على الارجح سمراء اللون على رغم ان قوانين الهجرة الاوروبية في اكثريتها انانية.
وليس غريباً ان تطالب دول العالم الاول بدفع ضرائب لمصلحة فقراء العالم الثالث من اجل اعادة توزيع الثروات وخلق توازن من شأنه ان ينظم التعايش بين الشعوب. فالخلل الكبير يكمن في عدم وجود استراتيجية اوروبية وسياسة اجتماعية موحدة واضحتين لمشكلة الهجرة السرية وضرورة استيراد المهاجرين على المدى القصير، ولذلك فالأوروبيون يلقون بمسؤولية الهجرة السرية على الآخرين.
الحل لا يمر بالطرد المعجل للمهاجرين كما يحدث كل يوم في اسبانيا عقب وصول المهاجرين السريين على متن زوارق الموت من افارقة ومغاربيين اضافة الى الآسيويين والاوروبيين الشرقيين والاميركيين اللاتينيين، بل في التعاون السريع مع حكومات دول العالم الثالث لإيجاد آليات خاصة في هذا الشأن، بعد رصد مساعدات يشرف مباشرة البلد الاوروبي المانح على إنفاقها وتكون بالنسبة اليه بمثابة استثمار للقيام بحملات توعية والتمكن في ما بعد من اختيار مجموعات المهاجرين وتحاشي نفقات الترحيل التي تكلف اوروبا بضعة ملايين يورو. وبذلك يكون قد وجد حلولاً لبعض المشكلات الاجتماعية التي تتسبب في الهجرة في الوقت الذي يسدّ حاجته من اليد العاملة. المسألة معقّدة ويلزمها بعد نظر وحكمة وإرادة في التعاون من الطرفين وتتطلب وضع خطة وبرنامج واضحين وصريحين لتنفيذهما بسرعة وتشدد. فالبلد المُضيف يستفيد بالنسبة ذاتها التي يستفيد فيها البلد المصدّر. ونكون بذلك تحاشينا الاستمرار في استعمال تجار المخدرات للمهاجرين كسلعة للتهريب، وتمكنا من انقاذ حياة الآلاف الذين يموتون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.