من يعتقد أن الدول النامية لم تأخذ نصيبها وافراً من الإحباط فليستمع إلى رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون محذرا من أن هذه الدول، التي يبلغ عدد سكانها 4.8 بليون نسمة لكنها تحصل على 20 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لعالم لا يزيد عدد سكانه كثيراً عن ستة بلايين نسمة، لن تحقق نجاحاً يُذكر في تعزيز نمو إقتصاداتها ومكافحة الفقر في مجتمعاتها ما لم تعمل على سد "فجوة المعرفة" أو التعليم القائمة بينها وبين الدول الصناعية. وجاء التحذير الذي أطلقه وولفنسون لمناسبة مؤتمر دولي عن التعليم اختتم أعماله في شتوتغارت ألمانيا أول من أمس وكذلك تقرير جديد للبنك الدولي عن تحديات التعليم في عصر تقنية المعلوماتية، مصحوبا بتحذير أشد خطورة مفاده أن فجوة المعرفة ستستمر بالتوسع ما لم تعمل الدول النامية على إعادة النظر في نظمها التعليمية وتبادر الدول الصناعية إلى مساعدة هذه الدول على الإنضمام إلى "إقتصاد المعرفة الدولي". وفي عرضه للتعليم بواقعه الراهن أشار البنك الدولي إلى أن 113 مليون طفل في سن ستة أعوام وما فوق من أبناء الدول النامية محرومون من الإلتحاق بالمدارس، ومن هذا العدد الضخم تبلغ حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم في تقاليد المؤسسة الدولية الدول العربية علاوة على إيران ومالطا قرابة 17 مليون طفل في ما يتوزع الباقون على منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا مناصفة. وليس حرمان الأطفال، الإناث خصوصاً والذكور في درجة أقل، من الإلتحاق بالمدارس ظاهرة جديدة .وأفادت تقديرات المؤسسة الدولية لسنة 2001 أن هناك 600 مليون إمرأة و300 مليون رجل من مواطني الدول النامية لا يحسنون القراءة ولا الكتابة وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تطاول الأمية وآثارها السلبية 24.1 في المئة من الرجال ممن هم في سن 15 سنة وما فوق و44.7 في المئة من النساء. وحققت الدول النامية تقدماً ملحوظاً في الأعوام القليلة الماضية في مجال مكافحة الأمية وعلى رغم إزدياد عدد السكان بنسبة 8 في المئة في الفترة من 1997 إلى العام الماضي إلا أن الأمية إنخفضت بنسبة 12 في المئة عند الرجال وبنسبة 11 في المئة عند النساء، وفي الدول العربية حظيت مشاريع التنمية البشرية التي تغطي التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية في الفترة نفسها بأكبر حصة من تمويلات البنك الدولي 24.7$ بعد مشاريع البنية التحتية 25.6$. وثانية ليست الأمية الهم الأكبر بالنسبة للدول النامية إذ أكد البنك الدولي الذي يعتبر تمويل مشاريع التنمية البشرية ولاسيما التعليم أحد أهم مهامه مؤسسة دولية تمثل مصالح دولها الأعضاء، أن المستوى التعليمي عند الغالبية العظمى من البالغين من مواطني هذه الدول النامية لايتيح لها مشاركة فعالة في الإقتصاد العالمي، سيما إقتصاد المعرفة الذي يتطلب من الفرد الإستمرار في التعلم وإكتساب الخبرات وتجديدها مدى الحياة. واعترف البنك الدولي، أقله بشكل غير مباشر، أن دأبه على إعتبار مشاريع التعليم الأساسي المرحلتين الإبتدائية والثانوية شأنا ذا أولوية قصوى في جهود التنمية وصياغة سياساته الإقراضية على هذا الأساس لم يعززا جهود الدول النامية في سد فجوة المعرفة القائمة بينها وبين الدول الصناعية وهي الفجوة التي إعتبرها وولفنسون سببا للتباين الهائل في حظوظ المجموعتين من الناتج المحلي الإجمالي للعالم. وسجل التقرير الجديد ما يؤخذ على البنك الدولي من حصر مساعداته في التعليم الأساسي وعدم التجاوب مع حاجة زبائنه المتزايدة للمساعدة في مشاريع التعليم العالي "حيث يسود الإعتقاد أن عملياته الإقراضية، سيما للدول الفقيرة، لتتناسب مع دور هذا القطاع في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وأن البنك يحض الدول المنخفضة الدخل على توجيه إنفاقها العام إلى مشاريع التعليم الأساسي على حساب مشاريع التعليم العالي". وأكد التقرير الذي أعده رئيس قسم التعليم العالي في البنك الدولي جميل سالمي أن الطريق إلى سد فجوة المعرفة يمر عبر تمكين الدول النامية والإقتصادات الناشئة من الإندماج في إقتصاد المعرفة الدولي، مايتطلب من هذه الدول إحداث نقلات جوهرية في نظم التعليم والتدريب الرسميين حيث يجب أن يكون التركيز على تثقيف المتعلم في سبل تلقي العلم وإستخدام المعرفة وليس مجرد تلقي الحقائق وترديدها. وعلاوة على إعادة النظر في نظم التعليم التقليدية شدد التقرير على مسؤولية الحكومات في إنتهاج سياسات صائبة وإتخاذ خطوات مؤسساتيه لإنشاء نظام تعليمي يتمتع بالجودة والكفاءة في توفير التعليم للمتعلم مدى الحياة وذلك عبر إستراتيجية وطنية تجمع طاقات القطاعات المختلفة للإقتصاد والمؤسسات الحكومية والخاصة وتسخرها لخدمة التعليم ويكون هدفها الرئيسي خلق الدافع لدى الناس للتعلم. لكن الجديد في التقرير تمثل في حض المؤسسة الدولية على إعادة النظر في سياساتها الإقراضية بهدف الإستجابة بشكل كاف لحاجات الدول النامية من القروض والمساعدات التمويل مشاريع التعليم العالي. يُشار إلى أن متوسط إقراض البنك الدولي لقطاع التعليم العالي في الدول النامية لم يزد كثيراً على 400 مليون دولار سنوياً في الفترة الماضية بينما بلغ إجمالي القروض التي التزم تقديمها العام الماضي فقط نحو 20 بليون دولار.