السودان يعيش أزمة إنسانية ولا حلول في الأفق    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير خارجية أذربيجان    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    سعودية من «التلعثم» إلى الأفضل في مسابقة آبل العالمية    «التجارة» ترصد 67 مخالفة يومياً في الأسواق    «الاحتفال الاستفزازي»    فصول ما فيها أحد!    أحدهما انضم للقاعدة والآخر ارتكب أفعالاً مجرمة.. القتل لإرهابيين خانا الوطن    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الجوازات تبدأ إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة إلكترونيًا للمقيمين العاملين    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    الرياض يتعادل إيجابياً مع الفتح في دوري روشن    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    كيفية «حلب» الحبيب !    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    رحلة نجاح مستمرة    الحزم يتعادل سلبياً مع الأخدود في دوري روشن    « أنت مخلوع »..!    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    تألق سانشو لم يفاجيء مدرب دورتموند أمام سان جيرمان    منتدى المياه يوصي بزيادة الاستثمار في السدود    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    "التخصصي" العلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    ما أصبر هؤلاء    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة زي فلسطيني الى رؤوس الشبيبة الايطالية . الكوفية من رمز احتجاجي الى تذكار حميم
نشر في الحياة يوم 15 - 01 - 2002

} تطور الأزياء الشبابية في أوروبا مدين للعولمة، على رغم الاعتراضات الحادة لهذا القطاع عليها. فالقرية الكونية المنزوعة الحدود، سمحت بعبور الكوفية الفلسطينية من شرق البحر الأبيض المتوسط الى دول شماله، لتتحول ظاهرة تكلل أعناق شبابها ورؤوسهم. وتصبح الحاضر الأبرز في مسيرات الاحتجاجات والرفض بمختلف توجهاتها، يمينية كانت أم يسارية. وسرعان ما حفرت الكوفية لنفسها موطئاً في عالم الأزياء، وفي عقر دار بيوت التصاميم العالمية على وجه التحديد، اي في روما وميلانو ونابولي. واللافت في الزي العربي، ان الذائقة الغربية استساغته وهي مدركة تماماً معانيه السياسية، واحتفظ في أوروبا بما يرمز اليه كشعار للفلسطيني المناضل المطالب بأرضه. ولم تنتهِ رحلة الكوفية عند هذا الحد بل دخلت نسيج المجتمع الإيطالي بخصوصياته الحميمة، وأصبحت هدية الحبيب للحبيبة وذلك التذكار الصغير في خبايا الغرف.
تشهد سوق الاشمغة "غطاء الرأس العربي" تنافساً حاداً بين المصنعين والمستوردين في العالم العربي، مع انتشار أكثر من مئة نوع من الاشمغة في الأسواق العربية ويباع منها نحو 30 مليون قطعة سنوياً، الا ان الشبيبة الايطالية لا تعرف الا نوعين: واحد باللونين الابيض والاحمر والثاني أبيض وأسود. والى وقت قريب اطلق عليه اسم "العرافاتية" نسبة الى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، الا ان التسمية الاخيرة استقرت على "الكوفية" التي أصبحت رمزاً نضالياً للشبيبة اليسارية في بلاد "السباغيتي".
ومثلما نشأت خلال العشرين سنة الاخيرة ظواهر "الهيبيز" و"الخنافس" و"البانك" و"الدارك" و"الميتلاري" و"السكين هاوس"، وما اتسمت به من ردود فعل رافضة للكثير من المظاهر الاجتماعية، فازدهرت معها ثقافة تمجد العنف، نشأت ظواهر اخرى مغايرة ومختلفة بفعل تصاعد موجة جديدة من النضال السياسي والثقافي. ومن هذه الظواهر التي بدأت تنمو وتتسارع مثل الكمأ جنباً الى جنب في الساحة الاوروبية عموماً والايطالية على وجه الخصوص، "مسرح الشارع" و"جماعات الرسوم على الجدران" و"جماعات حماية البيئة الجديدة" و"جماعات السلام"... الخ.
زي عربي لرأس غربي
ومن الظواهر الجديدة الشائعة وسط الشبيبة الايطالية خلال السنوات القليلة الماضية ارتداء "الكوفية" من جانب الشبيبة الاوروبية. وأصبح الزي العربي منتشراً في اواسط الشباب اليساري واليميني على السواء كرمز للرفض، اضافة الى انها بدت كقيمة ذوقية ترمي الى تصعيد عملية التحدي. ونالت في السنة الاخيرة اعجاب قطاع واسع من الشبيبة، وبرزت في شكل ملحوظ خلال اضرابات الطلاب الايطاليين الأخيرة احتجاجاً على دعوات حكومة الائتلاف اليميني الى تغيير طبيعة المناهج الدراسية لتصبح أقرب الى النموذج الاميركي.
وأصبحت "الكوفية" تمثل سلوكاً جديداً للفرد، وتظهر مقدرته على تحدي أفكار النظام وطروحاته الرامية الى تغيير المجتمع وجره الى دائرة العولمة.
وما عزز حضور الكوفية اشمئزاز الشاب الغربي من ممارسات مؤسسات المجتمع الصناعي الذي بدأ يتصف يوماً بعد يوم بسلوك أكثر قمعية. وذلك الى جانب رمزيتها في الوقوف ضد واقع لا يعيش فقط ازمات تطاول البنى التقليدية، وانما الهياكل الاجتماعية والثقافية والسياسية، في ظل وجود أكثر من ثلاثة ملايين عاطل من العمل، تقل أعمارهم عن 30 سنة، وتمتص عصابات المافيا و"الكومورا" الألوف منهم في ماكينتها الدموية الرهيبة، فيما تقذف المدارس والمعاهد والجامعات بمئات الألوف من الخريجين سنوياً.
مراكز البيع
"الكوفية" تباع عادة لدى باعة الاسواق الشعبية الايطالية في المدن والقرى. ففي روما تباع في سوق "بورتابورتيزا" الشعبي الذي يمتد الى اكثر من خمسة كيلومترات يوم الاحد، وفي الأكشاك الصغيرة التي تحيط جامعة لاسبينسا "المعرفة" وسط المدينة. وفي ميلانو تباع في سوق "فيرادي سينيكالا". وفي مدينة بولونيا في أكشاك مباني الجامعة العريقة. وفي نابولي في مركز المدينة قرب محطة القطار وعلى ضفاف خليج المدينة. وتباع في فلورنسا في ساحة سان ماركو في مقابل مبنى الجامعة وأكاديمية الفنون الجميلة.
ويزور هذه الاسواق والأماكن مئات الألوف من الشباب لشراء الحاجات القديمة والمستعملة والملابس الرخيصة، والصناعات اليدوية الشرقية وتلك المقبلة من أميركا اللاتينية التي يبيعها عادة شبيبة الجامعات من الايطاليين والاجانب، للحصول على موارد تعينهم في مواصلة تحصيلهم الدراسي.
وتتصدر الكوفية الأجنحة الفلسطينية التي تشارك عادة في معارض المنظمات اليسارية، إضافة الى عشرات المهرجانات الموسيقية والمسرحية والغنائية الاخرى التي تنظم عروضها في طول البلاد وعرضها. وتعتبر مؤسسة "صامد" الفلسطينية من أبرز المشاركين في المعارض المذكورة.
ول"الكوفية" معنى واحد هو الفلسطيني، المناضل والشهيد والمقاتل من اجل نيل حقوقه المشروعة، ما يحمل الكثير من الشباب على شرائها بفضول يمتزج بالفرح والحب والحماسة. وأصبحت بديلاً للكثير من انواع المشالح والربطات المستخدمة لتدفئة الرقبة في فصل الشتاء.
ويتراوح سعر "الكوفية" في الاسواق الايطالية بين 10 و15 دولاراً، وتصنع في احد معامل مدينة ميلانو بأنواع قطنية مختلفة وبالشكلين اللذين اشرنا اليهما. ومن ميلانو تصدر الى دول اوروبا الغربية وبعض الدول العربية، وبدأت تغزو الاسواق الاوروبية في الآونة الاخيرة صناعات هندية وتايلاندية تنافس بأسعارها الرخيصة.
وريث ثوري
وتعتبر "الكوفية" التي تزين أعناق الشبيبة ذكوراً وإناثاً في كل مكان، الوريث الثوري للشالات الحمر التي كان يعقدها الطلاب عام 1968 على رقابهم خلال ثورتهم التي هزت المجتمع الاوروبي بأكمله. واستخدمتها أخيراً شبيبة المراكز الاجتماعية اليسارية المتطرفة في احتجاجات مدينة جنوى في اثناء اجتماعات اقطاب الدول الصناعية حزيران يونيو الماضي بديلاً عن البزات البيض التي اعتادوا ارتداءها في اثناء احتجاجاتهم، ليتميزوا عن الجماعات الاخرى، الامر الذي اثار غضب المسؤولين الايطاليين في أجهزة الامن والشرطة ووصفوها ب"الكوفية الشيوعية".
وتقول غابرييلا كسكوني، الاستاذة في قسم علم الاجتماع في جامعة المعرفة في روما ان "الكوفية غطاء غير تقليدي للرأس. فهي أكبر حجماً من الشال ويمكن لفها بأشكال مختلفة بحسب الحاجة والظرف. وهي أكثر رخصاً وتدفئ في فصل الشتاء، ويمكن وضعها على الاكتاف والرقبة في فصل الصيف فتمتص حرارة الجسد وعرقه. وهي فوق كل هذا رمز للرفض والتحدي، وتعلن وفي شكل غير خفي عن تضامن اممي مع شعب فلسطين. اشتريت اكثر من كوفية من المهاجرين الشباب الذين يقفون امام مقر المراكز الاجتماعية في حي سان لورينزو في روما، لأنها تمثل رمزاً ضد الرفاهية المادية التي يعيشها أثرياء متخمون يشكون انعدام التوازن النفسي بسبب القلق على مصائر أموالهم، وهم يشعرون باستياء من رؤية الكوفية على رقابنا، ولهذا نصر على استفزازهم.
رمز حميم
وتعتبر جوزيبا بيللا، الطالبة في قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة المعرفة، ان الكوفية صارت في صميم الحياة الشبابية. وقالت "لم يعد من المهم الى أي شيء ترمز الكوفية، سواء الى نضالنا من أجل حقوقنا المهنية، او انها رمز لشعب اغتصبت أرضه بالقوة، لأنها أصبحت لدى الكثيرين رمزاً تقليدياً نهديه الى بعضنا بعضاً". وأضافت: "نتفنن في شرائه بألوان مختلفة. فالى الاحمر والابيض وهو السائد، احتفظ بألوان اخرى كالأخضر والابيض والازرق والابيض، والبرتقالي والابيض، اضافة الى الاسود والابيض". وأوضحت ان البعض يفرش الكوفية على سريره، او يعلقها على جدران غرفته، و"بعضنا يطلق عليها اسم الفلسطينية بدل الكوفية، وهذا له دلالة كبيرة في تعاملنا مع قضية هذا الشعب التي أصبحت لدى الكثير منا، واحدة من أعز قضايا النضال".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.