تصعيد عسكري واسع بين موسكو وكييف    نائب وزير الحرس الوطني يدشّن الشعار الجديد لطيران الحرس الوطني    لبنان ينفي أي صلة للجيش اللبناني بحزب الله بعد الضربة الإسرائيلية    الخارجية الروسية: لافروف يستقبل نظيره السوري    مدرب توتنهام يدعم فان دي فين بعد تدخله على إيساك    صلاح يصبح أول مصري يسجل في خمس نسخ متتالية من كاس الأمم    روضة مهنا تتحول إلى بحيرة طبيعية    مجلس الشورى يطالب جامعة الجوف بمراجعة سياسات القبول لدعم فرص أوسع بالبكالوريوس    أمير حائل يستقبل وفد منظمة الصحة العالمية    مسارات خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة في المسجد الحرام    السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن    FIFA يرفع عقوبة النصر    بيئة عسير تطلق المرحلة الأولى من مبادرة تمكين    "الشؤون الإسلامية" تنفّذ ورشة تدريبية حول توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة المنبر والخطابة    المملكة تسجل رقمًا قياسيًا في "غينيس" ب 95 طنًّا من البذور الموسمية    برعاية سعودية.. توقيع اتفاقية لتبادل 2900 أسير في اليمن    زين السعودية تعلن شراكة استراتيجية مع بنك التنمية الاجتماعية    أمير المنطقة الشرقية يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية لدى المملكة    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم تنفيذ المشاريع والخدمات للربع الثالث 2025    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه نبات القات المخدر    أمير الرياض يرعى الاثنين المقبل حفل الزواج الجماعي التاسع بجمعية "إنسان"    عندما تنمو الصناعة ينمو الوطن    غرفة شركات السياحة تشيد باجتماع وزارتي السياحة والحج    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    أصدرت أمانة منطقة تبوك، ممثلةً في وكالة التراخيص والامتثال    كونتي بعد التتويج: تجربتنا في السعودية رائعة.. ومدينة نابولي سعيدة بهذا اللقب    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    المدينة المنورة تحتضن افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    الجولة 13 تنطلق الأربعاء.. الإثارة متواصلة في دوري يلو    إطلاق مهرجان جازان 2026 تحت شعار «كنوز الطبيعة».. فعاليات متنوعة وتجربة سياحية على مدار العام    جامعة الأميرة نورة تفتح باب التسجيل في برنامج التسجيل المزدوج لطالبات الثانوية    تجمع تبوك الصحي ينجح في إجراء عملية تغيير مفصل الركبة    ضوء النهار يضبط مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    مفردات من قلب الجنوب 34        تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    وصول الطائرة السعودية ال 76 لإغاثة الشعب الفلسطيني    100 فلسطيني بلا مأوى بسبب الهدم الإسرائيلي    الوقت كالسيف    افتتاح المتنزه سيشكل نقلة نوعية.. الداود: القدية وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة    ب "علينا"… علي عبدالكريم يستعيد عرش الأغنية الطربية    استعراض التخلي    الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق    أمير المدينة يشيد بدور مجلس التمور    الكلام    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    الاستعداد للامتحان    «النيابة»: يحظر ترك الحيوانات خارج الأماكن المخصصة لها    أوميغا- 3 والحوامل    18 ألف جنيه إسترليني تعويضاً عن ركل سائح    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميز    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة زي فلسطيني الى رؤوس الشبيبة الايطالية . الكوفية من رمز احتجاجي الى تذكار حميم
نشر في الحياة يوم 15 - 01 - 2002

} تطور الأزياء الشبابية في أوروبا مدين للعولمة، على رغم الاعتراضات الحادة لهذا القطاع عليها. فالقرية الكونية المنزوعة الحدود، سمحت بعبور الكوفية الفلسطينية من شرق البحر الأبيض المتوسط الى دول شماله، لتتحول ظاهرة تكلل أعناق شبابها ورؤوسهم. وتصبح الحاضر الأبرز في مسيرات الاحتجاجات والرفض بمختلف توجهاتها، يمينية كانت أم يسارية. وسرعان ما حفرت الكوفية لنفسها موطئاً في عالم الأزياء، وفي عقر دار بيوت التصاميم العالمية على وجه التحديد، اي في روما وميلانو ونابولي. واللافت في الزي العربي، ان الذائقة الغربية استساغته وهي مدركة تماماً معانيه السياسية، واحتفظ في أوروبا بما يرمز اليه كشعار للفلسطيني المناضل المطالب بأرضه. ولم تنتهِ رحلة الكوفية عند هذا الحد بل دخلت نسيج المجتمع الإيطالي بخصوصياته الحميمة، وأصبحت هدية الحبيب للحبيبة وذلك التذكار الصغير في خبايا الغرف.
تشهد سوق الاشمغة "غطاء الرأس العربي" تنافساً حاداً بين المصنعين والمستوردين في العالم العربي، مع انتشار أكثر من مئة نوع من الاشمغة في الأسواق العربية ويباع منها نحو 30 مليون قطعة سنوياً، الا ان الشبيبة الايطالية لا تعرف الا نوعين: واحد باللونين الابيض والاحمر والثاني أبيض وأسود. والى وقت قريب اطلق عليه اسم "العرافاتية" نسبة الى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، الا ان التسمية الاخيرة استقرت على "الكوفية" التي أصبحت رمزاً نضالياً للشبيبة اليسارية في بلاد "السباغيتي".
ومثلما نشأت خلال العشرين سنة الاخيرة ظواهر "الهيبيز" و"الخنافس" و"البانك" و"الدارك" و"الميتلاري" و"السكين هاوس"، وما اتسمت به من ردود فعل رافضة للكثير من المظاهر الاجتماعية، فازدهرت معها ثقافة تمجد العنف، نشأت ظواهر اخرى مغايرة ومختلفة بفعل تصاعد موجة جديدة من النضال السياسي والثقافي. ومن هذه الظواهر التي بدأت تنمو وتتسارع مثل الكمأ جنباً الى جنب في الساحة الاوروبية عموماً والايطالية على وجه الخصوص، "مسرح الشارع" و"جماعات الرسوم على الجدران" و"جماعات حماية البيئة الجديدة" و"جماعات السلام"... الخ.
زي عربي لرأس غربي
ومن الظواهر الجديدة الشائعة وسط الشبيبة الايطالية خلال السنوات القليلة الماضية ارتداء "الكوفية" من جانب الشبيبة الاوروبية. وأصبح الزي العربي منتشراً في اواسط الشباب اليساري واليميني على السواء كرمز للرفض، اضافة الى انها بدت كقيمة ذوقية ترمي الى تصعيد عملية التحدي. ونالت في السنة الاخيرة اعجاب قطاع واسع من الشبيبة، وبرزت في شكل ملحوظ خلال اضرابات الطلاب الايطاليين الأخيرة احتجاجاً على دعوات حكومة الائتلاف اليميني الى تغيير طبيعة المناهج الدراسية لتصبح أقرب الى النموذج الاميركي.
وأصبحت "الكوفية" تمثل سلوكاً جديداً للفرد، وتظهر مقدرته على تحدي أفكار النظام وطروحاته الرامية الى تغيير المجتمع وجره الى دائرة العولمة.
وما عزز حضور الكوفية اشمئزاز الشاب الغربي من ممارسات مؤسسات المجتمع الصناعي الذي بدأ يتصف يوماً بعد يوم بسلوك أكثر قمعية. وذلك الى جانب رمزيتها في الوقوف ضد واقع لا يعيش فقط ازمات تطاول البنى التقليدية، وانما الهياكل الاجتماعية والثقافية والسياسية، في ظل وجود أكثر من ثلاثة ملايين عاطل من العمل، تقل أعمارهم عن 30 سنة، وتمتص عصابات المافيا و"الكومورا" الألوف منهم في ماكينتها الدموية الرهيبة، فيما تقذف المدارس والمعاهد والجامعات بمئات الألوف من الخريجين سنوياً.
مراكز البيع
"الكوفية" تباع عادة لدى باعة الاسواق الشعبية الايطالية في المدن والقرى. ففي روما تباع في سوق "بورتابورتيزا" الشعبي الذي يمتد الى اكثر من خمسة كيلومترات يوم الاحد، وفي الأكشاك الصغيرة التي تحيط جامعة لاسبينسا "المعرفة" وسط المدينة. وفي ميلانو تباع في سوق "فيرادي سينيكالا". وفي مدينة بولونيا في أكشاك مباني الجامعة العريقة. وفي نابولي في مركز المدينة قرب محطة القطار وعلى ضفاف خليج المدينة. وتباع في فلورنسا في ساحة سان ماركو في مقابل مبنى الجامعة وأكاديمية الفنون الجميلة.
ويزور هذه الاسواق والأماكن مئات الألوف من الشباب لشراء الحاجات القديمة والمستعملة والملابس الرخيصة، والصناعات اليدوية الشرقية وتلك المقبلة من أميركا اللاتينية التي يبيعها عادة شبيبة الجامعات من الايطاليين والاجانب، للحصول على موارد تعينهم في مواصلة تحصيلهم الدراسي.
وتتصدر الكوفية الأجنحة الفلسطينية التي تشارك عادة في معارض المنظمات اليسارية، إضافة الى عشرات المهرجانات الموسيقية والمسرحية والغنائية الاخرى التي تنظم عروضها في طول البلاد وعرضها. وتعتبر مؤسسة "صامد" الفلسطينية من أبرز المشاركين في المعارض المذكورة.
ول"الكوفية" معنى واحد هو الفلسطيني، المناضل والشهيد والمقاتل من اجل نيل حقوقه المشروعة، ما يحمل الكثير من الشباب على شرائها بفضول يمتزج بالفرح والحب والحماسة. وأصبحت بديلاً للكثير من انواع المشالح والربطات المستخدمة لتدفئة الرقبة في فصل الشتاء.
ويتراوح سعر "الكوفية" في الاسواق الايطالية بين 10 و15 دولاراً، وتصنع في احد معامل مدينة ميلانو بأنواع قطنية مختلفة وبالشكلين اللذين اشرنا اليهما. ومن ميلانو تصدر الى دول اوروبا الغربية وبعض الدول العربية، وبدأت تغزو الاسواق الاوروبية في الآونة الاخيرة صناعات هندية وتايلاندية تنافس بأسعارها الرخيصة.
وريث ثوري
وتعتبر "الكوفية" التي تزين أعناق الشبيبة ذكوراً وإناثاً في كل مكان، الوريث الثوري للشالات الحمر التي كان يعقدها الطلاب عام 1968 على رقابهم خلال ثورتهم التي هزت المجتمع الاوروبي بأكمله. واستخدمتها أخيراً شبيبة المراكز الاجتماعية اليسارية المتطرفة في احتجاجات مدينة جنوى في اثناء اجتماعات اقطاب الدول الصناعية حزيران يونيو الماضي بديلاً عن البزات البيض التي اعتادوا ارتداءها في اثناء احتجاجاتهم، ليتميزوا عن الجماعات الاخرى، الامر الذي اثار غضب المسؤولين الايطاليين في أجهزة الامن والشرطة ووصفوها ب"الكوفية الشيوعية".
وتقول غابرييلا كسكوني، الاستاذة في قسم علم الاجتماع في جامعة المعرفة في روما ان "الكوفية غطاء غير تقليدي للرأس. فهي أكبر حجماً من الشال ويمكن لفها بأشكال مختلفة بحسب الحاجة والظرف. وهي أكثر رخصاً وتدفئ في فصل الشتاء، ويمكن وضعها على الاكتاف والرقبة في فصل الصيف فتمتص حرارة الجسد وعرقه. وهي فوق كل هذا رمز للرفض والتحدي، وتعلن وفي شكل غير خفي عن تضامن اممي مع شعب فلسطين. اشتريت اكثر من كوفية من المهاجرين الشباب الذين يقفون امام مقر المراكز الاجتماعية في حي سان لورينزو في روما، لأنها تمثل رمزاً ضد الرفاهية المادية التي يعيشها أثرياء متخمون يشكون انعدام التوازن النفسي بسبب القلق على مصائر أموالهم، وهم يشعرون باستياء من رؤية الكوفية على رقابنا، ولهذا نصر على استفزازهم.
رمز حميم
وتعتبر جوزيبا بيللا، الطالبة في قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة المعرفة، ان الكوفية صارت في صميم الحياة الشبابية. وقالت "لم يعد من المهم الى أي شيء ترمز الكوفية، سواء الى نضالنا من أجل حقوقنا المهنية، او انها رمز لشعب اغتصبت أرضه بالقوة، لأنها أصبحت لدى الكثيرين رمزاً تقليدياً نهديه الى بعضنا بعضاً". وأضافت: "نتفنن في شرائه بألوان مختلفة. فالى الاحمر والابيض وهو السائد، احتفظ بألوان اخرى كالأخضر والابيض والازرق والابيض، والبرتقالي والابيض، اضافة الى الاسود والابيض". وأوضحت ان البعض يفرش الكوفية على سريره، او يعلقها على جدران غرفته، و"بعضنا يطلق عليها اسم الفلسطينية بدل الكوفية، وهذا له دلالة كبيرة في تعاملنا مع قضية هذا الشعب التي أصبحت لدى الكثير منا، واحدة من أعز قضايا النضال".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.