يقولون بالانكليزية ان "الجنس يبيع"، بمعنى ان الجنس في أخبار الجرائد أو الروايات الخيالية، يروج للجريدة أو الكتاب. وعادت إليّ العبارة وأنا أقرأ ان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون تلقى عشرة ملايين دولار دفعة أولى، في مقابل كتابة مذكراته. المذكرات السياسية مهمة، خصوصاً إذا كانت لرئيس شغل البيت الأبيض ولايتين، وشغل الناس، إلا انني لم أسمع ان رئيساً قبله حصل على مثل هذا المبلغ القياسي لكتابة مذكراته، فلا بد ان يكون الجنس، وتحديداً علاقته بمونيكا لوينسكي، هو سبب الدفع. وربما زدنا ان زوجته هيلاري، عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك، تلقت ثمانية ملايين دولار دفعة أولى، في مقابل كتابة مذكراتها، وان هذا المبلغ الهائل لعضو جديد، يعكس اهتمام دار النشر بدورها في فضيحة مونيكا لوينسكي. هيلاري كلينتون، لا المحقق الخاص كينيث ستار أو مجلس النواب، كانت وحدها تستطيع اسقاط بيل كلينتون. إلا انها وقفت بجانبه أمام الناس، مع انها ربما كانت تضربه كل ليلة وراء أبواب مغلقة. يفترض ان تصدر مذكرات هيلاري عن دار "سايمون اند شوستر" سنة 2003، وهي السنة نفسها التي اختارتها دار "الفرد نوبف" لنشر مذكرات بيل. وستقوم منافسة بين الكتابين إلا إذا اتفقت الداران على تنسيق النشر لتحقيق أكبر فائدة تجارية ممكنة. في غضون ذلك، يمكن ان نقول ان ما تلقى الزوجان كلينتون عن مذكراتهما يكفي لدفع ما بقي من نفقات المحامين التي تكبداها نتيجة للفضائح المتتالية لهما خلال سنوات البيت الأبيض، وقرأت ان نفقات المحامين بلغت 9،11 مليون دولار، دفعت كلها من صندوق خاص لجمع التبرعات، وبقي مبلغ 9،3 مليون دولار، أصبح عند كلينتون ما يكفي لدفعها. دار "الفرد نوبف" امتنعت عن كشف أي تفاصيل عن المذكرات، وهل ستتطرق الى فضيحة "وايتووتر" العقارية، وفضيحة مونيكا لوينسكي، وفضائح أخرى من نوع مكتب السفر التابع للبيت الأبيض الغت هيلاري التعاقد مع موظفيه، وجاءت بأنصارها كلهم. غير انني أصر على ان الملايين العشرة، ما كانت عرضت لولا وجود اتفاق على نشر تفاصيل الفضائح، خصوصاً العلاقة مع لوينسكي، لأن الكتاب لن يبيع كثيراً من دون هذه التفاصيل. وأستطيع أن أزيد هنا ان بيل كلينتون أبدى قسطاً من احترام الذات خارج البيت الأبيض جانبه داخله، فهو رفض ان يعرض مذكراته في مزاد، كما فعلت زوجته، وانما جاء اتفاقه مع دار النشر عن طريق محامي الطرفين في اتصالات خاصة. على كل حال، القارئ وأنا سننتظر سنتين قبل قراءة مذكرات بيل كلينتون ومذكرات هيلاري، ثم دخول جدل حول ما سجل وما أهمل. أما اليوم فأستطيع ان اكشف للقارئ صدور كتاب جديد عن فضيحة مونيكا لوينسكي، كتب فصوله أساتذة بارزون في التاريخ واللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وحررته لورن بيرلانت وليزا دوغان. الكتاب صدر في الولاياتالمتحدة وأرسل صديق إليّ نسخة منه، وهو بعنوان: "مونيكا ونحن"، والعنوان منقول عن كتاب مشهور لدعاة حركة تحرير المرأة عنوانه "جسدنا ونحن". طبعاً الكتاب مجموعة مقالات جنسية، إلا ان الأساتذة المؤلفين أذكى أو أخبث من ان يكتبوا بشكل مفضوح، لذلك فهم كسوا المادة حلّة قشيبة من الرطانة الاكاديمية. ويبدو ان الأساتذة، مثلنا نحن عامة الناس، يهتمون بأخبار الجنس ويتقززون منها. وهكذا فقد كتب أساتذة من جامعات "هارفارد" و"كورنيل" و"نيويورك" وغيرها، مقالات حملت عناوين من نوع "أرشيف الاثارة الجنسية" و"الأدلة في تحقيق ستار" و"الاثارة والنفاق". وكان أغرب عنوان هو: "ادارة أخطار الجنس في البيت الأبيض أيام كلينتون"، فالكاتب يعامل الجنس، كأي قضية سياسية من كوسوفو الى الشرق الأوسط، ومنظمة التجارة العالمية، وكلينتون ومعاونوه يعدون الخطط للتعامل مع الفضيحة و"ادارة" جوانبها المختلفة. وتقدم عالم نفسي بتحليل علمي الظاهر يليق بالخواجا فرويد، عن الجنس والسلطة، وخوف الجمهور من "المثل" الذي يعطيه الرئيس/ الوالد. أزعم ان الرئيس كلينتون يجني اليوم ثمار مغامراته الجنسية كان هناك خمس أو ست آخرها مع مونيكا لوينسكي، وهو يقبض مئة ألف دولار عن المحاضرة الواحدة، في حين ان مونيكا تبيع حقائب يد للسيدات من صنعها بمبلغ مئة دولار للحقيبة. غير انها اذا كانت طلعت من موكب الفلوس بسلة فاضية، فهي ستنتقم. وقرأت انها ستظهر السنة القادمة في فيلم وثائقي للتلفزيون الأميركي المستقل تعده البروفسورة ايلين شووالتر، من جامعة "برنستون"، ويشمل تحقيقاً مع مونيكا، يوجه الطلاب الأسئلة فيه، عن دورها في الفضيحة التي كادت تطيح الرئيس. البرنامج سيكون جنساً مغلفاً بعلم، وربما بعلوم، وهو سيضاف الى "دراسات مونيكا" التي أصبح يقدمها بعض أرقى الجامعات الأميركية. وقد ذهبت والقارئ الى الجامعة، إلا ان أيامنا كانت مختلفة، والجنس الوحيد الذي أذكره هو تشريح ضفادع.