عادت موسكو أمس ولدقائق معدودة عاصمة للشيوعية ومركزاً للستار الحديد عندما اخترق ساحتها موكب سيارات الليموزين "الزيل" المصفحة السوداء اللون، ناقلاً الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل والوفد المرافق الى ضريح لينين، في الساحة الحمراء. ولمناسبةش الزيارة التاريخية من المنظور الكوري، أعادت موسكو حرس الشرف الى الضريح بعدما رفع عنه عام 1993 لانتفاء اسباب حمايته وتكريمه إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. وحمّل كيم حضوره أمام جثمان الثائر البلشفي الأول، وقاراً وشعوراً عميقاً بالتاريخ. فكتب على ورقة في أسفل باقة الورد التي وضعها عند الضريح "من كيم جونغ إيل الى فلاديمير ايليش لينين"، وكأنه يقول بها "من الزعيم إبن الزعيم الى الرفيق السابق الحي؟". وزعامة كيم ليست من فراغ فهو "الرفيق المحبوب من ملايين الكوريين" قبل ان يخاطب بالرئيس، ومن اجل هذا الحب أمضى تسعة أيام في القطار بين بيونغ يانغ وموسكو، ليس خوفاً من الطائرة، بل خوف على مشاعر الكوريين في حال حصول حادث جوي مفاجئ على ما ذكرت صحيفة "ذي راشا جورنال". ووفرت الزيارة الى روسيا للرئيس الكوري الشمالي شعوراً بالزهو ل"صوابية" سياسته، وأدرك الزعيم الأكثر عزلة في العالم، انه نجح بابعاد كأس الفوضى المرة عن بلاده، وأدرك ان اساليب والده في الحكم التي ينسخها نسخاً هي السبيل الوحيد لبقائه حاكماً نصف إله، وبالتالي بقاء الكوريين تحت قبضته. وما دامت معادلة الرعب النووي قائمة، فإن شحنات الرز والقمح ستبقى متدفقة وبالمجان على بلده الذي لا يخرج من أزمة مجاعة ليدخل بأخرى. فجرعات الديموقراطية لدى ورثة ستالين جعلت للقمح ثمناً. وروسيا بالنسبة الى كيم الذي لم يزر غيرها سوى الصين، نافذة على غرب يريده ان يظل بعيداً. وهو لا يريد ان يستعطي الأميركيين، خصوصاً الادارة اليمينية الحالية، لكنه يريد في الوقت نفسه ان يطمئنهم الى برامجه. فتواصل هي برامج مساعداتها، وتقي شبه الجزيرة الكورية شر حرب تطاول اليابان وكوريا الجنوبية، باعتبار انهما النموذجان الرأسماليان الأقرب الى كوريا الشمالية، والهدفان الأسهل للضرب. وعلى الصعيد الروسي، يبقى السؤال عن السبب في استقبال فلاديمير بوتين لرئيس دولة يعتبره الغرب "مارقاً". موسكو تعارض التفرد الاميركي بحل الأزمة بين الكوريتين الشقيقتين لأن أي نجاح لواشنطن سيضاعف من نفوذها في المنطقة. وبالتالي يضعف جبهة المعارضة التي تتصدرها روسيا ضد مشروع الدرع الصاروخية الأميركية. وتريد روسيا ايضاً ان تسحب من التداول معادلة "بكينواشنطن " الكوريتين" لحل الأزمة الكورية على حساب معادلة اخرى تضمها وطوكيو، فاليابان من دون شك مانح أساسي في المنطقة، وكذلك سيول التي أعربت خلال قمة كورية جنوبية روسية في شباط فبراير الماضي عن اهتمامها بالاستثمار في روسيا خصوصاً في خط سكك الحديد السيبيري الذي يربط أوروبا وشرق آسيا والذي عبر كيم الجزء الشرقي منه خلال الأسبوع الماضي. ويقصر الخط فترة الشحن البحري بين القارتين من أربعين يوماً الى 13، وتعتبره موسكو بمثابة منجم ذهب. وسيكتفي بوتين من هذه الزيارة بأن يظهر أمام الغرب بالممسك بصمام أمان بيونغ يانغ، الأمر الذي عبر عنه بوضوح خلال البيان المشترك امس والذي أكد ان كوريا الشمالية لا تشكل تهديداً نووياً لأحد. وضمن في المقابل استثمارات يابانية كورية جنوبية ببلايين الدولارات في حال تحقق أي تقدم في العلاقات بين الكوريتين. ولتحقيق ذلك، لا يضير موسكو عودة "المطرقة والمنجل" الى عتبة الكرملين لبضع دقائق.