في الوقت الذي يتسابق فيه الأحبة والعشاق للفوز بطاولة في احد الكازينوهات المتناثرة على كورنيش النيل في المسافة الممتدة من منطقة المظلات الى منيل الروضة، ويكون الزحام على اشده بين مبنى ماسبيرو وكوبري قصر النيل ومتمثلاً في الثنائيات الشبابية شاب وفتاة المتراصة... ولا يعكر صفو تشابك الايدي والنظرات العاشقة واحياناً "القبلات المسروقة" سوى "غلاسة" بائعي الورود والشاي والمشروبات الغازية وحمص الشام والمناديل الورقية واللب والفول السوداني واحياناً الكشري وغيره. واولئك الباعة يكسبون قوت يومهم من طريق إحراج الشباب العاشق، يجبرونهم على شراء البضائع المختلفة في مقابل الابتعاد منهم. رأي الباعة "الحياة" استطلعت آراء عدد من اولئك الشباب من الباعة. ويقول أشرف زغلول 32 عاماً - دبلوم صناعة من محافظة اسيوط في صعيد مصر، ويمارس مهنة نادرة على كورنيش النيل، إذ يرسم بورتريهات لمن يرغب "أهوى الرسم منذ صغري، ولجأت الى ممارسته واحترافه بعد ما أُغلقت كل الطرق والابواب في وجهي، إذ بحثت عن فرصة عمل بمؤهلي، لكنني لم أوفق، فنميت هوايتي بالممارسة وأرسم يومياً لمدة 18 ساعة تقريباً". ويؤكد زغلول "كل من يمر على الكورنيش من خريجي كليتي الفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية يشجعني ويثني على أدائي، وأشعر ان الرسم سيعطيني كل ما حرمت منه". ويضيف "أرسم في غرفة استأجرتها وزملائي في ضاحية حلوان وأتأكد من الملامح في ضوء النهار، وألون في الليل على الكورنيش في الفترة بين السابعة والثانية عشرة مساء". وعن كيفية جذب "الزبون" يقول: "رسمت مجموعة من البورتريهات للفنانين امثال عبدالحليم حافظ وكاظم الساهر ونوال الزغبي وهاني شاكر وديانا حداد وآخرين وأحملها معي للعرض وعندما يريد شاب او فتاة أن أرسم له بورتريهاً يعطيني صورة له ومقدم الثمن الذي يتراوح بين 35 و40 جنيهاً للبورتريه". ويشير الى انه اختار مكانه على الكورنيش لمعرفته بالريس صاحب المرسى الذي يجلس امامه ولأن آلاف الشباب والفتيات يمرون عليه يومياً، ويكفيه زبون أو اثنان يومياً. أما إيهاب ثروت 21 عاماً - دبلوم زراعة من بورسعيد، ويبيع المياه الغازية، يقول: أشتري صندوقاً أو اثنين من المياه الغازية من تاجر جملة في مقابل رهن أدفعه نظير الزجاجات الفارغة، وسعر الزجاجة في الجملة يبلغ 40 قرشاً وأنا أبيعها بجنيه ونصف الجنيه واحياناً أكثر وفي الصيف اشتري نصف لوح ثلج وأضعه على الصندوق، وقد اتمكن من بيع صندوقين أو اكثر في يوم واحد، واحياناً لا ابيع زجاجة واحدة بسبب المشاجرات والمشاحنات التي تحدث من زملاء العمل وقد تنتهي بالقاء ما معي في النيل أو القائي في قسم الشرطة". وعن سبب لجوئه الى هذا العمل، يقول ثروت "عقب تخرجي حاولت العمل في غير مكان، لكنني وجدت المقابل ضعيفاً، اضافة الى انني تقدمت الى أكثر من جهة حكومية للعمل، ولو بعقد موقت، لكنني فشلت لعدم وجود أحد من اقاربي في منصب يساعدني على إيجاد وظيفة. وحلم حياتي العثور على وظيفة حكومية أشعر من خلالها بالاستقرار والأمان". ويقول بدر الدين السيد 24 عاماً - دبلوم تجارة من محافظة الفيوم وهو يبيع الورود: "أحصل على الورود ورد بلدي وفل وياسمين من محلات الزهور بسعر الجملة، وابيع لزبائني في المنطقة ما بين ماسبيرو والسفارة البريطانية حيث يوجد عدد كبير جداً من الشباب والفتيات "الحبّيبة" واستغل أوضاعهم وجلساتهم الرومانسية الحالمة لعرض الورود عليهم، وأبدأ بالشاب بغرض احراجه أمام فتاته، لأنه هو الذي سيدفع". وسائل التسويق ويؤكد السيد "المسألة تخضع الى قدرتي على الاقناع والاحراج وطول البال وهذا لا يمنع انني قد أتعرض الى بعض الاهانات الخفيفة نتيجة إلحاحي الزائد من أجل البيع، وابيع الوردة بسعر يتراوح بين 75 قرشاً وجنيهين بحسب حال المشتري امامي، وأنا امارس هذا العمل الموقت لحين حصولي على قرض من صندوق شباب الخريجين لأتمكن من عمل مشروع خاص بي..." أما محمد حجازي 24 عاماً - طالب في المعهد الفني التجاري من كفر الشيخ، فيبيع الذرة المشوي واحياناً الفول واللب السوداني، في حال عدم وجود الذرة. يقول: "أشتري الذرة من المناطق الزراعية المتاخمة للقاهرة بالاضافة الى الشواية والفحم، وسعر "الكوز" عشرون قرشاً، أبيعه ب50 أو 75 قرشاً، ويُقبل الكثيرون من الشباب والفتيات على الشراء، والحمد لله أستطيع من خلال دخلي اليومي ان اغطي نفقات معيشتي في القاهرة من مسكن ومأكل وملبس، ولا يعكر صفو الأمور سوى المطاردات المستمرة من رجال شرطة المرافق "البلدية" والذين قد يهبطون فجأة ويحصلون على ما معي من ذرة وفحم والشواية، وقد اتوقف عن العمل اياماً الى أن تهدأ الامور ثم اعاود ممارسة هوايتي...