الزواج قسمة ونصيب، كالحب. ولمَ لا يبقيان كذلك، في عصر الإنترنت؟ فهذه الأداة تزيد كلمة "إي - مايلٌ" على قول "نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاء". والبريد الإلكتروني يُغني الولهان عن السلام والكلام وتورّد الخدود والابتسام، ويضبط الموعد. وحدها نظرة اللقاء الأول تبقى... الحَدّ بين الجِد واللعب. ما لبثت الإنترنت ووسائل اتصالها، التي نطاول بها أقاصي الأرض، أن غزت تفاصيل حياتنا اليومية. وها هي تتدخّل في طرق تعارفنا، عبر غرف الدردشة ومنتديات النقاش، ومواقع التعارف والزواج. ووسط زحمة الاتصالات، التي لو تجسّدت صوتاً لأحدثت ضوضاء عظيماً، يبقى القلب الدليل الوحيد. ولكن على "الحبيب العتيد" أن يتحلّى، أكثر من أي وقت مضى، بروح المغامرة في التعرّف الى "الآخَر" المختلف، والمجهول القسمات والموطن والهوى والتطلّع... والعينين. وفي ما يأتي تجربة وآراء لشباب عرب في المسألة. دنيا، زميلتنا في "الحياة"، 29 سنة، خاضت تجربة إلكترونية، انتهت بزواجها من شاب هولندي، 31 سنة، "هادئ الطباع، حنون، يحب أهله ويحب العائلة"، على ما قالت. شاءت الصدفة أن تقع دنيا على قسم التعارف في موقع "إكسايت.كوم" على الإنترنت. فقرّرت، من غير قصد، وضع صفات الرجل الذي يعجبها. وتقوم آلية عمل مواقع التعارف، عموماً، على مطابقة المزايا التي يطرحها طالب التعارف بالمزايا المتوافرة في قاعدة المعلومات في الموقع. ثم حدّدت دنيا فرنسا فإيطاليا فبريطانيا كموطن محتمل. "وكانت دهشتي كبيرة، عندما أتت النتائج خالية من أي تطابق. ثم اخترتُ هولندا، هكذا، متأكدةً من أن النتيجة ستكون نفسها. إلاّ أنني صُعقت لمّا جاءت بتطابق واحد فقط... حتى أن النص كان باللغة الهولندية. فلم أفهم شيئاً، لكن ثمة ما دفعني إلى الإجابة". والغريب ما فعلته دنيا، بعدئذٍ. ففي أول استجابة لها على ذلك المواطن الهولندي، سألته لماذا كتب أمنياته وصفات الفتاة التي تعجبه، باللغة الهولندية، أي بلغته الأم. إلاّ أن نتيجة السؤال أدّت الى تبادل رسائل فدردشات إلكترونية، فمكالمات هاتفية وصلت فواتيرها الى مبالغ مرقومة، على مدى ستة أشهر، فموعد، فلقاءات في لبنانوهولندا. تلاها مزيد من التعلّق والودّ "لأنه إنسان يجمع مزايا غربية، إذ أحبّني كما أنا، ويسّر لي علاقتي بأمّي، التي كانت معترضة في البداية، ويساعد المرأة في عمل المنزل، حتى في الطبخ، الى مزايا شرقية تتمثّل بتأثره بأبيه المتوفّي، وحبّه لأمه وأهله، واهتمامه بأصدقائه". ثم تزوجا في لبنان. وفي انتظار انتقال "عروس الإنترنت" الى هولندا، صمّم رونالد بنفسه، هو صاحب متجر الأدوات الصحية والبلاط... موقع تهنئة في الشبكة، يعرض فيه صورهما. ولا يمكن دخوله إلاّ بدعوة خاصة... و"يا عوازل فلفلوا!". من جهة، تُعدّ تجربة دنيا، فرصة سعيدة وحظاً حلواً، لكنها، بلا شك، تطلّبت إقداماً وثقة بالآخر الغريب، الى أبعد حدود، على "مصير" بقي مجهولاً الى ما بعد اللقاء. وكانت فيها الإنترنت مجرّد وسيلة اتصال وتلاق، ليس إلاّ. ومن جهة أخرى، أدلى شباب آخرون بآرائهم في مسألة الزواج والتعارف عبر الإنترنت، وسط تساؤلات هل تحيي الآلة والمفاتيح المشاعر والأحاسيس، وتنسج أحلاماً وردية؟ لغة مدروسة منمقة عفراء بيطار تعتقد أن الأمر غير مقنع، لأن اللقاء المباشر والشخصي ضروري. "فلغة التخاطب عبر الإنترنت، كلغة التخاطب عبر الرسائل، حيث يجهد الإنسان تفكيره ليعطي أجمل ما عنده. وبالتالي فهي لغة مدروسة منمّقة". وترى أن هذا النمط يفتقر الى الصدق والصراحة والوضوح، أي ما يلزم لتأسيس علاقة مديدة بين الطرفين. وتشبّه رندة الكسان، صحافية، الزواج عبر الإنترنت بالزواج بالمراسلة، كما يحصل من خلال الإعلانات في بعض الصحف. وتوافق على أن الإنترنت تُفقد الأحاسيس كثيراً من عفويتها وصدقيتها، وبالتالي، ينبغي لها ألا تكون أكثر من تمهيد لبداية العلاقة. ولا تغفل رندة عن أن الإنترنت تقنية عصرية تسهم في فتح نوافذ معرفية، ووسيلة للتقارب والاتصال بثقافات الآخرين. علي ديب، الطالب الجامعي، يعتبر، أيضاً، أن الإنترنت يمكن أن تصلح بداية للتعارف "كنقطة انطلاق، لمعرفة الآخر وتقريب المسافات، بخاصة إذا كان من دولة بعيدة"، على ما يقول، "فشرط الزواج هو التوافق في وجهات النظر، من حيث المبدأ، ثم يأتي الالتقاء الفكري والثقافي"، إلاّ أنه يفضّل الانطلاق من اللقاء الشخصي. ويرى أن استخدام الإنترنت في شأن كهذا، إنما هو تقليد للغرب فقط، وليس من باب الاقتناع. ويثني على ذلك زيد سدائي، الطالب في كلية الطب، وهو ليس ضد التكنولوجيا، لكنه يعارض تدخلها في العواطف والأحاسيس. ويرى أن من غير الممكن أن يلتقي فتاة أحلامه ويبني معها مستقبلاً، ويتحسس العواطف والأشواق عبر شاشة ورموز وأرقام. فالتقنية "لا توفّر لنا العواطف. والزواج يجب أن يُبنى على الاحتكاك المباشر". أما راضي وردة، فتذكّره فكرة الزواج عبر الإنترنت بالماضي، حين كانت تُرسل صورة الفتاة ليوافق عليها "الزوج المحتمل" أو يرفضها. وهو يرى أنها وسيلة تخلّف بدلاً من أن تكون وسيلة تقدّم. ويوافق الآخرين على أن الإنترنت تقلّل من صدقية العلاقة وتخفي جزءاً من الحقيقة. أخيراً، يرى أحمد خالد المسألة من زاوية أخرى. ففي ظل التطوّر التكنولوجي المطّرد، يخاف من أن تصبح عملية اختيار الشريك "حالاً حسابية". ويقرّ بأن الإنترنت "وسيلة حضارية جداً، يمكنها أن ترقى بنا الى أعلى المستويات"، لكنه يمانع تدخّلها في الحياة الخاصة. ويقلّل من أهمية طرح المسألة أي الزواج عبر الإنترنت أو غيره، في وقت بات كثر من الشباب يعزفون عن الزواج لأسباب اقتصادية واجتماعية، جعلت من الزواج نفسه مشكلة، حلّها عصي.