لو شاء الاسرى اللبنانيون المحررون من المعتقلات الاسرائيلية ان يقارنوا بين معاناتهم اثناء الاسر وما بعده، لأكد بعضهم، إن لم يكن جميعهم، أن المعاناة في الاسر ربما كانت اقل شدة من مأساة الحرية الفارغة حيث لم يملكوا اكثر من... حرية الاضراب عن الطعام. ولو خُيّر هؤلاء المحررون في هذه الايام بين البقاء في لبنان وبين الهجرة منه، فلا عجب ان يقرر كثيرون عدم البقاء. لكن معلومٌ ان سبل الخروج الى الهجرة شبه معدومة. وكذلك تبدو، حتى الآن، سبل الخروج من الحالة التي يعيشها الاسرى السابقون. لا شك ان السجانين السابقين لهؤلاء الاسرى، يستطيعون اليوم ان يتلوا فعل الشماتة بضحاياهم. بل حتى يمكنهم ان يقولوا اليوم، في معرض شماتتهم، أنهم كانوا يعتنون بهم في معتقل الخيام اكثر مما يعتني بهم مَن يُفترض به ان يفعل ذلك بعد تحريرهم. ويمكن للاسرى ان يعتبروا كل الخطابات التي القاها مئات المسؤولين اللبنانيين مطالبين بتحريرهم، فخاً نُصب لهم لاستدراجهم الى عذاب حرية الوطن. ولو ان كل واحد من هؤلاء الذين ذكروا الاسرى في خطاباتهم الرنّانة يعمل اليوم لمساعدة واحد منهم، لايجاد عمل لائق له، لكانت اوضاع الاسرى المحررين افضل بكثير. ولعلها بقيت افضل بالتأكيد حتى لو ذكروهم في صلواتهم ايضاً وليس فقط في خطاباتهم. ذكر الرهينة الاميركي السابق في لبنان توماس سذرلاند في حديث صحافي بعد الافراج عنه، ان افضل مهنة في العالم هي مهنة "رهينة سابق". واوضح ان هذه الصفة تتيح له التحول خطيبا بين المنابر في الجامعات الاميركية في طول الولاياتالمتحدة وعرضها، متقاضيا عن كل خطاب يتلوه عن تجربته اثناء فترة احتجازه، ما بين ثلاثة آلاف دولار اميركي وعشرة آلاف. ومعلوم ان سذرلاند اختُطف لمدة ستة اعوام. في لبنان، العكس صحيح حيث تكاد صفة "أسير محرر" تكون مرادفة لأسوأ حال. اي انها تعني ان صاحبها لا يجد عملا ولا يملك اي مدخول. واذا كان لبنان اليوم يكابد اهوال الضائقة الاقتصادية، واذا كان الزمن اليوم زمن التضامن العربي، فلماذا لا يتم التضامن عربيا مع هؤلاء الاسرى المحررين بطريقة بسيطة جداً، مفادها ان تتولى الجامعات الاكاديمية المنتشرة في العالم العربي استضافتهم ليرووا تجاربهم لطلابها لقاء مقابل مادي معقول؟ ولن يكون صعباً على اية جامعة، اذا رغبت، ان تستضيف، في كل فصل، اسيراً محرراً او اثنين، في حوزة كل منهما نص يلخص فيه تجربته والعِبَر منها. ويمكن، بالطبع، للرابطات والهيئات التي تُعنى بشؤون المحررين ان تتولى مسؤولياتها في تنظيم جهد كهذا. اقتراح بسيط لأزمة تثير الخجل في لبنان، خجل الجميع من عدم مكافأة الاسرى المحررين بطريقة تليق بالتضحيات التي قدّموها. اقتراح بسيط لأبسط اشكال التعبير عن التضامن العربي في هذه الأيام الحرجة، لمحاولة تخفيف خجلنا من انفسنا.