للمرة الأولى يجتمع الرئيسان بشار الأسد وحسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين لتدشين مشروع اقتصادي اقليمي جزء من مشروع عربي عام، ما يكشف عن تبلور قناعة بأولوية المصالح على الخطاب - الشعارات ودفع الاقتصاد الى موقع السياسة أو الى التقدم عليها. وكان الزعماء الثلاثة دشنوا في منطقة دير علي قرب دمشق في 14 الجاري، المرحلة الثانية من مشروع الربط الكهربائي السداسي الذي يضم أيضاً العراقوتركياولبنان. وحضر التدشين رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ووزير الطاقة التركي مهور أرسومير ووزير النفط العراقي محمد عامر رشيد. وتكمن أهمية المشروع في بروز "ذهنية جديدة" في تعامل الزعماء العرب مع الشأن الاقتصادي واعطائه الأولوية، اذ انهم ارادوا بحضورهم الحفلة اعطاء دفعة اضافية لفكرة التكامل الاقتصادي العربي التي بدأت مؤشراتها الأولى في القمة العربية التي عقدت في العام 1996 عندما اقر الزعماء العرب اقامة منطقة حرة للتجارة العربية، تشارك فيها حالياً 15 دولة وافقت على خفض الرسوم الجمركية على البضائع الوطنية بواقع 10 في المئة سنوياً وصولاً الى تحريرها. وكان ذلك مستنداً الى الشعور ب"مخاطر العولمة" والتغيرات في الاقتصاد الدولي بفعل مشروع الشراكة الأوروبية - المتوسطية ومتطلبات منظمة التجارة العالمية لتحرير الاقتصادات المحلية والاتجاه نحو تكتلات اقليمية. وفي اطار منطقة التجارة الحرة العربية، وقعت سورية منذ مطلع العام الجاري اتفاقين للتجارة الحرة: الأول مع العراق لأسباب اقتصادية بالنسبة الى سورية وسياسية بالنسبة الى بغداد. والثاني مع السعودية لتحرير تبادل البضائع وازالة القيود امام انتقال المنتجات الوطنية بين البلدين. وكانت سورية وقعت في بداية العام 1999 اتفاقاً مع لبنان لخفض الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية بنسبة 25 في المئة سنوياً، تلته اجراءات لتحرير المنتجات الزراعية. استطراداً، فإن العقلية - الذهنية ذاتها هي التي أدت الى اعطاء أولوية الى العلاقة الاقتصادية مع العراق باطلاق عملية التقارب في ايار مايو 1997 وطي صفحة الجمود في العلاقات بين البلدين. واستند ذلك الى المساهمة في رفع الحصار عن الشعب العراقي من جهة، وايجاد حلول للأزمة الاقتصادية السورية بالبحث عن أسواق جديدة من جهة ثانية. وجاء في هذا الاطار رفع مستوى التبادل التجاري بين دمشقوبغداد الى نحو 500 مليون دولار واعادة تشغيل أنبوب النفط المغلق منذ العام 1982 بما يحقق نحو بليون دولار للاقتصاد السوري. ويعتبر الربط الكهربائي المشروع الثاني التكاملي بين الدول المعنية بعد توقيع سورية ولبنان ومصر والأردن البروتوكول التنفيذي لمد أنبوب من الغاز من سيناء الى لبنان وسورية باقامة شركتين مشتركتين برأس مال قدره نحو بليون دولار أميركي، بهدف تصدير الغاز المصري أولاً وثم السوري الى أوروبا عبر تركيا. ويؤكد محللون "ترابط مشروعي الغاز والطاقة باعتبار ان محطات الكهرباء في عدد من الدول المعنية تعمل على الغاز"، علماً ان مشروع الربط بدأ في العام 1996 ودشنت مرحلته الأولى في آذار مارس 1999 التي ربطت شبكتي مصر والأردن بكلفة اجمالية قدرها 230 مليون دولار. وتبلغ كلفة المرحلة الثانية السورية - الأردنية 145 مليون دولار اميركي بتمويل من "الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي". ويتضمن المشروع مد خطوط الكهرباء من مدينتي عمان ودير علي الى محطة جندر الكهربائية وسط سورية والى الديماس قرب دمشق بطول 350 كيلومتراً. ثم يمتد خط من الديماس الى كسارة في لبنان بطول 228 كيلومتراً ينتهي خلال سنة. ويذهب خط آخر من جندر الى حماه ومحطة "زيزون" في ادلب الى الحدود التركية وتنتهي هذه المرحلة في العام المقبل. ويتضمن المشروع السداسي مد خطوط من حلب شمال سورية الى "الثورة" حيث يقع سد الفرات وصولاً الى "التيم" في دير الزور شرق البلاد قبل ان تصل الى مدينة القائم العراقية، حتى يستكمل المشروع نهائياً خلال عامين. ومن المقرر ان يرتبط المشروع بشبكة دول المغرب العربي عبر حلقة مصر - ليبيا، قبل ادماجها بشبكة دول الخليج العربي لدى الانتهاء من الربط بينها، علماً ان معظم المشاريع السورية جاءت بتمويل خليجي - ياباني بعد حرب الخليج، اذ مول "الصندوق السعودي للتنمية" محطة حلب للطاقة بقيمة 530 مليون دولار، و"الصندوق الكويتي للانماء الاقتصادي والاجتماعي" محطة "تشرين" بقيمة 200 مليون، بينما قدمت اليابان قروضاً لتمويل محطتي "جندر" بقيمة 500 مليون و"زارة" بقيمة 440 مليون دولار. وتكمن أهمية مشروع الربط الذي بدأ قبل نحو خمس سنوات في تعامله مع الشبكات في الدول الثلاث حالياً والست لاحقاً كشبكة واحدة حتى يذهب انتاج الطاقة الى المكان الأكثر حاجة في أي لحظة معينة مع ترك احتياط مستمر يساوي نحو 20 في المئة للحالات الطارئة وتوفير نحو 500 مليون دولار كاستثمارات مطلوبة في كل دولة على حدة، ما سيؤدي الى اقامة سوق حرة لتبادل الطاقة في الدول العربية لربطها بالسوق الأوروبية في المستقبل.