لا نزعم ان الصخب والكلام على هوليوود، عاصمة السينما الأميركية، ضخم ضخامة الأحداث السياسية التي دفعت هذا الصخب وهذا الكلام الى الواجهة. فالأحداث السياسية والكوارث الانسانية والمعارك الدامية الناتجة مما اقترفه الارهابيون يوم 11 أيلول سبتمبر المنصرم، أكبر من أن تقارن بأي شيء آخر، لأنها غيرت العالم، أكثر مما غيرته اي أحداث عاصفة خلال العقود الأخيرة. فقط نقول هنا ان ما حدث أعاد هوليوود محطة للتكهنات وهدفاً للسجالات. وهذه السجالات، على وجه الخصوص، تتناول علاقة العنف والارهاب بالسينما الأميركية، ولا سيما علاقة الكوارث بهذه السينما، وعاصمة الفن السابع التي حققت في الصيف الفائت أعلى مردودات مالية حققتها في تاريخها، ما ثبتها على عرش لسنا نرى وسيلة قادرة على انزالها عنه، تفاعلت مع الأحداث بسرعة، ربما انطلاقاً من ديناميتها الخاصة، وربما أيضاً من تلك المقولة التي تتحدث عن ذلك المريب الذي يكاد يقول خذوني. فبسرعة، وفور وقوع الأحداث، أرجأت هوليوود عروض أفلام، وأرجأت تصوير أفلام، وبحثت في صور أفلام منجزة لتبدل بعض سماتها. هوليوود، مثل غيرها، وربما أكثر من غيرها أدركت، في سرعة، أن شيئاً ما قد حدث، وأن العالم لن يعد بعد 11 أيلول، كما كان قبل ذلك التاريخ. وكل هذا معروف ومتداول وأشبع تحليلاً خلال الفترة الأخيرة. غير أن هناك جانباً آخر للموضوع، لا يزال غير محاط بما يستحقه من اهتمام. وهذا الجانب يطاول، في رأينا، مأزقاً هوليوودياً، لا ينبغي الاستهانة به. ويتعلق المأزق بما يمكن ان تقوله هوليوود، بعد، في مجالات تتعلق بالنوعين الأكثر رواجاً من بين "أنواعها" السينمائية المتعددة: نوع الكوارث، ونوع العنف، ولا سيما منه العنف الفردي. فالحال أنه في الصراع الحاد بين ما هو مصنوع للتلفزة وما هو مصنوع للسينما، تفوقت السينما دائماً في هذين النوعين. وأسباب التفوق كثيرة تبدأ بما لدى السينما من تقدم تكنولوجي يجعل تقديم صور لأي كارثة، طبيعية أو غير طبيعية، مجرد لعبة أطفال على الكومبيوتر، وتنتهي بالرقابات والأعراف الأخلاقية التي قد تسمح للسينما بدرجات من العنف لا تسمح بها التلفزة. وهذا كله جعل للسينما رواجاً لدى الفتيات والشبان، وفي المقابل جعل التلفزة أشبه بمتعة عائلية أقرب الى البراءة. وفي عرفنا ان التغيير المطلوب من هوليوود، اليوم، يطاول هذه الناحية بالتحديد. وهو مطلوب ليس لأن ثمة ضغطاً رسمياً في اتجاهه، إذ حتى البيت الأبيض برئيسه الجمهوري المحافظ أبلغ هوليوود أنه لا يطالبها بشيء. المسألة هنا هي مسألة حجم الكوارث التي يمكن هوليوود ان تصورها، وحجم العنف الذي يمكنها أن تقدمه. فإذا تذكرنا هنا ان "كارثة برجي مانهاتن" تبدو أكبر وأضخم من أي كارثة أخرى سبق لأي فيلم هوليوودي أن تخيّلها وقدمها، وإذا تذكرنا ان عنف ما حدث وما يحدث، وصولاً الى صور الجثث والتعذيب وضروب الانتقام الجماعي والفردي التي تمارس اليوم في أفغانستان على يد المنتصرين، بعدما مورست طويلاً على يد خصومهم الارهابيين، تفوق أي عنف سبق لهوليوود ان تخيلته - أو أخذت عليه - حتى في أفلام مثل "صائد الغزلان" لمايلكل يشيمينو، و"قتلة بالسليقة" لأوليفر ستون، و"بولب فشكن" لكوينتن تارانتينو، إذا تذكرنا هذا يصبح من حقنا ان نتساءل: إذا كان جزء من نجاح هوليوود قام على تفردها في هذه المجالات، وبالتالي اجتذابها لأجيال بأسرها من متفرجين تفاعلوا وانفعلوا، هل سيكون في وسع هوليوود، أن تتخيل ما هو أعنف وأكثر هولاً، من الصور التي التقطت على الطبيعة وشاهدها، مذهولين، مئات الملايين. لو تذكرنا هذا سنقول ببساطة: نعم... ان هوليوود في مأزق، يحتاج الخروج منه، الى عبقريات تخيل، من الصعب تخيل وجودها.