الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    رئيس مجلس الشورى يلتقي رئيسة الجمعية الوطنية بجمهورية أذربيجان    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    الرياض يتعادل إيجابياً مع الفتح في دوري روشن    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    الجوازات تبدأ إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة إلكترونيًا للمقيمين العاملين    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    الأهلي يتغلب على ضمك برباعية في دوري روشن    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    ب10 لاعبين.. الرياض يعود من بعيد ويتعادل مع الفتح ويخطف نقطة ثمينة    «التخصصي» العلامة الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    رحلة نجاح مستمرة    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    « أنت مخلوع »..!    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    نهاية موسم طارق حامد في ضمك    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    النفط يصعد ويوقف خسائر ثلاثة أيام    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    تألق سانشو لم يفاجيء مدرب دورتموند أمام سان جيرمان    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب سويدي جديد يفضح "تسييس" الجائزة ويكشف بعضاً من اسرارها . يوسف ادريس رفض تقاسم "نوبل" مع اسرائيلي وعدم فوز أدونيس بها ما زال يثير التساؤل
نشر في الحياة يوم 04 - 10 - 2001

كل عام، عشية الاعلان عن الفائزين بجائزة أو جوائز نوبل، يثار سجال سياسي وأدبي حول الأكاديمية السويدية والمعايير التي تعتمدها في الاختيار. وإن كانت صدرت سابقاً كتب عدة عن قضية "نوبل" فإن الكاتب السويدي عضو الأكاديمية شل اسبمارك يلقي أضواء جديدة وكاشفة على "كواليس" الجائزة في كتاب أصدره حديثاً في استوكهولم مستبقاً اعلان الجوائز.
لماذا لم يحصل ليون تولستوي أو هنريك ايبسن أو فرانز كافكا أو أوغست ستريندبرغ على جائزة نوبل؟ ألم يكن الأدب العربي وافياً لشروطها التي وضعت قبل أكثر من مئة عام؟ وهل اعطاؤها الى رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في 1953 كان قراراً سياسياً وغايته تكريم الزعيم البريطاني الذي أسهم في التغلب على النازية في أوروبا؟ هل حاولت الأكاديمية السويدية تسييسها من خلال وعد الكاتب المصري يوسف ادريس انها ستمنح له في حال تقاسمها مع كاتب اسرائيلي؟ من هي الأسماء التي تبارت عليها؟ كل هذه الأسئلة وسواها يحاول الشاعر السويدي، عضو الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل للأدب، شل اسبمارك ان يجيب عنها في كتابه الجديد "جائزة الادب" الذي صدر حديثاً في استوكهولم.
يغتنم الكاتب اسبمارك فرصة استثنائية لنشر كتابه وهي رفع السرية عن قسم من معلومات وأسماء تتعلق بجائزة نوبل للأدب. يعتمد الكاتب في وثائقه رسائل استشارية كان يتبادلها اعضاء الأكاديمية السويدية في ما بينهم، ولوائح اسماء المرشحين الذين لم يحصلوا على الجائزة ولكنهم وصلوا الى التصفيات النهائية بغية شرح القضية بناء على تحليلات موثقة حول كيفية التعامل مع الجائزة ومع المرشحين اليها. تلك الأسماء كانت قبل اسابيع من الآن سرية، ولكن في المئوية الأولى لتوزيع جائزة نوبل قررت الأكاديمية السويدية ان ترفع السرية عن بعض تلك اللوائح والوثائق.
يعتمد الكاتب اسلوب التحليل التسلسلي، أي يبدأ دراسته من السنوات الأولى التي سبقت عام 1901 وهو العام الذي منحت فيه أول جائزة أدبية تحمل اسم نوبل وكانت الأكاديمية تتألف من ستة أعضاء ويترأسها السويدي كارل دافيد فيرسان الذي عرف بالتزامه الخط الأدبي المحافظ المرتبط بالايديولوجيا السياسية المحافظة والذي أثر في ما بعد في قراراته في الأكاديمية السويدية. انطلق فيرسان في اختياره ادباء جائزة نوبل من خلال وصية العالم السويدي الفرد نوبل. وترجم فيرسان مقطعاً مهماً من وصية نوبل القائل انه يجب على الكاتب أن يتمتع ب"منهج مثالي" و"مثالية سليمة وواعية" للحصول على الجائزة. ترجمة فيرسان تلك الجمل كانت ترجمة حرفية ليس في ما يخص الاعمال الأدبية فحسب، بل ما يشمل مفهوم الكاتب لطرق الحياة وعيشها والفكر السياسي الذي يحمله. يستعين المؤلف اسبمارك بشهادة المستشرق اساياس تغنير احد أعضاء أول أكاديمية سويدية وضعت الأسس الرئيسة لقوانين توزيع الجائزة وهو يقول ان "الأمر يتعلق بمسائل تفوق التمتع بموهبة أدبية. فالقرارات تتعلق بخصائص تطور البشرية الى الأمام عبر نهج مثالي وتوسيع منظور الانسان لجعله أفضل وأنبل".
من تلك الترجمة تنطلق الاكاديمية السويدية في اختيارها ادباء يتمتعون ب"منهج مثالي" وب"موهبة ادبية". ولكن يشرح اسبمارك ان "الاكاديمية ترجمت في ذلك الوقت تلك المعاني انطلاقاً من قناعات مثالية مستحضرة من تيارات المثالية المحافظة التي انتشرت في القرن السابع عشر". ويقول ان الاكاديمية تجاهلت كتاباً كباراً وجدداً في تلك الحقبة من الزمن، كانوا غير محافظين من أمثال الفيلسوف الدنماركي جورج براندس والشاعر والمسرحي النروجي هنريك ايبسن والكاتب السويدي أوغست ستريندبرغ، بسبب مواقفهم السياسية والاجتماعية وخصوصاً من الدولة والكنيسة. ويستشهد الكاتب اسبمارك في شرحه سبب ابعاد الاكاديمية تلك الأسماء الأدبية المهمة بمقطع من رسالة كتبها سكرتير الأكاديمية فيرسان يشرح فيها رغبته في جعل "الأكاديمية السويدية حصناً للأدب الواعي والحافظ ضد الخروقات الغريبة التي تجري" ويقصد في ذلك موجة كتاب حديثين في تلك الحقبة من الزمن. وبذلك أبعد مجموعة كبيرة من هؤلاء الكتاب عن الجائزة لأنهم لم تشملهم ترجمة "المنهج المثالي" و"المثالية السليمة والواعية" التي رافقت قرارات الأكاديمية لسنوات عدة في ما بعد. وربطت الأكاديمية السويدية وصية نوبل ب"المثالية السليمة والواعية" بمعنى النظرة المثالية الى الواقع، وأهم ما في ذلك مفهوم الدين المسيحي في هذا القبيل، بحسب ما يقول اسبمارك. ولعل القاعدة الفلسفية الدينية التي انطلقت منها الأكاديمية تسببت في "إبعاد عدد من الكتاب الذين أظهروا فكراً نقدياً أو تشكيكياً تجاه المسيحية أمثال الشاعر الايطالي جيوزوه كاردوتشي الذي أسقط سنة 1902 من لائحة المرشحين الى الجائزة بسبب تحديه النظرة الايجابية تجاه الدين". ولكن الشاعر كاردوتشي حصل بعد أربع سنوات على الجائزة وبررت الأكاديمية منحها الجائزة إياه على رغم مواقفه الملحدة".
ويستعرض الكاتب اسبمارك تفاصيل ترشيح الكاتب الروسي تولستوي الذي طرح اسمه للجائزة في 1902 ولكنه رفض. ويستعين اسبمارك بوثائق التشاور بين أعضاء لجنة نوبل. تقول احدى الرسائل ان تولستوي يحتل مكاناً راقياً في الأدب العالمي، وكاتب رواية "الحرب والسلم" هو معلم في وصل الأدب الملحمي حتى ولو انه يظهر بعض المواصفات "الجبرية" مؤمناً بالقضاء والقدر بل مبالغاً في دور القدر ومقللاً من أهمية المبادرة الفردية. أما رواية "أنا كارينينا" فتتمتع بقيمة فنية عالية ويتخللها مفهوم اخلاقي عميق، ولكن بسبب اختيار شخصيات لا تموت كان من السهل منحه الجائزة الأدبية. ولكن تضعف الثقفة بتولستوي بسبب "عدائه الثقافي"، ونقده السلبي للكنيسة والدولة، إذ تشرح الاكاديمية ان "نعيه حق الدولة في ممارسة العقاب، ونعي الدولة نفسها من خلال قوله بالنظرية الفوضوية، أعاد رسم العهد الجديد بطريقة اعتباطية وبروح نصف منطقية وغامضة، كما ان رفضه حق الافراد والأوطان في الدفاع عن النفس أبعده من لائحة المرشحين. وهكذا ذهبت جائزة عام 1902 الى الكاتب الألماني تيودور مومسن.
أما اميل زولا الذي كان أول اسم على لائحة ترشيحات سنة 1903 فأبعد بسبب ما وصفته لجنة نوبل ب"الروح الميتة واحياناً الاحتقار الكبير في نزعته الطبيعية". وحالت هذه الأسباب دون حصوله على الجائزة. وللأسباب نفسها يُرفض في ما بعد النروجي هنريك ايبسن والسويدي اوغست ستريندبرغ.
وبعدما انتهى عهد أول سكرتير للأكاديمية السويدية، فيرسان، بدأت الاكاديمية تترجم وصية ألفرد نوبل تطابقاً مع الزمن الموجودة فيه. ففي فترة الحرب العالمية الأولى حاولت الأكاديمية ان تتبع الحياد في قراراتها وانحصرت في الشمال الأوروبي وذهبت الى الدنمارك والسويد وسويسرا. وفي السنوات الأولى لفترة العشرينات استخدم تعبير "الانسانية" الذي طغى على قرارات اللجنة. ويشرح الكاتب اسبمارك ان "تصريح سنة 1929 اتى بترجمة جديدة لرغبة نوبل. فالجائزة ستعطى للذين قدموا أفضل عمل للبشرية". وهكذا دخلت الجائزة مدارها الكوني وكما يقول الكاتب اسبمارك "حجب الشعر الحديث عن الجائزة بسبب صغر حجم أولئك الشعراء".
الاكاديمية السويدية التي بدأت تطبق وصية نوبل على الأدباء الذين يتمتعون ب"منهجية عالية" انطلاقاً من الديانة المسيحية كقاعدة اساسية، أضافت الى تلك الترجمة مسألة "الحياد" ثم "الانسانية" و"الكونية". وفي السنوات الأخيرة فترة الأربعينات أضيف الى شروط الأكاديمية مبدأ ان يكون الكاتب رائداً في الأدب. وبدأت الجائزة تخرج من دائرتها الأوروبية لتصل الى اميركا الجنوبية. ومنحت الجائزة الى الكاتبة التشيلية غبريالا ميسترال التي أدرجت في لائحة رواد الأدب ثم استمر مصطلح الرواد حتى مطلع الستينات. ومر خلال تلك السنوات رواد مثل السويسري هرمان هسّه والفرنسي اندريه جيد والبريطاني توماس اليوت والأميركي وليم فوكنر واختتمت بالسوفياتي بوريس باسترناك رفض الجائزة والايطالي سالفاتوري كازيمودو والفرنسي سان جون بيرس.
دخلت الاكاديمية في فترة الستينات مرحلة من التحديث اذ اصبح لديها هامش أوسع لاختيار كتّاب من كل بقاع الأرض. وبدأت الاقتراحات تنهال على الاكاديمية وأصبح الخيار أصعب مما كان عليه من قبل. ولكن مصطلح "رائد" في الأدب الذي تراجعت اهميته مع السنين ظهر مجدداً سنة 1988 مع اسم الكاتب المصري نجيب محفوظ. ويشرح الكاتب اسبمارك ان شرط "رائد في الأدب" لعب دوراً مهماً عندما تعلق الأمر بمسألة تحديث اللغة. وجائزة العام 1988 ذهبت الى الكاتب المصري نجيب محفوظ لأن أعماله كما وصفتها الأكاديمية قريبة من الواقع الانساني العام. ولكن محفوظ لم يكن الكاتب العربي الوحيد الذي وصل الى المرحلة النهائية.
بين محفوظ وأدونيس
يكشف اسبمارك ان الكاتب محفوظ كان على تزاحم مع الشاعر ادونيس على الجائزة. ومن الذين رشحوا ادونيس الى الجائزة في تلك السنة عضو الاكاديمية السويدية آرتر ليندكفيست الذي أكد ذلك. وقال في مقابلة صحافية نشرت سنة 1988 في جريدة "يوتبوريس بوسن": "أنا رشحت كاتباً عربياً آخر وهو أدونيس". ويشرح اسبمارك ان الاكاديمية التي وقعت بين اختيار الرائد الكبير في الفن الروائي وبين رائد الشعر العربي الحديث اختارت الملحمي الأول لاعتقادها ان ادونيس كان أصغر عمراً في الأدب العربي. ولكن ليندكفيست صوّت لأدونيس لأنه وجد فيه مواصفات الشاعر النادر والمبتكر. ولكن عندما حصل التصويت بحسب ما يقول اسبمارك "كانت هناك شروط اضافية. فالرائد في الأدب يجب أن يكون مستشرفاً عملياً". ويشرح اسبمارك ان محفوظ كان "شخصية كبيرة معروفة في العالم وخصوصاً أن العشرات من رواياته ترجمت الى لغات عدة من بينها الانكليزية والفرنسية. لكن دائرة قرّاء محفوظ كانت كبيرة في العالم العربي فقط، اما خارجه فكانت محصورة جداً، لذا أتت الجائزة لتكون اشارة الى شريحة واسعة من القراء ولتصبح اعترافاً عادلاً بشرعية أدب حديث لم يتمكن من الخروج الى الساحة الدولية مثلما يستحق".
لم يأت اختيار نجيب محفوظ بسهولة لأن الأكاديمية أجبرت على أن "تلمّ بصورة عن العالم الذي تدور فيه أحداث روايات محفوظ ومجال امتداد النوع اللغوي الذي يتنامى من لغة الأدب العربي الكلاسيكي الى اللغة اليومية المتداولة".
ومن أجل الحصول على صورة قريبة من مضمون الرواية العربية والرواية غير الأوروبية بدأت الأكاديمية السويدية تصدر ترجمات ملخصة للأدب الأجنبي في مجلة الأكاديمية "آرتس". وحمل العدد الأول الذي صدر عام 1994 ترجمات للتعريف بالكتّاب العرب من مثل أدونيس ونجيب محفوظ ومحمد ديب والطاهر بن جلّون. ولكن الاطلاع على الأدب العربي لم ينبع من شهرة هؤلاء الكتاب، فالأكاديمية السويدية الأولى التي تأسست سنة 1900 كان يوجد فيها عضو مستشرق اسمه اساياس تغنير الذي كان على اطلاع واسع على الأدب العربي. ويشير اسبمارك ان الاكاديمية حصلت على اسم رائد الأدب العربي طه حسين كمرشح للجائزة سنة 1949، و"الكاديمية لم تتمكن من الاطلاع على مؤلفات حسين إلا باللغتين الانكليزية والفرنسية". وهذا كان غير كاف لتكوين صورة متكاملة عن حسين.
ولكن حصول محفوظ على الجائزة لا يبرر محاولة الأكاديمية الخروج عن عزلتها الأوروبية لتشمل قارات أخرى. فحتى الآن لا تزال الجائزة محصورة بالقارة الأوروبية والأميركتين. ويقول اسبمارك ان "تلك المحاولات لتخطي الدائرة الأورو - اميركية لا تضاهي المسؤولية الدولية التي تقع على الأكاديمية السويدية. فالأدب الافريقي الحيوي كان متجاهلاً تماماً مثل الأدب العربي. وأدباء الصين والهند احتجوا مراراً وطالبوا بتوزيع دولي منصف للجائزة". ويدافع الكاتب اسبمارك عن استقلالية الأكاديمية السويدية ولكنه يقرّ في الوقت نفسه بأنها اتخذت احياناً قرارات مبنية على خلفية سياسية ومنها إبعاد تولستوي عن الجائزة على رغم أهيمته الأدبية، كذلك عندما منحت الأكاديمية السويدية رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل جائزة نوبل للأدب. أما جائزة الألماني الغربي هنريتش بول ف"فهمت في بعض الشرائح السياسية الألمانية بأنها اشارة دعم لحكومة الحزب الديموقراطي الاشتراكي بقيادة ويللي براندت". ولكن تسييس جائزة نوبل لم يقتصر على سنوات الحرب الباردة وعلى انقسام اوروبا الى شطرين شرقي وغربي، فهي لا تزال موجودة حتى الآن. ويشرح اسبمارك ان الاكاديمية السويدية كانت تعلم انها اذا اعطت الجائزة الى الصيني غاو كسينغيانغ فسيترجم ذلك ترجمة سياسية في بيجينغ. وذلك لأن "الكاتب ليس كاتباً يعيش في المنفى فقط، بل هو اتخذ موقفاً معادياً من أحداث "ساحة الحرية" ولذا ادّعت الحكومة الصينية ان اعطاء الجائزة الى كسينغيانغ خطوة "سياسية مبطنة".
وعلى رغم محاولة اسبمارك الدفاع عن استقلالية الاكاديمية السويدية فهو يكشف حقائق تتعلق بتسييس الجائزة لغرض خاص، منها استخدام الجائزة لفرض حال من التطبيع بين الأدباء العرب والاسرائيليين. ويصفها اسبمارك بأنها سياسة "عادلة" استخدمتها الأكاديمية. ونجمت عنها حادثة حصلت سنة 1994 عندما "اقترح قائد سابق لحزب سويدي على الكاتب المصري يوسف ادريس انه يمكن اعطاؤه جائزة نوبل للأدب اذا وافق ان يتقاسمها مع كاتب اسرائيلي". ويتابع اسبمارك ان الكاتب ادريس هاجم الاقتراح، وقال: "هل تريدون مني أن أتقاسمها مع كاتب اسرائيلي؟ هل ترغبون في صورة جديدة لجائزة بيغن - سادات؟". وانتهى الأمر بعدم اعطائه الجائزة. ولكن اسبمارك يدافع عن الأكاديمية ويصف تسييس الجائزة بأنه "تسييس عادل" ولا يرى فيه أي لعبة سياسية للتأثير على قرارات أو اتفاقات سياسية عالمية ولكنه لا يعطي أسباباً مقنعة لما يقوله.
يأتي كتاب اسبمارك "جائزة الأدب" قبل أيام من اعلان الجائزة ذات الرقم 101. وهو يلقي بعض الضوء على آلية عمل الأكاديمية السويدية منذ التأسيس حتى اليوم. والجديد في الكتاب انه يؤكد رسمياً ان الشاعر العربي أدونيس تنافس مع الكاتب نجيب محفوظ على الجائزة سنة 1988 ولكن شرحه قضية إبعاد أدونيس عن الجائزة غير كاف، هذا اذا قرأنا الكتاب من منظور نقدي. ولعل محاولات اسبمارك لإبعاد صفة التسييس عن الجائزة تبقى أيضاً ضعيفة لسبب رئيس وهو ان اسبمارك عضو في الاكاديمية السويدية وليس كاتباً محايداً، لذا من البديهي ان يدافع عما يصفه استقلالية الاكاديمية. ولكن في الوقت نفسه يؤكد، خلافاً لادعاءاته في عدم التسييس، انه اشترط على يوسف ادريس كي يحصل على الجائزة ان يوافق على تقاسمها مع كاتب اسرائيلي. وهذا وحده يسقط استقلالية الأكاديمية ويؤكد بعدها التسييسي. ولا يقول اسبمارك لماذا لم تنظر الأكاديمية الى يوسف ادريس ككاتب تنطبق عليه شروط الاكاديمية كأديب رائد، وكوني، رفيع المستوى.
كتاب اسبمارك يمكن أن يقرأ من منظورين: الأول هو المنظور العربي المشكك وتكون النتيجة ان الاكاديمية مسيّسة جداً، ومن منظور غربي يجد في الاكاديمية استقلالية تامة. ولكن بين المنظورين يوجد خط ثالث قد يكون الأقرب الى الواقع وهو ان الاكاديمية السويدية تنطلق من البيئة الاوروبية المسالمة ولذا ترى أحياناً في تسييس الجائزة خيراً للبشرية ولكن انطلاقاً من القناعات السويدية وبعيداً من ازمات اميركا الجنوبية، أو ألمانيا أو بريطانيا أو الصراع العربي - الاسرائيلي. ولكن الأمر الأكيد ان الاكاديمية السويدية نجحت في جعل جائزة نوبل للأدب في مستوى أدبي وانساني راق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.