أول الكلام: "إن القيثار: يبعث أجمل أنغامه حين ينكسر والمصباح: يرسل أبهى ضوئه حين يخمد والبجع: ترفع طرفها للسماء حين تسلم الروح والإنسان - وحده - يُرجع البصر الى الوراء ليعُدّ أيامه... فيبكيها"!!
كأنني بتُّ أنتظر شمسها كل صباح على شكل كلمات/ واسطتها إليّ: البريد الالكتروني... هذه المرأة العربية حتى النخاع: تبكي، وتنوح وهي تركض كل يوم خلف نعوش الشهداء في الأرض المحتلة من زهرات فلسطين الذين لم يشبُّوا بعد عن الخامسة عشرة... وفي عينيها: دموع أم، وفجيعة أخت! صوتها/ المكتوب عبر رسائلها: يأتيني أسئلة، وصرخة، وتعبيراً عن كل هذا العجز العربي!! إنها صديقة "نقطة حوار" الدائمة، الكاتبة من المملكة العربية السعودية/ كاميليا... التي جاءت اليوم تقص علينا: حكاية جيل عربي مقهور بعجز قياداته عن نصرة الإنسان العربي المحاصر المقتول في القدس وغزة، بل وفي كل شبر من أرض فلسطين... والكلام أكثر، والفعل الإيجابي أقل!
تكتب "كاميليا" بصوت المرأة العربية: - كل صباح أستيقظ لأُشيِّع جثمان حلم آخر، لا يهم ان كان عربياً أو شخصياً، المهم: ألا يخلف الصباح موعده معي... لم أعد أذكر متى استغرقت في نوم عميق آخر مرة دون أن يوقظني إحساس خانق بالعجز والرغبة في الابتعاد عن كل ما حولي!! منذ فترة وأنا أتجنب مشاهدة الأخبار، لم أعد أشاهد التلفاز أو أقرأ صفحات الصحف الأولى... تعبت !! أتعبني تحول الجميع الى محللين ومنظِّرين سياسيين... تعبت من القتل والمجازر... تعبت من الدماء... تعبت، تعبت!! وأعرف ان هذا الاعتراف يملأني خزياً، فالعالم لا يزال يحمل قبساً من صمود... لا يزال الحق صامداً لم يقل كلمته بعد، ولا يزال العدل صامداً وأطفال الحجارة صامدين في حين أنهار أنا تماماً!! أصبحت الكلمات تهرب من قلمي كلما ناداها، كما تهرب الأيام من عمري وأنا أقضيها بمشاركة هذا الإحساس القاتل! إن كنت تسأل عن مكاني... ستجدني كل صباح: أدفن حلماً مقتولاً مع كل قطرة دم تنتهك حرمتها... مع كل روح تفيض الى بارئها وتتقلد وسام الشهادة، في حين نتقلد نحن أوسمة العجز المسماة: "سياسة"... ستجدني - يا صديقي - أواجه العالم برفقة ثلاثة لا يملون مني: الكافيين، والبنادول، ونوبات ارتفاع ضغط الدم. فقد أصبحت أُشكِّل معهم فريقاً أكثر تضامناً من حكوماتنا العربية!! ينقضي اليوم وأُمنِّي نفسي بأن الغد أفضل... في الغد سيتغير حالنا... في الغد سيصرخ الشجر والحجر ليقولا: "يا مسلم هذا عدو الله خلفي فتعال لتقتله"... لكن هذا الغد يرفض القدوم، ربما أوانه لم يحن بعد، ونصيبنا من الذل والألم لم نستوفه بعد!! لطفك يا أرحم الراحمين... لقد تخليت عن أحلامي ودفنتها في أعماقي... لم أعد أريد أطفالاً، فكل طفل استشهد: جعلني أماً له... ترى أي نوع من الأمهات أنا وأطفالي ينامون تحت مظلات القصف... أيّ أم أنا وأطفالي يزفون كل ليلة الى القبر في عرس دموي/ أصبح مألوفاً في وسائل إعلامنا؟! هذا الإعلام/ الاسطوانة المشروخة الذي استبدل اسطوانة الشجب والاستنكار باسطوانة: الحرب... اسطوانة أكثر غباءً، أكثر تملقاً وابتزازاً لعواطفنا المترفة بالألم!! فليصمتوا... لسنا بحاجة الى التذكير بواقع لا وقت لدينا لنسيانه... واقع يتجسد كل لحظة أمام نواظرنا، رغم انه والحق يقال: "لم تنتهج كافة فضائياتنا المنهج ذاته" فلا تزال تلك الفضائية تحاول أن تخفف عنا وتنسينا أحزاناً موشومة على حدقاتنا... لا تزال تصول وتجول في الملاهي الليلية وبرامج الفن الراقي!! التي تتحفنا بها... تلك الفتاة التي تنقل لنا صورة "مميزة" تدل على ترابطنا كعرب رغم اختلاف أدياننا ومذاهبنا، وذلك من خلال برنامجها الذي "حكى لنا بشطارة" في ليلة الإسراء والمعراج عن: "المساكنة بين الجنسين والعلاقات الموبوءة"!! فهل تلومني - يا صديقي - على انهياري؟! آه - يا عبدالله - ما الذي تبقَّى لنا لنحلم به؟!!