يسلط المقال التالي لديفيد فريمان، وهو محام يعمل في لندن، الأضواء على أهمية العلامات والأسماء التجارية للشركات والمؤسسات التي تستخدمها واجهات لها. واجهت مجموعة "آرثر أندرسن" العالمية أخيراً نزاعاً داخلياً أمكن الفصل فيه بواسطة التحكيم. وتمخض عن هذا النزاع، الذي اجتذب الأضواء وصار علنياً إلى حد بعيد، فصل النشاط الاستشاري للمجموعة عن نشاطها التقليدي في مجال المحاسبة وتدقيق الحسابات. وتمثلت النتيجة النهائية في قيام مؤسسة استشارية جديدة تحت اسم "اكسنتشر" لكن المعركة التي تخوضها هذه المؤسسة لتثبيت إسمها الجديد في السوق تذكرنا جميعاً بمدى أهمية الاسم التجاري. ودأبت المحاكم البريطانية على اعتبار سمعة الفرد أو الشركة التجارية أصولاً ذات قيمة عالية. ويقوم قانون قضايا القذف والتشهير برمته على فكرة أن للفرد الحق في الحصول على تعويض في حال تعرضت سمعته للاساءة بهجوم شخصي لايستند إلى وقائع مثبتة. ويعجب الكثير من الناس كيف أن التعويضات التي تقضي بها المحاكم في دعاوى القذف غالباً ماتناهز التعويضات التي تحكم بها في قضايا الإصابة الشخصية. ويمكن للمحاكم أن تقضي لشخص فقد عضواً من أعضائه في حادثة ما بالحصول على تعويض لايتعدى بضعة آلاف من الجنيهات لكن هذه التعويضات قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات في حال إمرىء تعرض لحرج في شخصه بسبب مقالة ناقدة نشرتها صحيفة أو دورية وتضمنت حقائق مغلوطة. وتزيد دعاوى القذف ومخاطرها عمل محرري الصحف تعقيداً. ويتحتم على محرري الصحف في بريطانيا ليس فقط تقرير أن المقالة المراد نشرها صادقة وتستحق النشر بل لابد لهم أيضا من التأكد أنها مكتوبة بلغة حذرة كي يتفادوا التعرض لدعاوى قضائية مكلفة. ويجني وسطاء التأمين المال من ناشري الصحف ومحرريها الذين يخشون الوقوع في مطبات الدعاوى القضائية بسبب مقالة يمكن اعتبارها مسيئة لسمعة امرئ ما أو شركته. وتحرص غالبية الصحف التي تنشر في بريطانيا على اتخاذ ترتيبات التأمين المناسبة تحسباً من مخاطر دعاوى القذف والتشهير ويتم في الكثير من الحالات عرض المقالات على المحامين قبل إرسالها إلى أقسام الطباعة للتأكد من أنها لن تفضي بناشري الصحف ومحرريها إلى المحاكم. وتقوم العبرة في ذلك كله على أن الاسم والسمعة قيمتان ثمينتان. وأصبح من الواضح في مجال العمل التجاري أن الاسم والصورة المتشكلة لدى الزبائن عن شركة ما يكادان يكونان أكثر أهمية من أي شيء آخر، حتى الخدمة التي تقدمها هذه الشركة لزبائنها. ويميل خبراء العلاقات العامة والاتصالات العالمية إلى الاعتقاد أنه مع تزايد التوجه العالمي للشركات يبدو أن الاسم التجاري والصورة المروج لهما على نطاق عالمي من طريق وسائط الاعلان أصبحا يقدمان على الآراء الفردية للزبائن في درجة الأهمية. ويجد المرء مثالاً على ذلك في السياسات التي تبنتها المصارف العامة البريطانية وكان من نتائجها أن غدا من شبه المستحيل التحدث إلى انسان. وتحاول هذه المصارف أن ترسم لنفسها صورة رؤومة وإيجابية وتنفق مبالغ طائلة على حملات إعلانية تتركز في الترويج لأسمائها والصور التي تريد نقلها لجمهور العملاء بينما تخفض في الوقت نفسه أعداد موظفيها المعنيين أساساً بتقديم الخدمات التي يريدها هؤلاء العملاء. والظاهر أن الاسم والسمعة باتا أكثر أهمية من واقع الخدمة المقدمة للعملاء. وينطبق هذا على الحكومة. ففي بريطانيا وضعت حكومة توني بلير مسألة العلاقات العامة في قمة أولوياتها. ويبدو أن لسان حال السياسيين يقول ان ليست ثمة فائدة تجنى من أداء أو محاولة أداء المهام على أكمل وجه مالم يصار إلى إقناع الناخبين المعنيين بإعادة انتخاب الحكومة أن هذه المهام يتم أداؤها فعلاً على أكمل وجه. لكن مخاطر الاعتماد المسرف على مستشاري الدعاية والعلاقات العامة تكمن في أن تقديم أعمالنا بما يتوافق مع رغباتنا غالباً ما يكون أسهل من بناء صورتنا وفق إنجازاتنا الفعلية. ويؤخذ على حكومة بلير تركيز اهتمامها في سمعتها وصورتها وليس في ما تنجزه حقاً. وتتجسد قيمة الاسم التجاري ومعاركه في الحملة الاعلانية التي أطلقتها "اكسنتشر". ولا تملك هذه المؤسسة سوى القليل من الوقت لتثبيت إسمها الجديد في سوق الاستشارات إذ اشترطت بنود التحكيم عليها التوقف عن استخدام اسم "أندرسن كونسلتينغ" في غضون ثلاثة أشهر وهي تبذل جهوداً يائسة حقاً لضمان مكانة عالمية لاسمها الجديد في هذه الفترة الوجيزة من الزمن. عندما غيرت شركة النفط البريطانية "بريتيش بتروليوم" شعارها قبل ما يزيد على سبع سنوات وقبل اندماجها مع شركة النفط الأميركية "أموكو" أنفقت آلاف الجنيهات وربما مئات الآلاف ان لم يكن أكثر لتغطية مستلزمات قرارها والتعديلات التي استلزمها وضع شعارها الجديد على دفاتر الملاحظات وبطاقات الأعمال والناقلات وأبواب المكاتب والكراجات والخ. إلا أن "اكسنتشر" لاتملك خياراً، إذ أن انفصالها عن الشركة الأم "آرثر أندرسن" واضطرارها إلى تغيير اسمها خلال فترة وجيزة وضعها أمام مهمة صعبة ووجدت نفسها فجأة تواجه المشكلة نفسها التي سبق أن اعترضت الكثير من زبائنها من الشركات والمؤسسات. كيف يمكن لشركة ما تغيير إسمها التجاري دون تغيير قاعدة عملائها التي تريد الاحتفاظ بها بأي ثمن؟ كانت "أندرسن كونسلتينغ" مؤسسة ضخمة وما زالت. وبدا من واقع أن هذه المؤسسة الضخمة تستخدم آلاف المستشارين وتتوزع مكاتبها في جميع أنحاء العالم أن مجرد نشر إعلان في الصحف وشن حملة إعلانية بواسطة مستخدميها من شأنهما أن يفيا بالغرض المطلوب لاسيما أن التغيير الذي أحدثته في اسمها لم يطاول طواقم المستشارين العاملين لديها كما من المستبعد تأثر نوعية خدماتها ناهيك عن أن الطلب إلى العملاء بتذكر اسم جديد لن يكون، نظرياً، بالأمر الصعب. وعلى رغم تأكيد مسؤولي "اكسنتشر" أن ما هم بصدده أكثر من مجرد إحداث تغيير في الاسم إلا أن حملتهم الاعلانية لم تكشف عن تغيرات أخرى. ويتحتم على "اكسنتشر" التي تستطيع فقط استخدام اسم "أندرسن كونسلتينغ سابقاً" في فترة الأشهر الثلاثة إعادة صنع علامتها التجارية في هذه الفترة الوجيزة وضمان أن العملاء الذين أغبطتهم سمعة "أندرسن كونسلتينغ" لن يكونوا أقل غبطة بالاسم الجديد. وليست هذه المهمة سهلة كما تبدو في ظاهرها، إذ أن التغيير يثير أعصابنا جميعاً كما أن تغيير الاسم في حد ذاته يثير التساؤلات في شأن ما يمكن أن يحدث من تغييرات أخرى. ويتداول الناس مثلاً لربما لم يعد صائباً كما كان عليه الحال في وقت من الأوقات لكنه شائع، ويقول: "ما ضر أحداً تعاقده مع آي بي إم". ويتلخص المغزى في هذا المثل الذي يريد القول انك إذا كنت تعمل لدى مؤسسة كبيرة واحتجت للتعاقد مع مورد من الموردين فحري بك انتقاء المورد الأكبر حجماً وليس بالضرورة الأفضل للمهمة، في مسألة المخاطر والمستخدم المكلف تعيين مورد ما لكنه يخشى عتاب رؤسائه في العمل سيختار دوماً إسما مشهوراً بدل المخاطرة بالتعرض للنقد بسبب اختيار المورد غير المناسب والأقل شهرة. وقد ترغب "اكسنتشر" في توظيف الفترة القصيرة المتاحة لها لضمان ألا "يضار أحد بسبب تعاقده مع اكسنتشر" لكن مهمتها لاتنحصر في تثبيت إسمها في السوق العالمية وحسب، إذ لا بد لها من التأكيد للعملاء أن نوعية الخدمة التي اجتذبت "أندرسن كونسلتينغ" الزبائن والأرباح ستكون أيضاً متوافرة لدى "اكسنتشر". ولربما كان هذا أمراً مفروغاً منه لولا أن الشركات تميل في الكثير من الحالات إلى إحداث تغيرات أكثر من اللازم في وقت واحد. دع العملاء يألفون التغيير الذي أحدثته في الاسم قبل الشروع في تغيير خدماتك أو أسلوب عملك. وينطوي تغيير الاسم لدى "آرثر اندرسون" على مهمة لوجستية ضخمة. وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تستخدم "اكسنتشر" 65 ألف موظف محترف ويتطلب تزويد هذا الحشد الضخم بطاقات التعريف دفعة واحدة الكثير من أعمال الطباعة. وتحدثت الصحف أيضاً عن جهات غير متوقعة ستستفيد من التغيير، إذ أن مؤسسة بهذا الحجم الضخم تنفق أموالاً طائلة على وسائط الترويج وتطبع اسمها التجاري على كميات هائلة من قطع الملابس والمظلات وكرات الغولف لاستخدامها في مسابقات الكؤوس الذهبية دورات الألعاب الذهبية ولا بد أن يطال التغيير كل ذلك. كما أن الكثير من الجمعيات الخيرية أفاد من وسائط الترويج التي تسلمتها من "أندرسن كونسلتينغ" على غير توقع لكن "اكسنتشر" لن يكون بمقدورها الاستفادة منها بشعارها الحالي. وقدمت تجربة شركات الانترنت مثالاً آخر على القيمة الافتراضية التي يحملها الاسم التجاري مقارنة بقيمته الحقيقية وذلك حين اتسم تقويم هذه الشركات بالتركيز المفرط على الاسم والاحتمالات على حساب الواقع والأداء. وأدرك العالم الآن أن عمليات تقويم شركات الانترنت، التي لم يأخذ الكثير منها في الاعتبار صعوبة جني الأرباح بالنسبة الى نماذج تجارية غير مجربة، شكلت في الغالب إنتصار التفاؤل على الواقع. وما زال الاسم التجاري ذو المحاسن الجلية، مع ذلك، يغوينا كما أن حمى تسجيل المواقع وتقويم الأسماء التجارية الأكثر شهرة ورسوخاً في الأذهان لم يأخذا صعوبة تحويل هذه الشركات إلى مشاريع رابحة في الاعتبار. لكن الواقع أعاد فرض نفسه من جديد، إلى حد ما، والافراط في التركيز على الاسم على حساب الواقع لم يعد الصفة الغالبة في عمليات تقويم شركات الانترنت. ومن واقع تجربتي كمحام سبق له أن أسس مؤسسته الخاصة مع شركاء آخرين ودمجها لاحقاً مع مؤسسة أخرى اتفهم القلق الذي يثيره تغيير الاسم التجاري. وليس هناك استثناء في هذا المجال، إذ أن كل تغيير يحمل في طياته دواعي القلق وتساؤلاته: هل سيتذكرنا العملاء وهل سيشعرون بالقلق إزاء التغيرات الأخرى التي يمكن أن تحدث؟ وهل سيعتقدون أننا الآن أقل صلابة وجدارة بالثقة مما كنا عليه قبل التغيير؟ وحري بكل شركة تخطط لتغيير اسمها التجاري التفكير ملياً بهذه التساؤلات والعمل على طمأنة عملائها. لكن لابد من التنبه إلى ضرورة أن يكون هذا الجهد مبنياً على الواقع والخدمات التي يمكن توفيرها للعملاء. ولحسن الطالع أن بزوغ فجر عصر الكومبيوتر والتركيز المتعاظم على استخدام الأجهزة والنظم عمقا من أهمية العلاقات الشخصية. ومستقبلا ًومع تزايد الدور الذي تلعبه الأجهزة في حياتنا سننظر بعين التقدير إلى العلاقات الشخصية والتخاطب المباشر مع الناس. والمؤسف في أي حال أنك مالم تكن مستعداً لتحمل النفقات الاضافية فقد لايتوافر لك طلب الاتصال الشخصي مع المحاسبين والمصرفيين والمحامين والحرفيين الآخرين الذين تعتمد عليهم في تسيير شؤونك. وخلاصة القول ان "اكسنتشر" حريا بها وهي تثبت اسمها الجديد في السوق ألا تنسى أن خدماتها واسلوبها في العمل أكثر أهمية لزبائنها من أي شيء آخر. ولمحت "اكسنتشر" في حملتها الاعلانية إلى أن التغيير الذي هي بصدده سيتعدى الاسم لكن عملاءها يرغبون في معرفة طبيعة التغيرات الأخرى ومتى سيتم إحداثها. وربما يجري إطلاعهم بصفة شخصية. ويبدو أن بعض الشركات قادر على نسج صورة تناقض الواقع وتحقيق النجاح، لكن هذه الفئة، كما هي الحال بالنسبة الى لحكومة، تحظى عادة بوضع احتكاري. أما الشركات المضطرة للتنافس مع بعضها البعض فما زالت تحتاج إلى إثبات كفاءتها وعمل مايريده زبائنها وليس مجرد انتقاء اسم تجاري جذاب وإدعاء الكفاءة وحسن الأداء إذ ليس بالامكان معرفة شركة ما من اسمها إلا بقدر ما يمكن للمرء معرفة كتاب ما من غلافه. * ديفيد فريمان محام لدى مؤسسة "داونز سوليسيترز" في لندن ومستشار قانوني في الأمور المالية والأعمال والضرائب والهجرة. يمكن الاتصال به على الأرقام التالية: هاتف: 0207-936-2818 فاكس: 0207-936-281 بريد اليكتروني: [email protected].