حائل على خارطة الاستثمار.. مزايا تنافسية وفرص حيوية    برنت يتجاوز 65 دولارًا للبرميل مع تجدد التفاؤل التجاري    عاصمة المستقبل    «إسرائيل» تخطط لاحتلال وتقطيع قطاع غزة إلى ثلاثة أقسام    ترامب يقول إنه "حزين" إزاء الإعلان عن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان    مجلس التنسيق السعودي - التركي يبحث تكثيف آليات التعاون الثنائي    بالميراس يوضح حقيقة ضم رونالدو في كأس العالم للأندية    المملكة 2050.. حين أصبح الحلم واقعاً    " الموارد": تجربة" أنورت" لتعزيز تجربة ضيوف الرحمن    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    تصعيد في قصف معسكرات النازحين.. الجيش السوداني يسيطر على منطقة «عطرون»    غرامة 16 ألف ريال لكل متر.. ضبط مواطن لتخزينه حطبًا محليًا    السعودية وجهة المعارض والمؤتمرات.. أمير الشرقية يفتتح «أرينا الخبر» ويشيد بتجهيزاتها    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مجلس إدارة ولاعبي الأهلي    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    بعد 19 عاماً من النطحة الشهيرة.. بوفون يعترف: أنا السبب في طرد زيدان    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الهند.. رفض شراء السجائر لرجل غريب فقتله    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    هيئة الموسيقى توثق الإبداعات السعودية    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    أسهمت في خدمة ضيوف الرحمن.. الداخلية: مليون حاج عدد مستفيدي مبادرة طريق مكة    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    تحالف متجدد    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز.. الأربعاء    سعود بن نايف يهنئ الفائزين في «آيسف 2025»    أمير الجوف يُعزي أسرة الجلال    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    وصول أول وفود حجاج منفذ البطحاء    نائب أمير الشرقية يطّلع على برامج «المسؤولية الاجتماعية»    جوازات منفذ جديدة عرعر تستقبل حجاج العراق    اختتام بطولة غرب المملكة للملاكمة والركل بمشاركة 197 لاعباً ولاعبة وحضور آسيوي بارز    نجوم الرياض وهوكي جدة يتوجان في بطولتي الهوكي للنساء والرجال بالمنطقة الغربية    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    الحجي متحدثاً رسمياً للنادي الأهلي    9.5% تراجعا في تمويل واردات القطاع الخاص    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    مراقبة التنوع الأحيائي بساحل البحر الأحمر    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    بتوجيهات من القيادة.. وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطفال لم يسمعوا حكايات الجدات الخُرافية ترتسم هموم الحياة في وجوههم ونظراتهم
نشر في الحياة يوم 18 - 09 - 2000

منظرهم يبدو أكثر حيوية وبساطة من الشعراء الذين يعطون الانطباع أنهم يحملون على عاتقهم مهمة تحسين العالم الذي يرونه بائساً في قصائدهم. يلبسون ثياباً تقترب كثيراً من ثياب الزهاد ونظراتهم تبدو أكثر تسامحاً ومودة من نظرات الشعراء الشزراء. وضعوا الفرشاة والأصباغ جانباً وغادروا جدارياتهم باتجاه قاعة المحاضرات بمركز الملتقيات الدولية لحضور أشغال ندوة "الهوية والفردانية... الفن المعاصر والمستقبل". وحتى الذين لا تستهويهم الفنون البصرية استجاروا بمكيف الهواء في القاعة هرباً من حر ما بعد ظهيرة الأربعاء، وجلسوا في جو شبه مظلم يتلصصون على الصور الفوتوغرافية التي يرسلها جهاز "الديابو" نحو ستارة بيضاء. جاءت ماري جو لافونتين بقامتها الفارهة من بلجيكا محملة بمعارض كاملة مدسوسة داخل أفلام صغيرة لتفرج زملاءها من الفنانين المشاركين والمهتمين على الوجوه والتفاصيل التي التقطتها بعدستها خلال أسفارها الكثيرة. الوجوه التي تلتقطها ماري ليست غريبة. جمالها هو هذا بالضبط، كونها مجرد وجوه تصدر عنها نظرات مركزة وحادة كتلك النظرات التي يصوبها نحوك جار جديد داخل مصعد. لسبب ما اختارت ماري، هذه الفنانة ذات القامة الطويلة والتجاعيد الأوروبية المرتبة، أن تصور أطفال الجيل الثاني من المهاجرين. الصور في غالبيتها لأطفال ينظرون نحو العدسة بتحد مبالغ فيه. أحد الأسباب التي تجعل هؤلاء الأطفال ينظرون بتلك الطريقة بحسب ماري هو كونهم حرموا من الاستماع إلى حكايات الجدات التي تستهوي الأطفال وتعبر بهم نحو النوم فوق أجنحتها الخرافية. إنهم أطفال كبروا من دون خرافات، لذلك يحملون الحياة على محمل الجد منذ نعومة أظافرهم!
تطارد ماري ملامح الأطفال داخل أحياء شعبية كثيرة في التراب الأوروبي، وتسافر بنا إلى معرض آخر عبر آلتها العجيبة التي تعرض الصور على التوالي مطلقة صوتاً حميمياً يتسرب عبر العتمة كما لو كان صوت الحياة وهي تعود إلى الوجوه المحمضة. وتتوقف عند بورتريهات رائعة لأطفال يحدجون العالم بنظرات اتهام عدوانية، في الصورة الأولى يصوب نحونا طفل مسدساً بدا أكبر منه كما لو كان قاطع طريق. في صورة أخرى تقف طفلة جميلة وتنظر نحونا نظرة طويلة من تلك النظرات التي من الممكن أن تراها على وجه شخص حسم كل مشاكله مع العالم. وفي صورة أخرى يشبك طفل أسود أصابعه أمام وجهه ويسافر في صلاة أبدية، بينما طفل آخر إلى جانبه ينظر نحو الكرة الأرضية نظرة كلها ارتياب.
تحكي ماري أنها عندما طلبت من هؤلاء الأطفال القدوم من أجل التقاط الصور، أتوا على الفور إلى الأستديو وقد لبسوا ثياباً باهظة اشتروها من محلات أديداس ورايبوك، لكن مشروع ماري كان بالضبط هو محاربة هذه الماركات عبر تخليص أجساد هؤلاء الملائكة من سطوة العلامة الأرضية، لذلك ستطلب منهم أن يعرضوا بأجساد نصف عارية، فأتت صور هؤلاء الصبية على هيئة أجساد غير مكتملة تلزمها سنتيمترات وكيلوغرامات وبعض الاحلام والجنون لتكتمل. ذكرتني صور هؤلاء الأطفال وهم يقفون أمام عدسة ماري بصدور عارية بوقفتنا في صف طويل أيام الطفولة أمام راديو الأشعة في مستشفى الحي. سوى أن صدور هؤلاء الأطفال تبدو معافاة فيما صدورنا نحن كانت أشبه بأقفاص صغيرة تتقافز داخلها عصافير كثيرة وتزقزق من شدة البرد والسل والجراثيم المزعجة! سيخرجني من هذا التذكار شريط قصير بالأبيض والأسود جعل ماري تطلب إخماد النور مرة أخرى من أجل مشاهدة "دموع فولاذية"، وهو شريط يدور داخل قاعة لكمال الأجسام. لا يتعلق الأمر بتصوير أرنولد وهو يمرن جثته، ولكن بأجساد ذكورية تتمرن على بناء عضلاتها بكثير من الجهد واللذة. في الشريط سيكلفك كثيراً أن تخمن من أين يبدأ الجسد وأين تنتهي الآلة، كلاهما يبرر وجود الآخر وجدواه.
إن الألم عند ماري في "دموع فولاذية" والذي يتخذ من الجسد مسكناً له، يشبه كثيراً ذلك الألم التاريخي الذي رافق بناء الأهرامات. وفي نهاية المطاف يزول الألم وتبقى الأسطورة. الاستماع إلى ماريا كالاس وهي تعزف مقطوعة "كاستالينا" ورؤية حركة اليد وهي تمرن الجسد على الحديد، يذكر بأفلام شارلي شابلن الصامتة التي حذرت منذ نعومة القرن من الخطر المقبل من الآلة. لكن رؤية ماري ليست سوداوية إلى هذا الحد، على رغم أن الشريط القصير الثاني الذي فرجتنا عليه كان كله عبارة عن ألسنة من اللهب يطلقها شخص ملثم على طريقة لوس مكارينوس، فأوشكت أن تلتهم الشاشة، وبين فينة وأخرى يسمع بكاء وعويل ورشاش يفرغ ذخيرته نحو أعداء لم تسمح النار بتبين ملامحهم!
عندما أنهت ماري عرض أعمالها كان ضرورياً أن يفتح نقاش حول تجربتها، وكما هي الحال في كل المهرجانات هناك نقاد أيام الآحاد الذين تستهويهم فكرة تدخل يكون مملاً ومثيراً للضحك أحياناً. هذه المرة كان الحظ من نصيب فرنسية يبدو أنها أخطأت الطريق نحو الشاطئ ودخلت قاعة الندوات، فاستمتعت ببرودة المكان، وبينما هي تتكلم في أمور لا تفهمها تأكيدا،ً رن هاتفها المحمول رنيناً مزعجاً وركيكاً فانصرفت للإجابة على المكالمة وتركت ماري الطيبة تنتظر بقية السؤال! ربما 8 هذه الفرنسية الظريفة جارتها البلجيكية بشريط قصير بالأبيض والأسود لسائحة ليس لديها برنامج يومي مضبوط، وعوض أن تذهب لتناول المرطبات على شاطئ البحر تقرر إعطاء دروس تصويره.. بالهاتف المحمول طبعاً!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.