لم يكن مضى على ولادة غسان تويني أيام عدة، حين أصدر والده صحيفة أسبوعية بعنوان "الأحرار المصورة". ولما كان غسان هو الابن البكر لجبران، فإن العدد الأول الصادر في 11 كانون الثاني يناير 1926 تضمّن شيئاً عن "ولي العهد" ولكن بأسلوب ساخر. كان تويني يستعمل أسماء عدة مستعارة منها "الشنفري" و"حلاق" و"جابر" لأنه كان يحرّر معظم صفحات جريدته أسوة بسائر أصحاب الصحف آنذاك. تحت عنوان "أبو علي وأبو غسان" قال جابر: "رزقني الله غلاماً منذ أيام. لقيني صديق حميم فقال: بماذا أهنئك؟ قلت: بمولود ذكر. قال لا تنسَ شوقي وما قاله يوم رزقه الله غلامه علي: صار شوقي أبا علي في الزمان الترللي فضحكت وقلت للصديق وأنا أنشدت: وجابر صار أبا غسّان... فلم أكد أتمّم الصدر حتى ضحك صاحبي وقال: أتسمح أن أكمل العجز؟ قلت: دونك الأمر. فأنشد: في زمن من أظ... الأزمان. كانت عبارة "جرة موس" عنوان الافتتاحية الدائم انسجاماً مع الاسم المستعار "حلاق". في ذلك العام 1926 تولّى الكولونيل ماي والقومندان موبراس التفاوض مع الانكليز حول ترسيم الحدود بين فلسطين ودولة لبنان الكبير. وبالطبع، لم يستشر الضابطان الفرنسيان أي لبناني "بشأن الحدود الجنوبية". وعلّق حلاّق في افتتاحية العدد 2 الصادرة في 18 كانون الثاني 1926 قائلاً: "عجيب والله هذا التصرف. صاحب البيت يجهل كيف يتصرفون ببيته. ألم يكن من اللائق - على الأقل - أن يستصحب الكولونيل والقومندان بعض الخبراء في الحدود من أبناء البلاد؟ ليحسبوا أن البلاد لحية، وانهم موس، فليجعلونا على الأقل صابوناً أو رغوة صابون لكي نقول اننا اشتركنا في الحلاقة". كان تويني منذ العام 1924 شريكاً في ملكية "الأحرار" ورئيساً لتحريرها. كتب في الصحيفة اليومية افتتاحية حول المغتربين لم تخل من النقد. ردّ عليه أمين نخله في صحيفة "الشعب". ردّ "حلاق" على الرد في العدد 13 من "الأحرار" المصورة" الصادرة في 5 نيسان ابريل 1926، حين قال: "ما كنت أود أن يلعب موسي في ذقن الأديب أمين أفندي نخله، لأني أخشى على ذقنه البضة الغضة وعذاره المخضلّ، أن يتألما من جرة الموس، كما تألمت روحه المسترهلة من كلمة صاحب "الأحرار" عن المهاجرين". أضاف غامزاً من قناة نخله النضالية: "نحمد الله لسماعنا صوت أمين أفندي بعد خفوته كل ذلك الزمن. ويظهر انه كان معتكفاً في غدير مصفق تحيط به روضة غناء، فلم نسمع صوته إلا عند طلوع القمر". وختم الافتتاحية محذراً إياه أن الافتتاحية الثانية أو بالأحرى حفلة الحلاقة ستكون "على الناشف". شارك بعض الأدباء في تحرير "الأحرار المصورة" أمثال جرجي نقولا باز، كرم ملحم كرم، بدوي الجبل، وخليل تقي الدين. ولكن سعيد تقي الدين وعمر فاخوري كانا الأكثر سخرية كي لا أقول الساخرَيْن الوحيديْن، اضافة الى تويني. في العدد 18 الصادر بتاريخ 10 أيار مايو 1926 أجرى فاخوري مقابلة مع الشاعر محمد كامل شعيب العاملي استهلها بتشبيهه بأمين الريحاني بالتوقيع المحفور على الزنكوغراف أي المطبوع، و"انقباض الذراع اليمنى الذي لولا علمي أنه لا يعدي لقلت انه أخذه من الريحاني". وذكّر فاخوري العاملي بالحملات التي تشن عليه ثم قال: "إما أن يكون الرجل الذي يُحمل عليه عظيماً، وإما أن يكون لا شيء يطمع في أن يعدّه الناس شيئاً"! لكن العاملي لم يمكنني من إتمام كلمتي فقال: "لو أن عشر معشار هذه الحملات نزل بالشاعر حليم دموس لخرّ صعقاً. الحملات يا أستاذ لا تكون إلا على الحصون المنيعة"! وبالمناسبة، نشر تويني قصيدة بعنوان "الشعيبيات" في العدد 43 الصادر في 17 نيسان 1927، يعود الى الشاعر شعيب وليس الى ذلك النوع من الحلويات العربية. ومن المرجح أن القصيدة من نظم تويني لا شعيب، بدليل أبياتها الساخرة، في حين عرف عن العاملي جديته المفرطة. ومما ورد في القصيدة الغزلية الموجهة الى الحبيبة سوزان: سوزان كهربت جسمي بلحظك الفتان فأنت أجمل أنثى في الناس والحيوان العنق عنق غزال والقد قدّ البان والعين كالأكي دنيا والخد كالبردقان البرتقال والثغر فستق مفقّى والأنف مثل البنان الموز والصدر بلكون بيت مبني على فدان أنا دخيل هواها يا ناس يا جيراني كان سعيد تقي الدين في الفيليبين حين صدرت "الأحرار المصورة". صحيح انه تخرّج في الجامعة الأميركية وحمل معه الى الفيليبين شهادة عليا، ولكنه اضطر في بداية هجرته 1926 أن يبيع على الكشة كما فعل الشاعر القروي ومعظم أدباء المهجر. لذلك كان عنوان إحدى مقالاته "الدوار" الذي هو أحد فصول كتابه العتيد "قنص الدولار في بلاد الكفار". نشر الفصل على دفعتين وفي العددين 35 و36، ونقرأ في الحلقة الثانية المنشورة بتاريخ 8 تشرين الثاني نوفمبر 1926 ان سعيد ملأ حقيبته بالمساطر الآتية: "ربطات رقبة سعر الدزينة 22 ريالاً، قمصان حرير سعر الدزينة 36 ريالاً، صبابيط اميركية، أجلّك الله، سعر الدزينة 72 ريالاً، الى آخر القائمة وهي أطول من ذنب قرد أو بنود معاهدة". وكان سعيد ختم الحلقة الأولى بالقول انه حين دخل عشّه في نهاية نهاره "انبسطت نفسه لعناق حبيبته، مفرجة كربه، مريحته من أتعابه، ضجيعته في لياليه! من حسبتها؟ لا تأثم هي، هي البيجاما. وتمدد على سريره منهوكاً. وامتدت يده الى تحت المخدة يريد استعادة قراءة رسائل الأهل، فإذا هم يستبطئون ارساله المال، ويتهمونه بأن نعيم المهجر أنساه شقاء ذويه". خصص تويني صفحة في كل عدد بعنوان "مطارحات ونوادر وفكاهات". إحدى الفكاهات الواقعية تمحورت حول طربوش الصحافي والسياسي يوسف الخازن. روى تويني في العدد 13 الصادر في 5 نيسان 1926 ان الشيخ يوسف كان مسافراً الى مصر حين سأله الخفير: هل معك أنتيكات؟ فضحك الشيخ يوسف وقال: نعم معي طربوشي! * كاتب لبناني.