الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    مستقبل الحقبة الخضراء    القادة العرب يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار في غزة    الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    حراك شامل    دوري السيدات.. استقطابات عالمية    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    هتان السيف.. تكتب التاريخ في الفنون القتالية    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        فوائد صحية للفلفل الأسود    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    أثقل الناس    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    تحولات التعليم.. ما الذي يتطلب الأمر فعله ؟    المسابقات تعدل توقيت انطلاق عدد من مباريات دوري روشن    الاتحاد يتعثر من جديد بتعادل أمام الخليج    الهلال ينتصر ودربه «سالم» أمام النصر    بتوجيه ولي العهد.. مراعاة أوقات الصلوات في جدولة المباريات    انضمام المملكة كعضو في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان    البدر يضيء قاعة المركز الحضاري ببريدة    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    رئاسة السعودية للقمة العربية 32.. قرارات حاسمة لحل قضايا الأمة ودعم السلام    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    وقاية.. تقصّي الأمراض الخطرة وإعداد خطط الطوارئ    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    "الخطيب": السياحة عموداً رئيسيّاً في رؤية 2030    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    افتتاح منتدى «كايسيد» للحوار العالمي في لشبونة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إتجاه في سورية لسيادة القانون وللبحث في "نظام الطوارئ والأحكام العرفية"
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2000

لعل انعقاد المؤتمر التاسع لحزب البعث في سورية ساهم في انضاج الحديث عن سيادة القانون وصولاً الى البحث القانوني في نظام الطوارئ والأحكام العرفية. ويردد محامون ان هذا الأمر كان حاضراً بقوة في مؤتمراتهم السابقة.
ويتصل بذلك ما يتردد أخيراً من أن تعليمات صدرت بعدم استخدام الأحكام العرفية إلا في ما يتعلق بالأمن القومي. وكانت مجلة نقابة المحامين السورية "المحامون" نشرت في عدد أيلول سبتمبر - تشرين الأول اكتوبر 1999 توصيات الدورة الثانية للعام 1999 لأعمال المكتب الدائم للمحامين العرب في المنامة، وبمشاركة فاعلة من وفد نقابة المحامين السوريين، كما ذكرت المجلة.
في 8/3/1963 أعلنت في سورية حال الطوارئ والأحكام العرفية، ولم تلغ حتى اليوم. وقد ظلت مقاربة الكتابة القانونية - فكيف بغير القانونية - لهذا الأمر نادرة، ومنها ما نشر في السبعينات من القرن الماضي، عبر مجلة "المحامون" لنجاة قصاب حسن القرارات العرفية وسيادة القانون ونصرت منلا حيدر مدى قانونية قرار الحاكم العرفي أو نائبه الذي يتجاوز فيه الصلاحيات المعطاة له في قانون الطوارئ وله كذلك طبيعة نظام الحكم السوري في ضوء قواعد النظامين البرلماني والرئاسي، ولعبدالإله الخاني الأوامر في عرف القانون والقضاء، ولإدوار حشوة الأمر العرفي بين الفوضى والضرورة، ولجورج رضوان "الأوامر العرفية التعسفية والالتزامات الدولية، ولمحمد واصل التوقيف الاداري وطبيعته ولنزار عرابي الأوامر العرفية وأثرها في حياة الوطن والمواطنين، ولمروان صباغ الرقابة القضائية على الأعمال العرفية...
يضاف الى ذلك كتاب عبدالإله الخاني نظام الطوارئ والأحكام العرفية الصادر عن فرع دمشق لنقابة المحامين عام 1974، وكتاب عبدالله طلبة الرقابة القضائية على أعمال الادارة الصادر عن جامعة دمشق 1976 - 1977.
والى هذه الكتابات شهد النصف الثاني من السبعينات مطالبة مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في سورية مع منظمات أخرى، بإلغاء حال الطوارئ والأحكام العرفية ثم توالى الصمت الا في اسمار الأصدقاء وفي بعض الكتابة السياسية المعارضة.
من هنا تبدأ أهمية البحث القانوني الذي أعده أحمد مبارك الخطيب لنيل لقب محام أستاذ، بإشراف المحامي حمدي المحمود، صاحب دراسة الى المكتب القانوني في القيادة القطرية حول قانون الطوارئ والأحكام العرفية، كما يذكر الخطيب في بحثه الذي كرر عنوانه عنوان كتاب عبدالإله الخاني نظام الطوارئ والأحكام العرفية. وقد تروّس بحث الخطيب باسم فرع نقابة المحامين في اللاذقية وتذيّل باسم مكتبة الكمال 1999/2000م.
وعن تحديث القانون وسيادته ورد في جريدة "تشرين" 15/5/2000، وتحت عنوان تحديث القوانين - تحديث الدولة كتب الصحافي سلمان عيسى "لا شك في ان تحديث القوانين وعصرنتها تسهم بشكل أو بآخر بتحديث الدولة، إذ من المعروف ان الدولة العصرية الحديثة تتلاءم قوانينها مع روح العصر ومجرياته ومتطلباته وحاجاته، لأن هذا المنطق يقول إن الحاجة هي التي تفرض ما الذي يجب أن يكون. ومن هذا المنطلق بدأنا في سورية، ومع بداية عهد جديد بحكومة جديدة، نلمس آثاراً إيجابية لتوجه الدولة نحو تحديث القوانين".
وكان المحامي هايل اليوسفي - صاحب البرنامج الاذاعي المعمّر الشهير - كتب في جريدة "تشرين" 27/4/2000 تحت عنوان نحو آفاق العدالة.. ولكن، مشيراً الى ما كتب قبله بأيام شوقي بغدادي في الجريدة نفسها، وملاحظاً أن أمر القانون يشغل حتى هؤلاء "الذين امتهنوا قرض الشعر وكتابة القصة، وتعاطوا الأدب". طالب اليوسفي بتعديل قوانين أصول المحاكمات المدنية والجزائية والعقوبات، منطلقاً من أن العدالة للمواطنين كالصحة، ومن القاعدة الشرعية الشهيرة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
ومن توكيد السيد رئيس الجمهورية لهذه القاعدة قوله: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير حاجات المواطنين". وطالب اليوسفي بالتوسع في مؤسسة المعونة القضائية، وتبسيط اجراءاتها، مما يقتضي - في ما يقتضيه - تعزيز أوضاع القضاة بزيادة رواتبهم وتعويضاتهم، وتعزيز مكانتهم اجتماعياً ومعنوياً، وتعزيز حصانتهم حتى في مواجهة وزير العدل، فلا سلطان على القاضي "إلا رقابة الله والضمير".
وإذا كان اليوسفي يلح على أن الأهم هو تطبيق القانون، لأن النص الجيد وحده لا يكفي، فإنه يكتب: "فمن القضايا الملحّة اعادة النظر وبشكل سريع في موضوع التوقيف الاحتياطي الذي يمارسه قضاة التحقيق ليتهم وحدهم من يفعل: نبيل والذي أفرز على هامش عملهم فئة من الوسطاء.. من المحامين وغير المحامين، ولم يعد المواطن يبحث عن المحامي الكفي مع كل أسف، بل راح يبحث عن ضالته بأية وسيلة. وهنا لا بد من التذكير بأن الثابت في علم الحقوق ان التوقيف الاحتياطي هو تدبير احترازي تقتضيه ظروف التحقيق، كي يبقى المشتبه به بعيداً من ساحة الجريمة.. بعيداً من امكان طمس الأدلة أو اصطناعها، ولم يكن عقوبة ابداً، مهما تعززت قناعة قاضي التحقيق بالإدانة، لأن العقوبة يفرضها قاضي الحكم، وليس قاضي التحقيق. وبالتالي يبقى القول: كل مواطن بريء الى أن تثبت ادانته بحكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية، قولاً سليماً بلا نزاع... وبالتالي يتوجب عدم التوسع والاسترخاء في التوقيف، ولا سيما محاكم الأمن الاقتصادي التي انتهت في كثير من الدعاوى التي تنظر بها الى غير ما قصده المشرع ابتداءً".
وقد تكون مصادفة طيبة وذات دلالة، أن المسكوت عنه هنا، هو ما قام عليه بحث أحمد مبارك الخطيب، وجرت مناقشته واجازته في فرع نقابة المحامين في اللاذقية يوم 25/4/2000، بمشاركة عدد من المحامين نعمان سيد أحمد - نزيه حيدر - رياض كيلو - فاروق بشير - برهان زريق - ونقيب المحامين في اللاذقية أحمد خضور، والمشرف على البحث: حمدي المحمود.
وفي خاتمة البحث نقرأ: "ففي الوقت الذي تعلن سورية أن السلام خيار استراتيجي لها، لم يعد قانون الطوارئ وأحكامه العرفية صالحاً للحياة، وأن الحل الأمثل هو انهاء حال الطوارئ في سورية". وسواء جاء هذا البحث - أو سواه - في سياق مبكر أو متأخر من دعوى التغيير، أو من دعوى السلام أو التسوية أو التشويه أو من دعوى القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، فقد آن الأوان لفتح هذا الملف، ولا يعقل إبقاؤه مغلقاً ومسلّماً به كأنه القضاء والقدر. وحسبي هنا أن أنقل مما كتب احمد مبارك الخطيب في مقدمة بحثه: "وقد يتساءل المرء - وهو يشعر بالمسؤولية - عن المصلحة الوطنية في ابقاء حال الطوارئ معلنة بشكل دائم في سورية. فهي اضافة الى ما تثيره من لغط حول سيادة القانون في سورية، وما يتعلق بحقوق الانسان فيها، فإنها - أي حال الطوارئ - ترهق الدولة، وتزيد من اعبائها، وتؤثر تأثيراً بالغاً في الحريات العامة، ولا سيما حينما تترجم حال الطوارئ عملياً أحكاماً عرفية.
في فصل المهاد التاريخي لقانون الطوارئ يحدد الخطيب البداية غير الحميدة بالمجلس العرفي الذي أطلقه جمال باشا، وحكم بإعدام ذلك الرعيل من الشهداء في سورية ولبنان.
بعد قليل من ذلك أطلق الاستعمار الفرنسي عام 1923 المجالس الحربية العرفية.
أما بعد الاستقلال، وكرمى لحرب فلسطين عام 1948، فقد جمع القانونان 400 و401 تشريعات مما سبق، وألغيا تشريعات، وابتدعا تشريعات، ثم توالت القرارات التنفيذية لهذين القانونين بين 1948-1958.
في 27/9/1958، وبعد شهور فقط من قيام الوحدة السورية - المصرية في دولة الجمهورية العربية المتحدة، صدر قانون حال الطوارئ الرقم 162، والذي سيلغيه القانون الرقم 51 تاريخ 22/12/1962، أي في عهد الانفصال. وقد احتفظ هذا القانون من سابقه بمحاكم أمن الدولة، وما زال القانون الانفصالي سارياً منذ حينه، بتعديلات طفيفة، منها ما صدر بالمرسوم التشريعي الرقم 148 في 23/10/1967، أي بعد هزيمة حزيران يونيو بشهور، والذي عدل سلطة اعلان الطوارئ لتكون باقتراح من وزير الدفاع في حال اعلان الحرب وانهائها أو وزير الداخلية في حال الاضطرابات الداخلية أو الوزير المختص في حال الكوارث.
والطريف حسب ما يبين احمد مبارك الخطيب، أن البلاغ العسكري الرقم 1 في 8/3/1963 قد صدر في ظل قانون الطوارئ الانفصالي، بمادة وحيدة تقضي بأن يختص المجلس الوطني لقيادة الثورة بممارسة السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى إشعار آخر، ثم صدر الأمر الرقم 2 بإعلان حال الطوارئ منذ 8/3/1963 حتى يوم نرجو ان يكون صار قريباً.
ويثبت الباحث نص قانون حال الطوارئ الانفصالي الذي لا يزال سارياً، بتعديلات طفيفة خلال ثمانية وثلاثين عاماً.
ويبدو من المادة الأولى التي تحدد الشروط الموضوعية لإعلان حال الطوارئ، جواز، وليس حتمية اعلان حال الطوارئ في حال التهديد بالحرب أو نشوبها، أو في حال تعرض الأمن أو النظام العام للخطر، في البلاد كلها أو في جزء منها، بسبب الكوارث أو الاضطرابات الداخلية. أما المادة الثانية التي تحدد الشروط الشكلية لإعلان حال الطوارئ، فتنوط هذا الإعلان بمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وموافقة مجلس النواب في أول اجتماع يلي الاعلان، وهذا ما لم يحصل.
فقانون الطوارئ المعمول به في سورية، وكما يبين الباحث، صدر في عهد الانفصال، لكنه لم يُعلن. ومن أعلنه هو مجلس قيادة الثورة 8/3/1963، ثم لم يعرض على مجلس نيابي، ولذلك فهو مخالفة قانونية، وباطل لا يزال نافذاً منذ ثمانية وثلاثين عاماً، إذ ان شرط تصديق السلطة التشريعية قائم، حتى لو لم تكن موجودة لسبب ما عند اعلان حال الطوارئ، ولا بد من موافقتها عند أول وجود دستوري لها، فماذا إذاً عن قيام مجلس الشعب بدلاً من مجلس النواب، منذ عقود؟
تنص المادة الثالثة من قانون الطوارئ على أن رئيس الوزراء يصبح حاكماً عرفياً، وتوضع تحت تصرفه قوى الأمن الداخلي والخارجي هل يعني هذا الجيش؟ وله أن يعين نائباً أو نواباً له.
في مقابل ذلك نصت المادة 101 من الدستور الصادر عام 1973 على أن "يعلن رئيس الجمهورية حال الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون". وهذا يعني كما بين الباحث أن الدستور عدل قانون الطوارئ الانفصالي حكماً. وبما أن رئيس الجمهورية لم يصدر مرسوماً بإعلان حال الطوارئ في ظل دستور عام 1973 حتى الآن، وبما أن مجلس الشعب لم يقرّ أي مرسوم يتعلق بالأمر، فقانون الطوارئ يعتبر "معدوماً". ويضيف الباحث أن رئيس الجمهورية عين نائباً للحاكم العرفي في 26/1/1980، وتعيين النائب يأتي بمقتضى نظرية التفويض التي سبقت بيان الشك في دستوريتها، ويكتب الخطيب: "وغني عن القول إنه في ظل دولة القانون، لا يتعارض نص قانوني مع نص قانوني آخر. ولا يجوز أن يصدر قانون أو مرسوم تشريعي يتعارض مع نصوص الدستور. فالدستور هو الأساس التشريعي الذي يجب ان تنسجم معه جميع القوانين الأخرى، تحت طائلة اعتبارها غير دستورية، وبالتالي لا قيمة لها وأمام خطورة هذا التعارض لا بد من إلغاء نظام الطوارئ. وإذا لم يكن ذلك، فليس أقل من اعادة صوغه بما يتفق مع احكام الدستور". ويضيف الباحث: "وإزاء هذا كله، لا بد من الوقوف في وجه القوانين التي تخالف الدستور، وكذلك القوانين التي تخالف الاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وسورية طرف في الاتفاقات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية منذ 23/3/1976. وكما ان القوانين لا يجوز ان تخالف الدستور، فإن القوانين الداخلية لكل بلد لا يجوز لها ان تخالف القوانين الدولية".
وللحاكم العرفي أو من ينوب عنه، بمقتضى المادة الرابعة من قانون الطوارئ أن يتخذ التدابير الآتية:
الفقرة أ - "وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال".
الفقرة ب - "مراقبة الرسائل والمخابرات أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان، قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها".
الفقرة ز - "تحديد العقوبات التي تفرض على مخالفة هذه الأوامر، على ألاّ تزيد على الحبس مدة ثلاث سنوات وعلى الغرامة حتى ثلاثة آلاف ليرة أو احداهما. وإذا لم يحدد الأمر العقوبة على مخالفة أحكامه، فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة مالية لا تزيد على خمسمائة ليرة، أو باحدى هاتين العقوبتين. كل ذلك مع عدم الاخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الأخرى".
عندما ينتقل الباحث الى الأحكام العرفية في القسم الثاني من بحثه، وينظر في صلاحيات الحاكم العرفي، يسجل أن الأصل ألاّ تتسع الصلاحيات على حساب الاختصاص التشريعي والقضائي. لكن المادة الرابعة من قانون الطوارئ، وبما تمنح الحاكم العرفي من صلاحيات، تتعارض مع الدستور الذي نصت مواده الآتية على:
"المادة 25-1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وامنهم.
"المادة 25- 2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
"المادة 25-3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
"المادة 27-2- لا يجوز تحري أحد وتوقيفه الا وفقاً للقانون.
"المادة 27-3-لا يجوز تعذيب احد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
"المادة 31: المساكن مصونة ولا يجوز دخولها أو تفتيشها الا في الأحوال المبينة في القانون.
"المادة 32: سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون".
ويرى أحمد مبارك الخطيب أن هذه المواد تماثل دساتير أكثر دول العالم حفاظاً على الحقوق الإنسانية، وتحتوي مبادئ شرعة حقوق الإنسان. وبما ان هذه النصوص الدستورية هي الأحدث، فينبغي ان تجبّ ما قبلها، لكن هذه النصوص الدستورية "معطلة تماماً بوجود الأحكام العرفية".
ومثل بطلان المادة الرابعة من قانون الطوارئ يرى الباحث بطلان المادة الخامسة التي تنص على امكانية توسيع أو تقييد التدابير المتضمنة في سابقتها، ذلك ان الأصل في جميع المبادئ الدستورية هو الإباحة، والقيد هو الاستثناء. وضمان حريات الأفراد يتجلى دائماً في تضييق دائرة القيود، وليس في توسيعها "ذلك أن الشرط الشكلي الخاص بتحديد القيود في مرسوم الاعلان شرط شكلي أساسي، وإهماله يجعل المرسوم باطلاً بطلاناً مطلقاً".
لقد بيّن الباحث في مستهل هذا القسم من بحثه أن ما يصدر عن الحاكم العرفي ليس أحكاماً بالمعنى الدقيق، بل أوامر عرفية، والقول بالتالي بالأوامر العرفية أقرب الى الصواب من القول بالأحكام العرفية، ذلك ان كلمة العرفي تحيل الى العرف، أي الى ما اعتاده الناس، لكن كلمة العرفي أبعد ما تكون عما اعتاده الناس، فضلاً عن أنه لا مكان في الدساتير الحديثة للعرف.
وفي مقام آخر يتناول الباحث السلطات القضائية والتشريعية للحاكم العرفي، فيرى أن سن العقوبات العرفية مما مر معنا من الفقرة ز من المادة الرابعة هو تعد على السلطة التشريعية. أما سلطة التوقيف الاحتياطي التي يملكها الحاكم العرفي، فهي تجعل القانون كابوساً على أي مواطن لا ترضى عنه الأجهزة، ذلك ان شرطي التوقيف الاحتياطي - المحدود أو المفتوح الذي لا تعرف نهايته - شرطان فضفاضان "وهذا المفهوم الواسع يخالف قواعد القانون الجزائي"، ولذلك اكدت محكمة القضاء الاداري في سورية بالقرار الرقم 96 لعام 1971 أن "الأحكام العرفية أو حال الطوارئ هي نظام استثنائي خطير يوقف الحريات الفردية، ويعطل الضمانات الدستورية". ويستعرض الباحث عدداً من الحالات التي نقض فيها القضاء الاداري أحكاماً عرفية منشورة في مجلة المحامون منذ عام 1973 حتى عام 1994، ومنها على سبيل المثال مصادرة سبائك ذهبية لمصلحة المخابرات العسكرية أو سرقة مواطن للتيار الكهربائي... ومؤدى ذلك أن "كل العيوب التي تبطل القرارات الإدارية هي عيوب تبطل الأمر العرفي". ولعمري، كما مضى الباحث، فالسؤال يصرح عما إذا كان إلقاء القمامة خارج المنزل أو مخالفات السير، من بين مشمولات الأحكام العرفية، عملاً سيادياً!
في جريدة الثورة 4/6/2000 كتب المحامي محمد عامر الفرا تحت عنوان التعدي على الحرية وإساءة استعمال السلطة مؤكداً عدم تساهل المشرع السوري مع من يسيء استعمال السلطة، ومذكراً بالمادة 28 من الدستور - الفقرة الثانية، والتي تقول "لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون"، كما ذكّر الفرا بالمادة 360 من قانون العقوبات العام، والتي تنص على أن أي دخول الى منزل أحد الناس أو ملحقات منزله، في غير الحالات التي ينص عليها القانون، تفرض على الداخل عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات، ولا تنقص العقوبة عن ستة أشهر، اذا رافق العمل تحري المكان أو أي عمل تحكمي آخر أتاه الفاعل، وكل ذلك تنفيذاً لأحكام المادة 31 من الدستور: "المساكن مضمونة، لا يجوز دخولها ولا تفتيشها الا في الأحوال المبينة في القانون".
ومما حرص المحامي الفرا على بيانه أن المادة 362 من قانون العقوبات العام تقضي بعقوبة الحبس من شهر الى سنة وبالغرامة مئة ليرة لكل موظف حض على الازدراء بالأوضاع القومية، أو بقوانين الدولة، أو أشاد بذكر أعمال تنافي هذه القوانين والأوضاع. وتقضي المادة المذكورة بتطبيق ما تقدم على رجال الدين وعلى أفراد هيئة التعليم، حين الاقتضاء. ويبين الفرا أيضاً ان قانون أصل المحاكمات الجزائية أفرد باباً خاصاً لحماية الحرية الشخصية من الحبس غير المشروع، إذ نصت المادة 424 منه على وجوب إعلام النائب العام أو معاونه أو قاضي الصلح، من كل من يعلم بتوقيف احد الناس في أمكنة غير التي أعدتها الحكومة للحبس أو للتوقيف. وكان المكتب الدائم للمحامين العرب، في دورته المذكورة في بداية كلامنا، قد دعا وزراء العدل العرب للعمل على تطبيق قانون أصل المحاكمات الجزائية وإبعاد الضابطة العدلية عن استجواب المدعى عليه، كما طالب المؤتمر بوقف ملاحقة المعارضين السياسيين، وانشاء وزارات حقوق الإنسان في البلاد العربية، أسوة بالمغرب.
توالت الأجيال، في سورية وفي بلاد عربية اخرى، في ظل حال الطوارئ والأحكام العرفية. ولئن كان أي منا، ممن بلغ العشرين أو تجاوز الخمسين، قد أصابه ما اصابه من رذاذ هذه العيش الرغيد، حتى في جوانيته، فقد آن الأوان لكسر هذا الصمت. والمهم ان نبدأ، والأهم ان تكون البداية صحيحة.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.