بين الأرض التي ضاعت والأراضي التي هي في طريقها الى الضياع، تشتتت المشاعر الفلسطينية في الذكرى الرابعة والعشرين ل"يوم الارض" الذي تفجر فيه الغضب الفلسطيني ضد سياسة مصادرة الارض في قرى الجليل والمثلث والنقب في الثلاثين من آذار مارس 1976 وسقط فيه ستة فلسطينيين واصيب مئات آخرون. في مدينة سخنين التي شهدت أعنف الاشتباكات قبل نحو ربع قرن، وبالقرب من النصب التذكاري لشهداء "يوم الأرض"، تجدد المشهد أمس واشتبك مئات الشبان الذين شاركوا في المسيرة المركزية مع قوات كبيرة من الشرطة الاسرائيلية. ورشق الشبان افراد الشرطة الاسرائيلية بالحجارة وردّ هؤلاء باطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع التي سقطت وسط التجمع الجماهيري الحاشد الذي ضم نحو 10 آلاف مواطن قدموا من مختلف القرى والمدن المحيطة. استمرت الاشتباكات فترة طويلة اصيب خلالها 18 شاباً وصفت اصابات ثلاثة منهم بالمتوسطة، فيما اصيب الآخرون بجروح طفيفة. وحمل رئيس بلدية سخنين مصطفى أبو ريا، الذي كان أحد المصابين، قوات الشرطة الاسرائيلية مسؤولية الاحداث في المدينة، وقال ل"الحياة" إن اقتراب القوات الاسرائيلية من المهرجان واحتكاكها بالمتظاهرين "هو ما جيّش العواطف". وشكلت الاشتباكات ذروة الاحتفال بإحياء ذكرى "يوم الأرض" فالغيت الخطابات والكلمات التي كانت مقررة للمهرجان. ورفع المشاركون في التظاهرة لافتات تطالب بإعادة الأراضي التي صادرتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة التي تعود الى سخنين وغيرها من القرى المحيطة. وكانت نتيجة هذه المصادرات انه لم يتبق لأهالي مدينة سخنين سوى 9500 دونم من أصل 70 ألف دونم اقيم على معظمها تجمع استيطاني كبير اطلق عليه اسم "مجلس اقليم مسغاف". وتشكل مدينة سخنين مثالاً حياً لحالة "الاختناق" التي تعيشها المدن والقرى العربية داخل الخط الاخضر والتي تمنع من التمدد الطبيعي على اراضيها بسبب مصادرة آلاف الدونمات منها من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلية. وشهدت أراضي الروحة القريبة من مدينة ام الفحم شمال المثلث مسيرة ضخمة احتجاجاً على قرار السلطات الاسرائيلية مصادرة هذه الارض واستخدامها موقعاً لتدريبات الجيش الاسرائيلي. وكذلك في النقب وفي بعض القرى العربية "غير المعترف بها" من جانب الدولة الاسرائيلية. التظاهرة الأضخم، بعد مسيرة سخنين داخل الخط الاخضر، انطلقت من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية باتجاه مستوطنة آلون موريه القائمة على أراضي قريتي سالم ودير الحطب وأراض محاذية لها مهددة بالمصادرة. وشارك في التظاهرة آلاف المواطنين، بينهم نحو 100 ملثم من حركة المقاومة الاسلامية حماس، أحرقوا خلالها مجسماً ضخماً لجرافة اسرائيلية ومجسمات لفيلات مشابهة لتلك التي تبنى في المستوطنات اليهودية اضافة الى العلم الاسرائيلي. وفي طريقهم الى المستوطنة التي اقتلعوا اللافتات التي تحمل اسمها، اصطدم المتظاهرون بالحاجز الترابي الضخم الذي اقامته القوات الاسرائيلية الكبيرة وتمترست خلفه وبدأت باطلاق العيارات المطاطية والقنابل المسيلة للدموع لمنع تقدم المشاركين. واصيب خلال الاشتباكات العنيفة بين الطرفين سبعة مواطنين بجروح متوسطة في الاطراف نقلوا على اثرها الى المستشفى. وإذا كان أهالي سخنين ونابلس اشتبكوا من اجل الارض التي ضاعت، فقد تظاهر اهالي القدسالمحتلة على بعد مئات الامتار من الارض التي استولى عليها المستوطن اليهودي الاميركي ارفينغ موسكوفيتش في قلب حي رأس العامود العربي في محاولة لرفع صوتهم عالياً لوقف عملية ضياع المزيد من الارض المستمرة والمتمثلة بالبناء المتسارع لمستوطنة جديدة في قلب هذا الحي السكني العربي قبل أن يتحول الى "خليل" ثانية بشقيها العربي واليهودي.