من الطبيعي أن يحقق الاصلاحيون نجاحاً كبيراً في الانتخابات الايرانية. فالتصويت أول من أمس الجمعة استمرار منطقي للتصويت في أيار مايو 1997 لمصلحة الرئيس سيد محمد خاتمي. والخاتمية أصبحت خياراً لا بد منه، لأنها واعدة بأفق أرحب وبتغيير وانفتاح، على عكس الخط المحافظ المتشدد الذي لا ينفك يعبر عن ضيق صدر وجمود وانغلاق. لعل الايرانيين يؤيدون الخاتمية توقاً الى ما بعدها، وليس لأنهم مكتفون بما يمكن ان تقدمه. فهي لم تحقق لهم كل ما وعدت به أو كل ما توقعوه منها، لكنهم يعرفون انه لا يمكن أن يتوقعوا من المحافظين أكثر مما رأوه منهم وتحملوه. عندما رفعوا خاتمي الى الرئاسة كانوا يعبرون عن رفض للمتشددين، لكنهم شعروا في بعض الأحيان بخيبة أمل في الاصلاحيين، إلا أن الخيارات أضيق من أن تتراجع الى حد المراهنة على المحافظين. على رغم كل شيء أمكن للايرانيين خلال السنوات الثلاث الماضية ان يعيشوا تجربة انتقالية لا مفر منها، فكان الصراع بين الجناحين والنهجين داخل النظام الواحد. وأمكن لكل منهما ان يثبت وجوده من خلال "مؤسسات" النظام، ومن خلال الشارع في بعض الأحيان. كانت مرحلة انتقالية، وكان يمكن أن تكون أكثر اضطراباً، بل كان يمكن أن تكون أكثر دموية مما مثلته اغتيالات المثقفين ومواجهات الجامعة. فحتى لعبة اغلاق الصحف ظلت في اطار "القوانين"، أو بالأحرى تحت سقف المبالغة في اساءة استخدامها وتسييس تطبيقها. ليست ديموقراطية هذه التي شهدناها في ايران. انها لعبة سياسية تحاول ان تستوعب المتناقضات الايرانية وتديرها تحت مظلة "اسلامية" يبدو واضحاً أن الجسم الانتخابي للاصلاحيين يسعى الى التفلّت منها، لا هرباً الى علمانية غربية وانما طمعاً في حياة سوية لا تكون فيها سماحة الدين موظفة قناعاً لآلة حكم استبدادي. عشر سنوات من الثورة ودولتها كانت كافية لتوليد رد فعل مجتمعي، ولم يعد مجدياً لمن يسمون محافظين أن يرفعوا الصوت ببعض الذرائع الاجتهادية لتخوين من يسمون اصلاحيين. حان الوقت لكي يسائل المحافظون أنفسهم لماذا وكيف خسروا ويخسرون تعاطف الشعب وأصوات الناخبين طالما انهم ارتضوا الاحتكام لصناديق الاقتراع. فالصناديق تبعث اليهم بدروس يخطئون ان هم تجاهلوها أو حاولوا التهرب منها بألاعيب سياسية أو بالعبث ب"المؤسسات"، خصوصاً منها "مؤسسة" القضاء، فلا شيء يسيء الى مصداقية أي نظام أو أي دولة كالتلاعب بالقضاء. ينبغي ألا يتعامل الاصلاحيون مع انتصارهم، مهما بلغت نسبته، على أنه تفويض مطلق. بالعكس انه الامتحان الأصعب للخاتمية، ولن يكون الناخب بعده متسامحاً بل محاسباً. هذا الانتصار سيشكل انطلاقة حقيقية للخاتمية لم تتح لها مع انتخاب خاتمي، وبديهي أنه قد يسهّل إعادة انتخاب خاتمي لفترة رئاسية ثانية. ولكن كل شيء يتوقف على حسن إدارة الانتصار واستثماره في "الاصلاح" الذي يتوقعه الايرانيون. تبقى الانتخابات حدثاً داخلياً، أولاً وأخيراً، مهما قيل عن مراقبة العالم وتمنياته فيها. ولكنها ستطلق للخارج اشارة جديدة قوية في الاتجاه الذي مثله خاتمي ولاقى استحساناً. صحيح ان "التطبيع" مع اميركا كان شعاراً انتخابياً تأرجح بين مع وضد، لكنه في كل الأحوال لا يصلح سبباً لصراع داخلي لا فائدة منه. فأميركا لا تحسن التطبيع مع أي دولة تعتبرها جزءاً من منطقة نفوذ لها، وانما تريد اخضاعها وتطويعها في ترتيباتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. عبثاً يتاجر الاصلاحيون باحتمالات "التطبيع"، لأنهم لن يحصلوا عليه، لا لأن المتشددين سيحبطونه وانما لأن أميركا لا تبحث عن تطبيع وانما عن تطويع. وحتى لو اتخذت ايران من "التطبيع" خياراً فإنه لن يتحقق إلا عندما تتأكد اميركا انه بات ممكناً بالصيغة التي تريدها.