الاحتلال يحمي اعتداءات المستوطنين في المسجد الأقصى    الرئيس الأوكراني: سترفع الأحكام العرفية عند انتهاء الحرب    الداخلية: غرامات وسجن ومنع من الاستقدام بحق المنشآت المخالِفة لأنظمة الإقامة والعمل    وزير البيئة الألماني يؤيد حظر السجائر الإلكترونية أحادية الاستخدام    تجمع الرياض الصحي الأول يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار " ويحتفي بمنشآته المتميزة    بلدية محافظة بيش تواصل أعمال النظافة اليومية بالكورنيش حفاظًا على الشاطئ وراحة الزوار    الخوص من حرفة إلى فن حضور لافت للحرف اليدوية في مهرجان جازان 2026    ختام النسخة الأولى من برنامج "حرفة" بالمنطقة الشرقية    تأجيل الدوام في مدارس منطقة تبوك إلى الساعة التاسعة صباحًا    جمعية الزهايمر تستضيف المرضى وأسرهم في رحلات الخير    دبي تستضيف حفل جوائز الفيفا للأفضل العام المقبل    رونالدو يستهدف الهدف 1000    الأمن البيئي يضبط مخالفًا في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    الإنهاك العاطفي الصامت حين يستنزفك الضغط دون أن يراك أحد    تداولات محدودة لأسهم آسيا    طرح 24 مشروعًا عبر منصة "استطلاع"    والد الفريق محمد البسامي في ذمة الله    فهد بن محمد يكرم مدير «جوازات الخرج»    وكيل إمارة الرياض يستقبل مدير فرع وزارة البيئة    الركراكي: أنا الأنسب لقيادة الأسود للقب    اختبارات اليوم الدراسي.. تعزيز الانضباط    كونسيساو يرفض إراحة اللاعبين    227 صقرًا تشارك في 7 أشواط للهواة المحليين بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الرابع    د. باهمام يحصل على جائزة «الطبيب العربي» 2025    مركز الأمير محمد بن سلمان للخط العربي.. إعادة تشكيل هوية الحرف    الشؤون الدينية تطلق مبادرة "عليكم بسنتي"    "الشؤون الإسلامية" تقيم مسابقة القرآن في الجبل الأسود    الهلال يعاود تحضيراته للخلود    محمية الملك سلمان تدشّن "الإصحاح البيئي" في "نايلات"    أرض الصومال.. بؤرة الصراع القادمة    مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية بالسودان ولبنان.. وصول الطائرة السعودية ال77 لإغاثة الشعب الفلسطيني    صراع شرس بين كبار أوروبا لضم «نيفيز»    في انطلاق الجولة ال 12 من دوري روشن.. ديربي قصيمي بين التعاون والنجمة.. وشرقاوي يجمع الخليج والفتح    بين التانغو والتنظيم الأوروبي.. البحث عن هوية فنية جديدة للأخضر    التحضيرات جارية للقاء نتنياهو وترمب.. 3 دول توافق على المشاركة في قوة الاستقرار الدولية    الإجرام الجميل    حكم بالحبس والغرامة على «مها الصغير»    هديل نياز.. فنانة بطموحات عالمية    موجز    «الموارد»: توظيف 65 ألف مواطن في قطاع الاتصالات    الزواج بفارق العمر بين الفشل والناجح    البيت الحرام.. مثابةٌ وأمنٌ    وزير التعليم يطلع على إنجازات الكلية التقنية بحائل    دعوات مستمرة لوقف التصعيد.. وشبكة حقوقية: «الانتقالي» ينفذ انتهاكات في حضرموت    السجن 1335 عاماً لعضو في عصابة بالسلفادور    اختبار دم يتنبأ بمخاطر الوفاة ب«مرض القلب»    رحيل المخرج المصري عمرو بيومي    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    طرائف الشرطة الألمانية في 2025    علاج جيني روسي لباركنسون    إلغاء سندات لأمر في التمويل لبطاقات الائتمان    رفض واسع يطوق قرار نتنياهو ويفشل رهاناته في القرن الإفريقي    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما الايطالية تحاول تأكيد ذاتها من جديد . جيل جديد من المخرجين يسعى الى العودة الى واقعية الأربعينات
نشر في الحياة يوم 28 - 01 - 2000

لو صدّق الناس النقاد السينمائيين، ينبغي ان تكون واحدة من اعرق وأعظم السينمات في العالم وهي السينما الايطالية والتي وجدت ضالتها في ارث تاريخي ثقافي عريق يشمل جميع مجالات الابداع الفني والأدبي الذي قام على التجريب والاختلاف وتعدد الأساليب، في طريقها الآن الى الانكماش والتلاشي.
ولا ينكر احد بأن السينما الايطالية تعاني من مشاكل كثيرة عبّر عنها رئيس مهرجان البندقية فينيسيا السينمائي البيرتو باربيرا بأنه يجب على السينما الايطالية ان تدرك بأنه يلزمها دخول المنافسات على المستوى العالمي لتنهض بنفسها من جديد، وحسب رأيه فان المنتجين يهتمون فقط بالتمويل ولا يلتفتون الى الجودة. كما شنت وزيرة الكنوز الثقافية الايطالية جوفانا ملاندري هي الاخرى حملة عنيفة في الأيام الماضية على العاملين في القطاع السينمائي مطالبة بخطط جديدة لاخراج صناعة السينما في بلادها من وهدتها. كما انها لمحت الى ضرورة تحرير السينما الايطالية من براثن الهيمنة الاميركية.
وعندما نقول ان السينما الايطالية في ازمة، لا يعني ذلك ان الانتاج السينمائي قد انكمش هنا او هناك، فما زالت السينما التقليدية وفي مقدمتها استوديوهات مدينة السينما في روما، تصور يومياً آلاف الامتار، وما زالت دور العرض تواجه تدفقاً لا مثيل له من طوابير المشاهدين. لكن القضية الرئيسية هي ان ما نشاهده على الشاشة حالياً لا يعكس إلا في مجموعة صغيرة من الأفلام الجادة القيمة التي كانت عودتنا عليها تلك الروائع الروائية القديمة التي اتسمت بالغنى والتنوع.
في التسعينات بات هناك جيل جديد من السينمائيين الايطاليين الشباب الأذكياء والمغامرين والذين يتجاوز عددهم ثلاثين مخرجاً، يحملون ممارسة متميزة اكثر من الجيل القديم، وحملت نتاجاتهم غنى وتنوعاً كبيرين. وهم الآن في تزايد مستمر، يحاولون تصوير ايطاليا التي يمكن رؤيتهما وراء وصفات أكلات السباغيتي والبيتزا التقليدية المعروفة ومن اجل ازالة قناع الفحولة الايطالية الشهيرة، ليكشفوا عن الأعماق بكل حساسيتها وهوسها وارتباكاتها. كما انهم يحاولون رد الاعتبار لهذه السينما والتعويض على ما اصابها من ضرر نتيجة سيطرة النتاج الهوليوودي على اسواق العرض المحلية التي تغطي اكثر من 80 في المائة من مساحة العروض السينمائية والتلفزيونية في عموم البلاد.
أمل يلوح
وعلى الرغم من ان السينما الايطالية تعاني من ازمة في الوقت الحاضر، حالها حال زميلاتها في كل من فرنسا وانكلترا، لأسباب تقف في مقدمتها شيوع النزعة الاستهلاكية التي اكتسحت كل شيء، وما جاء به الفيلم الاميركي من قيم سطحية مهمشة، الا ان ثمة املاً بالعودة الى تخوم جديدة تتوسم التجريب وملامسة ما هو عصي في حياة شعبها، والعودة الى فترة الغنى التي تميزت بها فترة الستينات الذهبية. فالشاشة الايطالية تعرض حالياً مجموعة من الأفلام التي تحمل تواقيع عدد من مبدعي السينما الايطالية الشابة امثال المخرجة الشابة روبيرتا توري التي برزت في السنة الماضية بفيلمها الكوميدي الموسيقي عن عالم المافيا "تانو حتى الموت"، والتي كانت اول من تجرأ على الاستهزاء بالمافيا مستخدمة مواهب المغني الشعبي نينو دي انجلو الذي ألف الألحان. كما ان المخرجة الشابة استخدت اشخاصاً عاديين في التمثيل، وصورت معظم مشاهد فيلمها في مواقع سوق فوتشيرا الشهير الذي يقع وسط مدينة باليرمو العاصمة الاقليمية لجزيرة صقلية. وحققت نجاحاً كبيراً في فيلمها بعد تحويلها هذا الأخطبوط المافيوزي الى صورة سوقية ساخرة.
اما فيلمها الاخير الذي اطلقت عليه اسم "قصة الحي الجنوبي" تيمناً بالفيلم الاميركي الشهير "قصة الحي الغربي" فهو عن قصة حب بين شاب من صقلية وبغي نيجيرية في احد احياء باليرمو الفقيرة.
وبرز المخرج الشاب ريكي تونياتسي الذي اشتهر بفيلمه الرائع "ارض الكفار" عن حادث اغتيال القاضيين الايطاليين جوفاني فالكونه وباولو بورسلينو اللذين اغتالتهما عصابات المافيا في العام 1992.
كما برز المخرج بابي كورسيكانو الذي يسميه البعض الرد الايطالي على المخرج الاسباني بيدرو المودوفار، فقد قدم نفسه على انه الشخص القادر على التعرض لأقدس مقدسات هذا البلد والمتمثلة بالزواج، والعائلة، والكنيسة، وهو برز بمجموعة مهمة من الأفلام ومنها فيلم "الثقوب السوداء" والذي يصور التوق واللهفة من خلال علاقة غير ناضجة بين امرأة ساقطة وسائق شاحنة، حيث تحاول المرأة ان تستجمع تجاربها وآمالها ايضاً كي تغذي هذه العلاقة التي تريد لها ان تنتهي بالزواج، ويستجيب الرجل مأخوذاً بالغموض الذي تحيط نفسها به، لكنها تتركه وتخذله بعد ان يدخل السجن إثر ارتكابه جريمة غير مقصودة، ولا تتحرك لمساعدته على رغم انها تمتلك دليل براءته.
كما برز في الآونة الاخيرة المخرج باولو فيريزي الذي قدم العام الماضي فيلمه الكوميدي "عناق وقبل" وهو كوميديا رومانسية رقيقة وناعمة عن ثلاثة رفاق يقررون ترك عملهم ليبحثوا عن مساعدات مالية تقدمها بلدية المدينة. ولكن الطريق صعب بلا وساطة، لذا يحاولون استمالة صديق لأخت واحد منهم لكنهم سرعان ما يقعون في مأزق بعد ان يتبين لهم ان من أقاموا له الحفل الكبير لا يعدو ان يكون رجلاً كان يفكر بالانتحار فيقدم لهم شكره وامتنانه لأنهم أعادوا اليه ثقته بنفسه.
المخرج فرانشيسكو ارجيبوجي في الآونة الاخيرة قدم دراما اجتماعية تعري شوارع روما، اذ قدم فيلمه الاخير "اطلاق النار على القمر" ومن خلاله يعود الى الهم والقلق الذي يحاصر الانسان الايطالي. وهو بهذا الفيلم يعود الى تكملة المشوار الذي نهجته الواقعية الايطالية الجديدة في الخمسينات، حيث تدور احداث الفيلم حول صبي يعيش حياة كئيب وبائسة مع امه التي تدمن المخدرات، لكن الحياة تدب في روحه من جديد حين تزوره اخته غير الشقيقة ذات الأربعة اعوام بين الحين والآخر، وفي احدى زياراتها تبحث في ادراج الأم فتخزها إبرة تستخدم في حقن المخدرات، لينتقل اليها واحد من الأمراض الخبيثة.
هناك المخرج الشاب لوكا بوفولي صانع افلام كرتونية متميزة بتوجهاتها وأساليبها، فهو يؤكد بأن انتاجاته السينمائية مع جيله من الشباب الايطالي "تأتي من ضياع المثل العليا التي اعتاد عليها المجتمع الايطالي" فالدين والسياسة والعائلة حسب وجهة نظره في حالة انهيار وعلى جيله من السينمائيين الجدد التأكيد على هذا الواقع.
اما المخرجة الشابة جوفانا ادامسي فتؤكد ان الأزمة السينمائية في ايطاليا ليست مالية، بل ثقافية بالدرجة الاولى انطلاقاً من ميل الاميركي بشكل خاص والغربي بشكل عام نحو الاقبال على الافلام الايطالية غير المرهقة للأعصاب، فالناس يتوقعون من السينما الايطالية ان تكون على الدوام مليئة بالقرى الجميلة الصغيرة والحياة الوديعة ذات الألفة الاجتماعية الأسرية المتماسكة التي اشتهرت بها هذه البلاد، وهذا مستحيل حسب وجهة نظرها، لأن ايطاليا لم تعد كذلك.
وغنى التجربة السينمائية الايطالية يكمن في تعدد مدارسها ورؤاها، وقدرتها على تطعيم خطابها بمواقف سياسية واجتماعية نقدية، وهو الأمر الذي اكسبها طعماً ولوناً خاصين. ونجد انفسنا ازاء اضافات جدية تتمثل في مجموعة من الأفلا م الجديدة لكبار المخرجين الايطاليين المعروفين، بدأت في الآونة الاخيرة بانعاش السينما الايطالية، وتسير على نهج التسعينات من القرن الماضي، فآخر الاخبار تؤكد ان روبيرتو بينيني صانع فيلم "الحياة جميلة" يستعد لفيلم جديد من انتاج ايطالي - اميركي مشترك سيعلن عنه خلال الايام القريبة القادمة، وان الشقيقين باولو وفيتوريو تافياني يعملان على تحقيق فيلم جديد من المحتمل ان يكون جاهزاً في مهرجان البندقية فينيسيا السينمائي القادم مستوحى من احدى قصص اديب ايطاليا لويجي بير انديللو. كما ان المخرج جوزيبه تورناتوري وبعد رائعته "اسطورة عازف البيانو في المحيط" الذي اخرجه العام الماضي وقام بدور البطولة فيه الممثل الاميركي تيم روث، وتم تصويره على البحر الاسود قبالة اوديسا وفي استوديوهات "جينا جيتا" بروما، يستعد هو الآخر للشروع بفيلم جديد حول موضوعه الأثير بالحنين الى الماضي، والفيلم الجديد سيكون عن صقلية في بدايات القرن الماضي.
اما المخرج الكبير ايتوره سكولا الذي قدم تحفته "العشاء" في العام الماضي والذي يتناول من خلاله حياة 14 شخصاً يجتمعون الى طاولة داخل احد مطاعم العاصمة الايطالية، فانه يستعد لتحقيق فيلم جديد على نفس النهج الذي تميز فيه بفيلم "رقص.. رقص" وفيلم "الشرفة" وفيلم "العائلة" الذي صوره عام 1987.
الممثل المخرج ميكيله بلاجيدو الذي قدم نهاية العام الماضي فيلمه الرائع بومورو وتعني الطماطم باللهجة المحلية النابوليتانية وهو اول فيلم يقوم هذا الممثل الشهير باخراجه لينتقل من دائرة التمثيل الى دائرة الاخراج الأوسع والأشمل، حيث طرح من خلال فيلمه هذا وبجرأة كبيرة ظاهرة العنصرية داخل ارض الواقع الاجتماعي الايطالي المليئة باليأس والوعود والعنصرية، فبعد نجاح فيلمه الذي كان بمثابة ادانة مباشرة للمجتمعات الاوروبية في تعاملها مع المهاجرين من بلدان العالم الثالث، يستعد هذه الأيام للسير في النهج الواقعي الذي سار عليه روسيلليني ودي سيجا ومعهم قائمة من ابهروا الجمهور العالمي بقوة صنعتهم ومعالجتهم السينمائية ومواقفهم الانسانية والذي اطلق عليه اسم "واقعية ايطاليا الجديدة للقرن الواحد والعشرين".
ويعتقد العديد من النقاد الايطاليين بأن ثمة امل للسينما الايطالية للخروج من ازمتها الحاضرة لولوج العصر الجديد مع انها تواجه مشكلات جدية تتمثل في استحواذ التلفزيون على قلوب الايطاليين الذين استهوتهم الأحلام الاميركية الفضفاضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.