العيد هو ما تحتفل به الذاكرة حين نستعيد ذكراه فينعكس ابتسامة صادقة. ونحن نحتفل باليوم الوطني نكاد نصنفه عيداً من أعيادنا. والعيد الوطني ليس تاريخاً يحتفى به بفرمان رسمي، بل الشعور بالشكر ان تكون الأرض التي تسعى عليها اقدامنا يومياً هي ذاتها التي تتعلق بها احلامنا في الليل. فالوطن ليس تكويناً سياسياً فقط… ولا كائناً على ورق. كل جمهورية موز تتوالد فيها الانقلابات بسرعة توالد الأيدز والكوليرا والرؤساء، لها في كل يوم من ايام العام ذكرى عيد وطني ملغى عديم الصلاحية بفعل حكومة جديدة. ومهما تغيرت تفاصيل هذا التاريخ، او الفصل الذي أتت رياحه بتغيير وجوه في الملصقات الجدارية، تظل وجوه مواطنيها على اكتئابها من دون احتفال. ان يعود الاحتفال بالعيد الوطني بصورة حيوية صادقة كل عام يعني ان الأمور مستقرة وعلى ما يرام… وان الناس سعيدة بانتمائها وراضية عنه. هي حقيقة لأي موقع في العالم… جمهوريات الموز الكئيبة القصيرة العمر او الامبراطوريات العظمى التي تفخر بأنها لا تغيب عنها الشمس… كلها لها يوم عيد وطني، مع اختلاف المسميات. يسميه بعضهم عيد الجلوس، حيث يرتبط مفهوم الوطن بجلوس فرد على مقعد الحكم. ويسميه بعضهم عيد الاستقلال، محتفين بذكرى تحررهم من عبء مستعمر بغيض. ويسميه بعضهم ذكرى الفاتح من هذا الشهر أو ذاك، موثقين بابتداء عهد جديد… وحين نكتفي بتسميته العيد الوطني نلامس الأعمق من جوهريات الانتماء للوطن محتفين بالوطن بغض النظر كيف جاء. لسنا في موقع جمهوريات الموز، ولا القوى العظمى ولا نحتفل بالتحرر من استعمار ولا حتى نحتفي باليوم الوطني لمجرد انه يعود. انما هناك شعور صادق بالفرح يرتبط بالانتماء لهذا الوطن بالذات. الأمن يأتي بالفرح… والطمأنينة تأتي بالفرح… والنمو يأتي بالفرح… والنماء يأتي بالفرح… ايها الوطن… ربما افصح ما يعبر عن حقيقة المشاعر حين تحتفي بيومك هي قراءة الاحصاءات: ان اعداد من يقدمون من ابنائك طلباً للهجرة الى غيرك من اراضي العالم عدد ضئيل ضئيل لا يكاد يذكر مقارنة بمن يرغبون في التسلل اليك واختلاس الانتماء… او يحلمون بأن يكونوا من ابنائك المتمتعين بظلالك. عيدك يأتي باستمرارية قرن من العمر في زمن الكيانات السياسية الهشة القصيرة العمر… وبتاريخ مميز: 23 سبتمبر… يوم دخول برج الميزان. وربما كان فألاً حسناً ان يحقق وطن ما وجوده في غرة برج الميزان رمز الإتزان والتوازن واستحقاق الثقة. أليس الميزان ذلك المعيار الدقيق الذي نعتمد عليه في تحقيق تعادل الكفتين، وتكافؤ الأخذ والعطاء؟ وهذا ما يميّز مسيرة هذا الوطن منذ تكون في هذا التاريخ قبل قرن: الإتزان والتوازن والثقة. فلعلنا ونحن نتذكر ما يمنحنا هذا الوطن نتذكر ضرورة تعادل الكفتين وتكافؤ الأخذ والعطاء… ونتذكر ان المواطنة ليست حقوقاً فقط بل حقوق ومسؤوليات. وان الانسان يحتفل باستمرارية الوطن وانتمائه اليه حباً قبل انتمائه لأوراق ثبوتية تحد من حريته أو تمنعه من بعض حقوقه… ويحتفل باستمرارية الشعور بالأمن وليس استمرارية الأوضاع الراكدة… ويحتفل بطمأنينة الثقة ان الغد يحمل وعد المزيد من الفرح وليس المزيد من التراجع. ولكن أيها الغالي وأنت المرتبط بالاتزان والتوازن والثقة كيف هي وجوه بناتك في كل يوم الوطن؟… هل تكفي بلاغة الصمت عن بلاغة الإبتسام؟