في قاعة العرض الرئيسية في مركز الهناجر للفنون، أقيم المعرض الثاني للفنان سمير فؤاد، وهو يضم 28 لوحة زيتية، أنجز معظمها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأثار ردود فعل إيجابية بين النقاد والفنانين التشكيليين، نظراً لما يطرحه هذا المعرض من اجابات على اسئلة شغلت الأوساط التشكيلية فترة طويلة - ولا تزال، وأثارت الانقسام بين تيارات عدة، يرى كل منها في نفسه القدرة على نفي الآخر وتهميش دوره! ولعل من أهم هذه التيارات، التيار المنتمي الى التقاليد التشكيلية الرصينة، والذي يضم عدداً من الفنانين، يقفون مدافعين عن أصالة اللوحة، في وجه دعاة الاعمال المركبة وتجميع "النفايات" وتغييب الدلالة والمحتوى في كل ما يُقدم باعتباره تشكيلاً. يقف هؤلاء الفنانون مع اللوحة ذات المضمون، اللصيقة بمجتمعاتنا العربية، بدءاً من الحفاظ على إطار اللوحة أو "وحدة اللوحة" وانتهاء باعتماد "باليتة" لونية تلائم البيئات العربية، وتمتح من عناصرها اللونية، وتفارق بالضرورة "باليتات" الألوان الغربية، كما تتمحور موضوعات اللوحة لدى أصحاب هذا التيار حول معالجة أشكال وتبديات الحياة العربية على اختلاف البيئات وأشكال الحياة، إلا أنها ملتزمة بفكرة "التأصيل" والانتماء للمكان. ينحاز فؤاد في معرضه الى الاتجاه "التأصيلي" والى الحفاظ على اللوحة كوحدة أساسية. فعبر 28 لوحة يعالج فؤاد الوجوه وألعاب الأطفال والأشكال والموتيفات الشعبية مثل المراجيح والحصان الخشبي وعروس المولد والعصافير الخشبية، وهو في معالجته لتلك التيمات والموتيفات، يعتمد الاسلوب الواقعي التعبيري، وتسيطر عليه رؤية ميتافيزيقية، تضفي عليها طاقة روحية. فالأطفال في لوحات الفنان، تسيطر عليهم حالة من الترقب المشوب بالخوف، ونظراتهم تخترق فراغ الصورة الى مجهول لا نعلمه، وفي بعض اللوحات، اختفى الطفل كلية من اللوحة وحل محله الموضوع نفسه، مثل صورة "لعبة النيشان" التي تشيع في الموالد والأعياد، فالمُشاهد هنا هو الطفل الذي ينظر الى لعبة النيشان والمرأة الممسكة بالبندقية وخلفها صفوف من الطلقات، تنظر اليه وتدعوه إلى مواصلة اللعب. والملاحظ في عمل الفنان فؤاد عموماً، اندراجه في اسلوبية الفنان الكبير حسن سليمان، فنجد فؤاد متلزماً بدرجات لونية بعينها أسس لها سليمان باعتبارها الدرجات اللونية الاقرب الى البيئة المصرية، كما نجده ملتزماً بمنهج في الرؤية وبلوره سليمان أيضاً. وعن هذه الصلة يقول سليمان: "قلت لسمير فؤاد، عندما رأيت لوحاته للمرة الأولى: أنت فنان تستطيع أن تكون محترفاً، ولا حاجة لك لأن ترتبط بفنان اكبر منك وأكثر تجربة، فستجد طريقك بمفردك، لكنه أصر أن أكون استاذه، واستمرت علاقتي به طويلاً، تحددها صداقة حميمة وزمالة في الحقل الفني، وكان طيلة السنوات الماضية يتفوق على نفسه وينتقل دائماً الى الأفضل". في هذا الإطار وداخل مجال سليمان أيضا، تحتل الطبيعة الصامتة حيزاً كبيراً، في معرض الفنان سمير فؤاد الذي يسعى للتعامل مع مفردات هذا الغرض التشكيلي برؤية جديدة ومن منظور لوني مغاير، مقدماً تفسيرات جديدة للعلاقة بين الظل والنور، ولمبدأ المطابقة بين اللون الواقعي و"باليتة" الألوان للوحة، مستعيناً في ذلك بالبعد النفسي الذي يضفي على الموضوع طاقة محسوسة، وينتقل به الى مجال يختلف عما يكون عليه الواقع، دون الاخلال بالإحساس بالواقع. ولعل اللوحة التي يتصدى فيها الفنان سمير فؤاد لإصيص يحمل زهرة واحدة، مقدماً إياه في درجات رمادية وبيضاء، تغاير تماماً الواقع الذي تكون عليه هذه الزهرة، يفسح المجال واسعاً أمام تدفق روح الفنان على موضوعه، فاللوحة هذه، التي لا تحتوي إلا على إصيص وزهرة واحدة، تشي بحالة نفسية بعينها كان عليها الفنان إبان رسمه للوحة، تطفي على التفكير في مدى واقعية وجود زهرة سوداء أو رمادية، كما تشير من طرف استعاري الى حالة الذبول التي تعتري هذه الزهرة. هذه الإحالات الشعورية والنفسية، يجيد الفنان سمير فؤاد، التعبير عنها بطريقة غير مباشرة، تعد بدورها أكثر الطرق التي يعتمدها تميزاً والتصاقاً باسلوبية حسن سليمان في التعبير عن العالم.