في أحاديثها للصحافة الغربية تكرر سلمى حايك حكاية أنها سعت طوال ستة أشهر لإقناع المخرج باري صوننفيلد بصلاحيتها لتأدية البطولة النسائية في "وايلد وايلد وست". ومن ناحية كرر هذا المخرج انه، للأشهر الستة ذاتها، لم يكن مقتنعاً بها حتى أعاد النظر ووجد ان لدى الممثلة حايك مواهب كوميدية دفينة مناسبة. هذا الكشف دخل في صلب الدعاية المسبقة للفيلم خلال الحملة الترويجية. من ناحيتها أكدت انها ذات عناد شديد وأنها تفوز بما تراه مناسباً لها، ومن ناحيته هو ظهر كما لو ان تردده كان مستنداً الى عوامل فنية بحتة وأنه لا يفرط في الأدوار كثيراً ويختار ممثليه حسب شروط محددة وربما صعبة. حين مشاهدة "وايلد وايلد وست" يدرك المرء - اذا ما صبر حتى آخر الفيلم - ان لا شيء يوحي بأن عناد الممثلة "اللبنانية الأصل" كان في محله، أو ان ممانعة صوننفيلد كانت مبررة. في الحقيقة لا الدور من الأهمية بحيث قد يؤثر في مستقبل حايك على النحو الذي تتمناه، ولا المخرج أدار الممثلة على نحو يعزز تلك المواهب التي يقول انه أعاد النظر فاكتشفها فيها. الأكثر ان الدور صغير وكان يمكن لأي ممثلة من الصف الثاني وما دون ان تقوم به. حايك مناسبة أكثر قليلاً لأنها مكسيكية، لكنها لن تكون المرة الأولى التي يتم فيها إسناد دور مكسيكية الى بيضاء اميركية اذا ما قرر صوننفيلد ومن معه ذلك. هذا الجانب ليس أهم مشاكل هذا الإقتباس المأخوذ عن حلقات تلفزيونية ظهرت في العالم 1964 وحتى العام 1968. "وايلد وايلد وست" يشبه بالون الهواء المزركش يعجب الصغار والحالمين بالنوستالجيا على حد سواء من الخارج، لكن بمجرد ان يفقع وهو سريع الفقعان يتبين انه ليس أكثر من هواء مضغوط. خطف الرئيس على الشاشة الصغيرة دارت احداث "وايلد وايلد وست" حول مغامرين من الأميركيين البيض في الغرب الاميركي: جيمس وست وقام به روبرت كونراد وزميله ارتيموس روس مارتن. الأول شاطر في العراك وإصابة الأهداف بدقة، والثاني ماهر في الاستنباطات والابتكارات العلمية / الميكانيكية. النتيجة برنامج من الغرب الأميركي مزود بتقنيات مستوحاة، او هكذا تبدو من روايات جول فيرن. وحتى الآن لا يزال بامكان المرء ان يشاهد هذه الحلقات معادة على محطة اوروبية او اميركية، ليكتشف انها لا تلبي رغبة الباحث عن صورة مستوحاة من الغرب الاميركي القديم. لكنها على الأقل تعوض ذلك بصورة جديدة. الفيلم، من ناحيته، لا يعوض حتى غياب الصورة الجديدة ناهيك، اذاً عن تقديم الصورة الأولى - الكلاسيكية اذا أردت - للغرب الاميركي - بذلك، وحتى من قبل الحكم فنياً على هذا الفيلم الجديد لمخرج "رجال في الأسود" 1997 "وايلد وايلد وست" يستلهم خامته الأساسية من ذلك البرنامج، لكنه في إطار التوجه الى جمهور اليوم يضيع المعالم الأولى كلها ولا يعوضها بمعالم او ببدائل كانت تستحق المعاناة. الغاية المبيتة للفيلم هي تحقيق وسترن حديث جداً يتم فيه الاستفادة من الجانب العلمي كما يجسده ارتيموس لإتاحة الفرصة أمام فناني المؤثرات الخيالية لصنع الفيلم أو 70 في المئة منه على الأقل. في هذا الصدد، ولأن ويل سميث ممثل أفرو - اميركي كما يعرف الذين شاهدوه سابقاً في "يوم الاستقلال" و"رجال في الأسود" و"عدو الأمة"، كان لا بد من تغيير شخصية جيمس وست رأساً على عقب. انه رجل "أكشن" اكثر من سابقه، وله جاذبية عاطفية كبيرة يقرر الفيلم ان يبدأ بها، ويحارب د. أرليس لفلس كينيث براناه الكولونيل الخارج من الحرب الأهلية الاميركية خاسراً وزمرته الجنوبية، والذي يسعى الآن لخطف الرئيس والسيطرة على الغرب الأميركي بابتداعه آلة قتل كبيرة تشبه عنكبوت الصحراء الأسود، مصنوعة من المعدن الصلب وترتفع عن الأرض ارتفاع "الامباير ستايت". حين يسيّر د. أرليس ونساؤه الثلاث هذه الآلة التي يجلسون في قيادتها قريباً من الغيوم، تهتز الأرض بكاملها ويصبح من الصعب على جيمس وست ورفيقه ارتيموس دور لا يتلاءم ومنهج أعمال كيفن كلاين الفنية السابقة تحديه ولا بد ان يتم القبض عليهما وضمهما الى المجموعة المقبوض عليها وبينهم رئيس الجمهورية والفتاة المكسيكية حايك التي جاءت تبحث عن أبيها المختفي وخلال ساعتين الا ثلاث دقائق ينتقل الفيلم من سيء الى أسوأ ولا يتحسن وضعه الا بعد انتهائه عندما تلغيه مشاغل الحياة خارج الصالة. فحولة وفصول عنصرية يبدأ الفيلم بتثبيت الصورة النمطية حول فحولة الجنس الأسود من الأميركيين. ويل سميت مع امرأة سوداء هي تريده وهو لا يمانع كثيراً. مجموعة من المتسللين البيض الى مخدعه يداهمونه عارياً الا من قبعة حول المنطقة الحساسة لكن هذا لا يمنعه، بعد ان نسمع حواراً عنصرياً من الزمرة البيضاء لتبرير ما سيحدث لهم، من سرعة الحركة وقتلهم جميعاً. ويحاول الفيلم ان يستدرك هذه المقدمة وان لا تتوقف عجلاته بعدها فننتقل سريعاً الى عدة مشاهد اخرى من الطينة العنيفة ذاتها يتم تقديم كيفن كلاين وصولاً الى قرار الرئيس الأميركي بجمعهما معاً في مهمة الكشف عن شرور د. ارليس. والعادة جرت، اذن العادة تستمر. الاثنان جيمس وارتيموس لا يتفقان على شيء او على منهج والفيلم يدخل لعبة تجاذب المهارة الكلامية والمواقف التي يقصد بها ان تكون خفيفة لكنها تخفق حتى في هذا الهدف. وهذه اللعبة تستمر حتى من بعد وصولها ميتة وتجهز على آمال المشاهد والفيلم لا يزال في نصف ساعته الأولى. الفصل التالي هو فصل دخول جيمس وست معقل العنصريين الجنوبيين. هنا يتصرف الفيلم بسذاجة فكرية لا قرار لها. يقرر ان أفضل طريقة للرد على الجنوبيين العنصريين بعد 134 سنة هي فبركة التاريخ بأسره بإظهار ان رجلاً من لون بشرته يستطيع ان يدخل حفلة ساهرة يقيمها بعض أعتى أثرياء الجنوب وأكثرهم كراهية وبعد أشهر على خسارتهم الحرب، فيختلي بنسائهم البيض او يغازلهن علناً، ويلقي عليهم خطباً بليغة ويقتل منهم عدداً قبل ان يخرج سالماً ويقفون هم على حافة الإعجاب بجرأته وجاذبيته. العقل هنا في إجازة ويبقى في ذلك حتى انتهاء الفيلم. لكن اذا ما كان من المتوقع لمثل هذه الأفلام ان تصل دون فكر او عاطفة او نضج، هل من الضروري ايضاً ان تكون ساذجة ورديئة؟ النقلة بين الستينات، حينما قدمت الحلقات أول مرة، وبين اليوم، تعكس سعياً وراء ما يعتقد بأنه الذوق الحاضر والطريقة الوحيدة لتقديم فيلم من هذا النوع. لكن نجاحات جديدة في سوق اليوم لأفرام تدمج الفن بالتجارة "الحاسة السادسة"، "مشروع بلير ويتش" وفيلم "عدو الأمة" نفسه تجعل هذا الفيلم وأمثاله، عملة باهتة حتى على الصعيد التجاري المحض الذي يهدف اليه. والايرادات تؤكد ذلك: 127 مليون دولار في شهرين لفيلم تكلف 160 مليون دولار قبل إطلاقه أي من دون حسبان الحملة الترويجية. الى جانب الفقر في الكتابة رغم فيلق من ستة كتاب عملوا على الفيلم في مرحلة او اخرى، هناك ضعف شديد في الاعتناء برسم الشخصية والاستناد الى مراجع ذاتية. هذا يترك كيفن كلاين في موقع الدفاع عن نفسه تجاه جاذبية ويل سميث، ويترك ويل سميث أمام عدد لا نهاية له من المشاهد المطرزة له والتي "يمثلها" أولاً وأخيراً. انه يرضى ان يقدم رسماً هاذراً لموقع الرجل الأسود في الغرب الاميركي. شيء كان أكثر من ممثل أسود نجح في تقديمه حتى مع بعض الخيال الجانح. بشكل أفضل ومنذ منتصف السبعينات عندما قام فرد ويليامسون بإخراج "اسطورة نيغر تشارلي" … على ذكره، هذا فيلم يستحق ان تكتشفه من جديد اذا كنت تحب هذا النوع من الأفلام.