تتجه الانظار مساء اليوم الى مدينة فلورانسا الايطالية حيث يلتقي فريقا فيورنتينا وبارما في اياب الدور النهائي لكأس ايطاليا لكرة القدم. ويدخل اصحاب الارض اللقاء وفي جعبتهم عصافير عدة يأتي في مقدمها تعادلهم 1-1 في مباراة الذهاب، وخوضهم لقاء اليوم على ملعبهم، والمعنويات المرتفعة جداً بعد الفوز الكبير على بيروجيا 5-1 في الدوري الاحد الماضي، واخيراً التألق اللافت لنجمهم الارجنتيني غابرييل باتيستوتا الذي يتصدر قائمة الهدافين ب20 هدفاً حتى الآن. شعبية جارفة وحظى باتيستوتا بشعبية جارفة في ايطاليا منذ ان وصلها عام 1991، وازدادت شعبيته بشكل لافت بعدما قاد فريقه فيورينتينا الى قمة البطولة الايطالية في بداية الموسم الجاري، وكان له الفضل في صعود فريقه الى نهائي كأس ايطاليا وخوضه لقاء الليلة وهو في وضع افضل بفضل احرازه هدف التعادل في مباراة الذهاب من تسديدة صاروخية. وذا كان تألق باتيستوتا في الملاعب جذب اليه أنظار محبي كرة القدم، فإن وسامته ورشاقته وشعره الأصفر الطويل اضافوا الى رصيده من المعجبين مئات الصبايا الحسان. وحكاية المعجبات ليست جديدة على اللاعب المدلل، والدليل ما قاله أحد أبرز المدربين الذين تعلم باتيستوتا على أيديهم فنون الكرة وهو دينو سوزا: "يمكنك ان تطلق عليه الهداف أو المشاكس أو حتى "باتي غول"، لكن انسب لقب له هو دون جوان العصر أو كازانوفا القرن العشرين... غابرييل موهوب جداً منذ صغره في شيئين: هز شباك المنافسين في الملاعب، وإيقاع الفتيات الحسان في شباكه خارجها، واحدة فقط سقط هو في شباكها زوجته ايرينا". ولكي نتعرف على تفاصيل حكاية ايرينا هذه دعونا نصعد السلم من أول درجة. النادي اللبناني نشأ غابرييل وترعرع في ريكونكويستا وهي بلدة صغيرة تقع على بعد 800 كلم شمال العاصمة بوينس آيرس. وأبرز ما يميز هذه البلدة هو ميدانها الرئيسي الذي اشتهر بوجود النادي اللبناني الذي تأسس عام 1928 وما زالت أبوابه مفتوحة حتى الآن. وانشيء هذا النادي أساساً من أجل خدمة الجالية اللبنانية لكنه لم يبخل أبداً بتقديم خدماته للجميع. أوسمار باتيستوتا أمضى نصف حياته ان لم يكن أكثر بين أروقة هذا النادي لدرجة ان اللبنانيين أطلقوا عليه اسم اومار عمر حتى يصبح واحداً منهم. وطبعاً تعود ابنه غابرييل على أجواء النادي منذ نعومة اظفاره وبدأ في ركل أول كرة له في ملعبه الأخضر الصغير. ويتذكر اوسمار الذي كان يعمل في محل لتصليح الأحذية: "آه... انها أيام لا يمكن ان تنسى، كنت أرى غابرييل وعمره خمس سنوات يجري وراء الكرة ويحاول ركلها، لم أكن أعرف انه سيصبح نجماً مشهوراً في مجال كرة القدم بالذات. تمنيته ممثلاً أو مطرباً وحلمت كثيراً بأن يكون رجل أعمال". وأضاف: "عندما كبر قليلاً وصار عمره حوالى 10 سنوات كنت اصطحبه معي الى المحل لكي أعلمه "الصنعة"، وفعلاً بدأ في تصليح بعض الاعطاب البسيطة الى جانب مسح الأحذية. كان يهرب دائماً من خلف ظهري لكني كنت مطمئناً لأني أعرف أين سأجده... في النادي اللبناني يبحث عن كرة يركلها مع اصدقائه". الآن يعيش اوسمار وزوجته سيلفانا "أحلى عيشة" في منزل فسيح ويملكان مزرعة كبيرة للفاكهة الى جانب محل لتخليص المعاملات االحكومية، وكل هذا طبعاً بفضل غابرييل. قالت والدته سيلفانا: "كم كان شقياً هذا الصبي، لقد تعودت الخروج معه ومع شقيقتيه اليخاندرا وغابرييلا لقضاء حاجاتنا من الاسواق، وفجأة أجده اختفى، وبسرعة ألمحه في صحبة فتاة جميلة، لم يكن عمره يتجاوز الثامنة ومع هذا كانت له دلالة واضحة على الفتيات... لم أتصور أبداً انه سيكون لاعب كرة وكان الاعتقاد السائد في المنزل انه سيصبح ممثلاً". يعشق أسرته ويعشق غابرييل أسرته جداً لدرجة أنه عندما يعود الى بلده لا يخرج من المنزل الا نادراً، وأكد ذلك أحد الصحافيين المحليين ويدعى لويس باريدا: "في بداية احترافه كان يعقد مؤتمراً صحافياً لأهل البلدة جميعاً في أول يوم يصل فيه الى ريكونكويستا ثم يختفي بعد ذلك، والآن تبخر أيضاً هذا المؤتمر الذي كان ينتظره الجميع من أجل رؤيته والاطمئنان على حاله. انه يعشق أسرته ولا يخرج من منزله الا في صحبتها... أعرف انه يحب صيد الأرانب وكثيراً ما يصطحب شقيقتيه في رحلات صيد بالقرب من مزرعة والده". جوليو توتسي هو الصديق الوحيد المستثنى من كل ذلك: "غابرييل يزورني خلسة عندما يجيء الى هنا... وكثيراً ما نخرج سوياً مع العائلة في رحلات طويلة وبعيدة. وأتذكر انه في احدى الرحلات انزلق غابرييل وسقط على الأرض واضطررت الى حمله الى أقرب طبيب فأكد ان كل شيء على ما يرام، وفي المساء انتفخت قدمه وعدنا سريعاً الى ريكونكويستا وهناك اكتشفنا ان قدمه مكسورة. شعرت بالخوف الشديد وتمنيت ألا تنتهي حياته الكروية بسبب هذا الحجر اللعين الذي تسبب في انزلاقه". ولتوتسي حكاية أخرى طريفة مع غابرييل: "أشجع فريق انديبندينتي، وفي المرة الأولى التي لعب فيها غابرييل ضده وكان ضمن صفوف بوكا جونيورز ترك العلقم في حلقي لأنه أحرز هدف الفوز... قبل المباراة بيومين طلبت منه ان يطيل شهر العسل والا يعود الا بعد المباراة لكنه رفض". سوزا مرة ثانية وبالعودة الى سوزا، ذلك المدرب الذي اكتشف مواهب غابرييل باكراً، فقد دفع به الى الفريق الأول لنادي بلاتنسي ولم يكن تجاوز ال16 ربيعاً، وهو سعيد جداً بانجازات اللاعب في ايطاليا وقال: "اتابعه دائماً وأشاهد كل مبارياته عبر الأقمار الاصطناعية، أسعد كثيراً لفرحه وأحزن جداً إذا أضاع هدفاً أو خسر مباراة. أرى فيه شبابي وللأسف لم تتح لنا فرصة الاحتراف أيام زمان. أتذكر "الأشقر" عندما كان صغيراً يراوغ كل من يقابله ساعياً وراء هز الشباك بأي وسيلة، عابه دائماً عدم اجادته لمهارة التسديد على المرمى بالرأس واعتقد انها ما زالت مشكلته حتى الآن. وثقت به وعمره 16 سنة وأشركته ضد راسينغ في مباراة مهمة للغاية ونجح بشكل كبير، ومن يومها اصبح أحد العناصر الأساسية لفريقي. بدأت نجوميته تسطع عندما خاض منتخب الارجنتين مباراة خيرية مع فريق بلاتنسي في ريكونكويستا وواجه غابرييل اللاعب المتألق ريدوندو وزميله فابري ومع هذا أحرز هدفين ولا أحلى... للأسف الشديد لم أره منذ ان احترف في ايطاليا، تصلني اخباره عندما يجيء الى هنا وأتوقع زيارته لكنه يا خسارة نسي!". حكاية غرامي اعتاد باتيستوتا الذهاب الى النادي اللبناني حتى بعدما ذاع اسمه واشتهر على الصعيد المحلي، وكان يرتدي عادة قميصاً لونه أحمر للفت انظار الفتيات. وفي مناسبة احتفال ايرينا فرنانديز بعيد ميلادها الخامس عشر خرج عن المألوف وتأنق وظل يحدق بها، وقبل أن ينتهي الحفل توجه اليها قائلاً: "أنت أجمل فتاة رأيتها... اعتقد انك ستصبحين حكاية غرامي". كان وقع هذه الكلمات كالسحر على الفتاة الصغيرة ووافقت على أن تراقصه فوراً، ومنذ تلك الليلة لم يفترقا. الهدية وقال كلاوديو فيلا أحد المقربين الى عائلة باتيستوتا: "اعيش هنا منذ 49 سنة واصلى ايطالي من بياتشنزا... لم أر في حياتي بلدة تجتمع على حب شخص واحد مثلما تحب ريكونكويستا غابرييل. علمت والديه اللغة الايطالية لأنه طلب مني ذلك، وارسل لي منذ أيام شريط فيديو من ايطاليا وطلب مني أن أعرضه أمام والده في عيد ميلاده، وبالفعل تجمعنا حوالى 80 شخصاً في هذا اليوم أمام كعكة عيد الميلاد الكبيرة، وقبل ان نبدأ الاحتفال أدرت جهاز الفيديو. كانت مفاجأة كبيرة للسنيور اوسمار عندما وجد ابنه أمامه وقال له: "كل عام وأنت بخير... كنت أتمنى أن أكون معك في هذه المناسبة لكني سأحضر قريباً ومعd هدية ثمينة". وفي الاسبوع ذاته أحرز باتيستوتا هدفاً مهماً في حياته وضع فريقه فيورنتينا على بعد أمتار قليلة من الفوز بكأس ايطاليا... فهل ستكون هذه الكأس هي الهدية التي ينوي تقديمها لوالده؟