بدأت السياحة - كصناعة قائمة بذاتها - منذ النصف الثاني من هذا القرن، وهي تنمو سنوياً بمعدلات تفوق تلك التي ينمو بها الاقتصاد العالمي ككل. في عام 1950 كان عدد السياح في العالم 25 مليون سائح، وارتفع الى 550 مليوناً عام 1997. وارتفع الدخل المتأتي من السياحة في الفترة نفسها من بليوني دولار الى أكثر من 300 بليون. وتبلغ مساهمة السياحة نحو عشرة في المئة من الدخل القومي العالمي وخمسة في المئة من اجمالي الطلب على السلع والخدمات و15 في المئة من مبيعات قطاع الخدمات في العالم، في حين تبلغ نسبة القوى العاملة في الأنشطة السياحية نحو سبعة في المئة من اجمالي القوى العاملة في العالم. كما ان كل دولار ينفق في مجال السياحة، يذهب نصفه لتشغيل آليات القطاعات الاقتصادية الاخرى. وانطلاقاً من هذه الحقائق التي تشير الى حيوية الدور الذي يمكن ان تلعبه السياحة في النمو الاقتصادي، كان لا بد لبلد مثل البحرين، حيث محدودية الموارد وتعاظم تحديات المستقبل، ان يبادر الى استيعابها وقراءة مؤشراتها جيداً. ومن هنا تبلور مفهوم الصناعة السياحية مبكراً في البحرين، فصدر عام 1985 مرسوم اميري بإنشاء المجلس الأعلى للسياحة برئاسة وزير الاعلام ويضم في عضويته كافة الجهات الحكومية والأهلية المعنية بهذا النشاط الحيوي. كما صدر عام 1986 مرسوم بقانون السياحة البحريني الذي وضع المظلة القانونية والتشريعية للتطور اللاحق الذي شهده الشاط السياحي بكافة ألوانه وأفرعه. وتعاقبت من ثم سلسلة من القرارات والخطوات والمشاريع التي تترجم اهتمام البحرين بتطوير قطاعها السياحي واستثماره استثماراً أمثل. فماذا حققت البحرين خلال الاعوام ال15 الماضية من انجازات في هذا المجال. لم يكن عدد السياح عام 1985 يتجاوز 64 ألفاً ارتفع الى 170 الفاً عام 1987. وجاء افتتاح جسر الملك فهد عام 1988 ليحقق طفرة كبيرة في عدد السياح الذي وصل الى 1.17 مليون سائح في ذلك العام. واستمر هذا العدد بالتنامي التدريجي حتى بلغ 2.9 مليون شخص عام 1998. وتحتضن البحرين حالياً نحو 71 فندقاً مصنفاً منها سبعة ذات خمس نجوم وسبعة ذات أربع نجوم و20 فندقاً ذات ثلاث نجوم. ويراوح العدد الباقي بين نجمتين ونجمة واحدة. كما يوجد عدد لابأس به من الشقق السكنية المفروشة اضافة الى منتجعين بحرينيين هما البندر والمارينا ونادي اليخوت. وارتفعت مساهمة السياحة في اجمالي الناتج المحلي بشكل متسارع من 2.9 في المئة عام 1985 الى نحو 9.2 في المئة عام 1995. ويتوقع ان تبلغ هذه المساهمة نحو 11 في المئة مع ازدياد عدد السياح من 1.6 مليون سائح عام 1995 الى 2.9 مليون عام 1998. وساهم القطاع السياحي بكل فروعه وانشطته في خلق نحو 16.7 في المئة نحو 35 ألف وظيفة من اجمالي الوظائف الموجودة في البحرين سواء المرتبطة كلياً أو جزئياً بالقطاع السياحي. وبلغ اجمالي انفاق السياح والقطاع السياحي في البحرين 780 مليون دولار عام 1995 منها 450 مليوناً يعاد تدويرها ضمن أنشطة الاقتصاد الوطني في حين يتم تحويل المتبقي الى الخارج على هيئة رواتب ومشتريات خارجية. ويتوقع ان يكون اجمالي الانفاق قد قارب بليون دولار عام 1998 مع ارتفاع عدد السياح. ويشكل السياح القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي النسبة الأكبر 82 في المئة، سواء الذين يمكثون ليلة واحدة أو أكثر، فيما تبلغ نسبة السياح من بقية دول العالم نحو 18 في المئة. وارتفع معدل الاشغال الفندقي خلال 1998 ليبلغ في المتوسط 80 في المئة وتتفاوت هذه النسبة تبعاً لتوزع فئات الفنادق ومن موسم الى آخر. وحول العوامل الأكثر تأثيراً في هذا النمو، يقول الوكيل المساعد لشؤون السياحة الدكتور كاظم رجب: "تتمتع البحرين بالمناطق الأثرية التي تبرز المعالم الحضارية والتاريخ العريق مثل قلعة البرتغال ا ضافة الى مصائد اللؤلؤ والغوص ذات الجاذبية الخاصة للسياح. وشهد البلد زيادة في عدد المنتجات السياحية وانتهاء الوزارة من ترميم وصيانة مجموعة من مواقع الجذب السياحية، اضافة الى اقامة مجموعة من المهرجانات والنشاطات التراثية والسياحية. وزادت اعمال التسويق لامكانات البحرين السياحية من أجل إبراز الوجه الحضاري، وتم توفير تسهيلات دخول وزيارة البحرين للاجانب خصوصاً الذين يملكون اقامة صالحة في دول المجلس الأخرى، اذ يمنحون تأشيرة الدخول عند الحدود". وأ ضاف رجب: "هناك مجموعة من العوامل الأخرى ابرزها اشتمال البحرين على مجموعات مختلفة من السكان الذين يتعايشون بشكل مريح اضافة الى خلو التعامل التجاري من عمليات الغش بالنسبة للسلع القيّمة كالذهب وغيره، وكذلك انخفاض معدل الجريمة والذي يصل الى الصفر مقارنة بدول العالم، وتوافر وسائل الاتصال الحديثة والسهلة والخدمات المصرفية المتطورة. كما ان مستويات اسعار فنادق البحرين لجميع الفئات تعتبر تنافسية مقارنة بأسعار الفنادق في دول المنطقة، وتتوافر خدمات طبية متطورة ورخيصة نسبياً لكافة فئات السياح القادمين وبأسعار رمزية احياناً". وحول خطط الوزارة للنهوض بقطاع السياحة في الفترة المقبلة، أوضح رجب: "هناك مشاريع تحت الدراسة وخطط لتطوير الاماكن الترفيهية خصوصاً تلك ذات العلاقة بخدمة قطاع العائلات الذي يشكل 60 في المئة من اجمالي الزائرين للبحرين. وقامت الحكومة بتخصيص مجموعة من الجزر للاستثمار السياحي، وتدرس ادارة السياحة عدداً من المشاريع يبلغ اجمالي كلفتها نحو 250 مليون دولار. ولا زلنا نشجع قيام الفنادق ذات أربع وخمس نجوم وخصوصاً قرب السواحل البحرية ما يمكنها من تقديم خدمات مميزة للسياح". وعن سبل تسويق البحرين كمقصد سياحي، قال رجب: "نحضر تسعة معارض سنوياً، بعضها ضخم وعالمي مثل معرض بورصة السياحة في برلين وبعضها متخصص في نشاطات سياحية معينة مثل معرض جنيف المتخصص في سياحة المؤتمرات والمعارض، ومعرض مونترو المتخصص في السوق السويسرية ومعرض هلسنكي المتخصص في السوق الاسكندنافية ومعرض هونغ كونغ المتخصص في الشرق الأقصى وغيرها". وحول ظاهرة تنامي اعداد الفنادق في البحرين وفيما اذا كان ذلك يمثل زيادة حقيقية في الطلب على الخدمات الفندقية، قال أحد المسؤولين في هذا القطاع: "ان تنامي اعداد الفنادق له ايجابياته وسلبياته. اذ ان المنافسة ستكون لمصلحة السائح. واما السلبيات فتتلخص في تدني خدمات الفنادق التي تجد صعوبة في تغطية تكاليف التشغيل". وأضاف ان مستويات الاسعار المطبقة في فنادق البحرين "مناسبة جداً مقارنة بحجم الخدمات المتوافرة وكذلك مقارنة بالدول المجاورة". وحول الوسائل الأخرى المطلوب ادخالها لتنشيط السياحة في البحرين قال: "ان المطلوب ايلاء مزيد من الاهتمام لتطوير السواحل السياحية ذات المرافق الشاملة، وهناك حاجة ايضاً الى النظر في تطوير خدمات التاكسي وتمديد فترة تشغيل الاسواق ليكون للسائح الخيار في التسوق عندما يشاء مع الاخذ في الاعتبار ضرورة اعادة النظر في الاسعار ليتسنى للسوق منافسة الدول المجاورة، وكذلك تقديم مزيد من التسهيلات في مجال دخول الاجانب لزيارة البحرين، وأخيراً اعادة تظيم تشغيل الفنادق والنظر في بعض السلبيات التي تؤثر في سمعة البحرين في الخارج. ومن الناحية التسويقية تحتاج البحرين الى زيادة موازنة التسويق من أجل اختراق اسواق جديدة واجتذاب شرائح سياحية غنية".