كل عربي أو مسلم يضيق بالجماعات المتطرفة في بلاده سيجد عزاء في متابعة التطرف الحقيقي اليهودي والمسيحي الذي يرافق احتفالات نهاية السنة في القدس. الشرطة الاسرائيلية تخشى من كارثة لذلك فهي ارسلت عملاء سريين لاختراق المنظمات الدينية المتطرفة، والانضمام اليها كأعضاء. وذكرت الصحف الاسرائيلية ان الشرطة والموساد تخشيان تحديداً من عمليات انتحار جماعية في 31 الجاري، أو من اعتداء في الحرم القدسي الشريف يتزامن مع صلاة الجمعة اليوم بوجود مئات ألوف المصلين، أو صلاة الجمعة الأخيرة في رمضان بعد اسبوع. وسيكون هناك 15 ألف رجل أمن في المدينة المقدسة، يعملون بشكل رئيسي في المدينة القديمة من الحرم الشريف الى كنيسة القيامة، وجبل الزيتون، وكل مكان يتوقع ان يتدفق عليه الحجاج والمصلون. وهناك 400 كاميرا فيديو في كل شارع تقريباً مربوطة مع مقر البوليس الاسرائيلي لمراقبة تطور الأوضاع، اليوم الجمعة، وحتى نهاية الشهر والعام والألفية. وكنا سمعنا عن جماعة اسمها "المسيحيون المهتمون" بعد أن طرد الاسرائيليون عدداً من اتباعها خشية ان ينتحروا جماعياً في نهاية السنة. وقبل أيام طرد الاسرائيليون بعض الحجاج الايرلنديين اعتقاداً منهم أنهم من الجماعة نفسها، إلا أنه تبين بعد ذلك انهم زوار عاديون، وقامت أزمة دبلوماسية بين ايرلندا واسرائيل بسبب سوء معاملة مواطنين ايرلنديين، بينهم نساء وأطفال. الشرطة الاسرائيلية تراقب الآن جماعات أخرى مثل "جماعة المعبد" و"أبناء الصلاة"، ويبدو أن هؤلاء يقيمون في شقق مستأجرة في ضاحية العازرية من القدسالشرقية، وهي منطقة مصنفة "ب"، أي انها تابعة ادارياً للسلطة الفلسطينية وأمنياً لاسرائيل. ولا يكاد يمضي يوم من دون أخبار عدة عن مثل هذه الجماعات أو الافراد في الصحف الاسرائيلية، وقرأنا عن ماثيو بوست - ما، وهو هولندي عمره 44 سنة مشى على قدميه من امستردام الى القدس، فاستغرقت رحلته أكثر من سنة، وهو يقول انه يريد أن يكون في القدس ليرى الانتحار الجماعي والقنابل. وسمعنا عن كارل هلدرلنغ، وهو هولندي آخر عمره 56 سنة، وصل الى اسرائيل مقتنعاً بأن نهاية العالم ستحل في نهاية السنة. اما نيك لاندر وهو الماني عمره 26 سنة، فجاء على دراجة هوائية قاطعاً الرحلة في ثلاثة أشهر، ويبدو أنه نصف عاقل. فقد قال انه لا يتوقع عودة السيد المسيح أو دمار العالم، ولكن إذا حدثت أشياء سيئة فستكون من صنع البشر. غير أن بن هاي، وهو أميركي عمره 42 سنة، مقتنع بأن نهاية العالم قادمة وانها مسجلة في التوراة، لذلك فهو وصل للمشاركة فيها. اما جورجيا، وهذه امرأة من كولورادو، فتقول ان حرباً ستقع اذا لم يصل اليهود والمسيحيون ضد المسلمين. وفي حين يمكن اهمال مثل هذه المرأة، على اعتبار انها مهووسة أو مجنونة، فهناك جماعات يهودية كبيرة من الحريديم والحسيديم، تذكي نار الكره بشكل يفوق ما نعرف عن أي جماعة مماثلة عندنا، غير أنني سأتحدث عن هذه الجماعات غداً. الشرطة الاسرائيلية تغض النظر عن مثل هذه الجماعات رغم تصريحاتها العلنية وزعاماتها المعروفة، لتشن حملة على المسلمين والمسيحيين العرب. وبالنسبة الى المسلمين فالتهمة ان الجماعات الاسلامية من فلسطينيي 1948 وراء محاولات لفتح مداخل جديدة الى الحرم الشريف، في حين أن الأوقاف الاسلامية تحاول تهدئة الوضع، والشرطة تخشى أن تقع مواجهة مع "جماعة مؤمني المعبد" التي رفعت قضية في المحاكم الاسرائيلية تطلب وقف أي بناء يقوم به المسلمون في الحرم لأنه يتعارض مع المحافظة على الوضع القائم. أما التهمة الموجهة الى المسيحيين، فهي ان الكنائس تقوم بأعمال بناء كبيرة لاستيعاب الحجاج، وقد أمرت بلدية القدس الدير اليوناني في الحي المسيحي والكنيسة المارونية بوقف أعمال البناء وهددتهما بتدمير أي بناء "غير قانوني" وتحويلهما الى المحاكمة. وإذا كان الوضع في القدس لا يكفي فالشرطة الاسرائيلية تتوقع مشاكل في بيت لحم، إما اليوم خلال صلاة الجمعة، أو خلال صلاة ليلة القدر في 27 من رمضان، لأن جامع عمر بن الخطاب في المدينة يجاور كنيسة المهد، وقد يتدفق المصلون على ساحة المهد في أثناء وجود المصلين المسيحيين فيها. وسيرتكب المسلمون والمسيحيون الفلسطينيون غلطة العمر إذا سمحوا لبعض المتطرفين بجرفهم الى مواجهة تحول الأنظار عن التطرف الحقيقي الذي يفيض عنصرية لبعض الجماعات اليهودية التي اكمل بها غداً.