لشريف صقر، الطالب البريطاني - المصري الذي يبدأ قريباً سنته الثانية في جامعة اكسفورد، وضع متميز وذلك من عدد من الأوجه. فهو من بين القليلين من الجيل الجديد من البريطانيين العرب الذين يدرسون في جامعة اكسفورد. ذلك ان جامعتي اكسفورد وكمبردج العريقتين لا تزالان تحتفظان بموقعهما على رأس الجامعات البريطانية وهناك تنافس حاد على الانتماء اليهما. إضافة إلى ذلك، فإن شريف خريج مدرسة ثانوية حكومية، فيما يأتي قسم كبير من طلبة اكسفورد وكمبردج من المدارس الخاصة. وعلى رغم محاولات الجامعتين تشجيع الطلبة من الثانويات الحكومية على التقدم اليهما، فهم لا يزالون يشكلون نحو نصف المجموع، وذلك على الرغم من ان عدد طلبة الثانويات العامة يفوق بكثير عدد طلبة المدارس الخاصة. يدرس شريف مادة "علوم الانسان"، وهي من أحدث المواضيع التي تقدمها اكسفورد. فقد بدأ تدريس المادة في 1969، وهو يقوم على استعمال عدد من الحقول المعرفية، مثل علم الجينات ونظرية النشوء والانثروبولوجيا الاجتماعية وعلوم الاجتماع والاحياء والديموغرافيا. وتختلف المادة بذلك عن المواد الاخرى في الجامعة، التي تركز على حقل معرفي واحد، او اثنين على الأكثر. والشاب المصري من المحظوظين ايضا لأنه من السنة الاخيرة من الطلبة المعفيين من دفع رسم التعليم. وعلى الطلبة الذين يدخلون الجامعات اعتبارا من الخريف المقبل دفع رسم قيمته ألف جنيه استرليني. والدة شريف الصحافية والخبيرة في شؤون الاعمال والاعلام في الشرق الأوسط نعومي صقر، فيما يختص والده المصري احمد بانظمة الكومبيوتر المتعددة اللغات. لا يعرف شريف من العربية الا القليل، وحاول والداه ارساله الى مدرسة للعربية ايام السبت، لكنه رفض الحضور بعد المرة الأولى. على رغم ذلك فهو مصمم على تعلم اللغة، وهو ما كان من بين اسباب اختياره قضاء هذا الصيف في شرم الشيخ. تحافظ العائلة على علاقات وثيقة مع الأقارب في قرية قرب دمنهور، ويعطي شريف اهمية كبيرة لهذه العلاقات. ومن بين احب مقتنياته القميص الرقم 16 من فريق كرة القدم المصري الذي شارك في بطولة العالم في 1986، ويزين غرفته بعدد من السيوف المصرية. من بين اقرب اصدقائه في الجامعة نيكولاس فرحي، من اقرباء مصممة الأزياء المعروفة نيكول فرحي. ولعائلة فرحي اصول مصرية، ورغم ان نيكولاس لا يعرف شيئاً عن تاريخه المصري، فإن شريف يعلن أنه "مصري تماماً في تصرفاته، ولا بد ان تركيبته الجينية هي السبب!". تعلم شريف في مدرسة كوينز بارك المتوسطة في شمال غرب لندن، حيث نجح بدرجة "أ" في عشرة من مواضيع شهادة "جي سي اس اي" شهادة المتوسطة، ثلاثة منها مع نجمة الامتياز. وقال استاذ العلوم الانسانية مالكوم ميرباكس لوالديه ان مستواه يؤهله لدخول اكسفورد او كمبردج. حصل شريف على شهادة ال"أي ليفل"، اي المرحلة الثانوية، من مجمع للمدارس في منطقة كامدن في لندن اسمه "لا سواب". تشارك في المجمع اربع من المدارس الثانوية، والهدف من المشاركة عرض أكبر تشكيلة ممكنة من المواضيع على الطلبة لامتحان "أي ليفل". وكانت مواضيع شريف الرياضيات والفيزياء والتاريخ، اضافة الى اللغة الألمانية التي حصل فيها على شهادة "أي اس ليفل"، وهي وسط بين "جسي سي اس اي" و"أي ليفل". على الطالب الذي يتقدم للدراسة في اكسفورد ان ينتمي الى واحدة من الكليات في الجامعة. واختار شريف كلية "سنجن"، التي من بين خريجيها رئيس وزراء بريطانيا الحالي توني بلير. ولدى سؤال شريف عن السبب في اختياره الكلية قال ضاحكا ان ذلك يعود الى ثرائها، فهي مالكة كبيرة للأراضي. الأهم من ذلك سمعتها الأكاديمية العالية، اذ يحصل نحو ثلث طلبتها على درجة الشرف لدى تخرجهم، مقارنة بالمعدل الجامعي الذي لا يتجاوز 17 في المئة. تعود الكلية الى القرن الخامس عشر، وتعتبر من بين الأجمل في الجامعة. وهي من الكليات القليلة التي تضمن لطلبتها للسنين الثلاث أو الأربع التي يستغرقها نيل الشهادة. كان لجامعة اكسفورد امتحان دخول خاص بها، لكنها الغت هذا النظام قبل سنتين. ويجري اختيار الطلبة الآن من خلال المقابلات وشهادات ال"أي ليفل". وتجري المقابلات سنويا في كانون الأول ديسمبر فيما يدخل الطلبة امتحانات الپ"أي ليفل" الصيف التالي. وإذا كانت المقابلات صعبة بالنسبة لبعض الطلبة، فان شريف يرى ان مقابلات اكسفورد، التي قد تستمر أياماً، ايجابية عموماً. وهي كما يرى افضل من مقابلات كمبردج التي قد لا تستغرق اكثر من عشرين دقيقة. استمرت مقابلات شريف ثلاثة ايام، ووجدها ممتعة. وكان من بينها مقابلة من المشرف عليه الدكتور انطوني بويس، الذي ارسله لمقابلة اضافية مع زوجته جويس بويس، وهي استاذة في كلية "نيو كوليج" التابعة للجامعة، ليحصل على رأيها في الطالب الجديد. بعد اسابيع من المقابلات عرضت عليه الجامعة مقعداً دراسياً إذا حصل على درجة "أ" في ثلاثة من امتحانات "أي ليفل". وقال متذكراً: "حاولت اظهار سروري بموقف الجامعة، لكن كنت آمل انها ستقبل بدرجة "أ" لاثنين من المواضيع ودرجة "ب" للموضوع الثالث، وهو اسهل عليّ". مع ذلك حاز شريف على الدرجات المطلوبة، وزاد عليها نجاحه في امتحان اللغة الألمانية. يتفق شريف على ان للجامعة ان تختار طلبتها حسب مؤهلاتهم، لكن عليها أيضاً ان تبحث عن اكاديميين واعدين. ويرى ان خريجي المدارس العامة يمكن ان يكونوا على الدرجة نفسها من الاهتمام بالتحصيل التي لخريجي المدارس الخاصة. يضيف ان لخريجي المدارس العامة في اوكسفورد شعبيتهم الخاصة حاليا. يقارن الطالب البريطاني - المصري بين الامتيازات التي يحملها التعليم الخاص ووضع المدارس الحكومية. مثلاً ان صديقه نكولاس درس في كلية ونتشستر الخاصة، وهي من بين أعرق معاهد بريطانيا، وحصل على سبع شهادت "أي ليفل". السبب انه تقدم لامتحانات المتوسطة جي سي اس اي قبل سنتين من الموعد المحدد لأخذها في المدارس الحكومية، ما اتاح له اربع سنوات لدراسة مواضيع ال"أي ليفل"، مقابل سنتين للطالب في المدارس الحكومية. تستغرق مادة "علوم الانسان" ثلاث سنوات، وهناك امتحان رئيسي في نهاية السنة الأولى في خمسة من المواضيع. ولا يعني الامتحان شيئاً بالنسبة للدرجة النهائية، لكن على الفاشلين فيه مغادرة الجامعة. يتكون الامتحان النهائي بعد السنة الثالثة من سبعة مواضيع، خمسة منها اجبارية فيما يختار الاثنين الباقيين من جملة من الحقول. كما يشمل الامتحان اضافة كتابة مقالة علمية من عشرة آلاف كلمة. ويقول انه سيركز على مواضيع علم الجينات والنشوء والانثروبولوجيا، وينوي الاختصاص في حقل الانثروبولوجيا البيولوجية. كيف يقارن شريف بين وضعه في اكسفورد ووضع اصدقائه في الجامعات الأخرى؟ الفصول الدراسية في اوكسفورد اقصر، اذ تتكون السنة الدراسية من ثلاثة فصول كل منها من ثمانية اسابيع، مقابل عشرة اسابيع في الجامعات الأخرى. لكنه يقول انه يقوم خلال الفصل القصير في اكسفورد بعمل اكثر مما يقوم به اقرانه في الجامعات الاخرى. تمتاز اكسفورد وكمبردج بنظام الاشراف الفردي على الطالب. ويتخذ الاشراف شكل جلسات منتظمة يقودها المشرف ويحضرها طالب واحد او طالبان. ويحضر شريف عادة جلستين من هذا النوع اسبوعياً، يقدم خلالهما موضوعين عن عمله. ويقول ان هذا النظام "هو سبب النتائج الممتازة التي تحصل عليها اكسفورد، خصوصا كليتي. انها جلسات عمل مكثفة". يقول شريف ان الكلية ربما اعطته منحة خلال دراسته للقيام برحلة تستغرق اربعة الى ستة أشهر لتهيئة التقرير المطول الذي يشكل جزءا من الامتحان النهائي. ويأمل ان اهتمامته الأكاديمية ستقوده مستقبلا الى مصر لدراسة ثقافتها وعاداتها وتقاليدها. من المواضيع التي تهمه ايجاد تعليل وظيفي للمبالغ التي ينفقها المصريون على الاعراس. كما يرغب في دراسة تطور الانسانية في افريقيا من خلال دراسة المتحجرات، ليس في مصر فقط بل في اثيوبيا وجنوب افريقيا.