Andre Gamblin ed.. Images ƒconomiques du Monde. الصور الاقتصادية للعالم. Sedes, Paris. 1998. 412 pages. واقعة التقدم والتأخر لم تعد واقعة وصفية. فقد غدت، منذ ظهور أدبيات التنمية في الستينات، واقعة قابلة للتكميم، أي للقياس الكمي. ولكن على حين أن المقاييس الكمية للتقدم والتأخر بقيت جزئية ولا تحيط بالظاهرة إلا من جانب محدد من جوانبها، مثل الناتج القومي والقدرة الشرائية ودرجة التصنيع ومعدلات الأمية ووفيات الأطفال، فقد رأى النور، ابتداء من التسعينات، مؤشر جديد تركيبي هو مؤشر التنمية البشرية: م.ت.ب. برنامج الأممالمتحدة للتنمية هو الذي اقترح في 1990 هذا المؤشر الجديد بحساب عوامل ثلاثة: أولاً، المستوى الصحي مقاساً بالمعدل الوسطي لأجل الحياة المتوقع ساعة الميلاد. ثانياً، المستوى العلمي مقاساً بالمعدل الوسطي للتعلم وللأمية بين الراشدين، مضافاً إليه العدد الوسطي لسنوات الدراسة لا في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية وحدهما، بل كذلك، وعلى الأخص، في المرحلتين الثانوية والجامعية. ثالثاً، وأخيراً المستوى المعيشي مقاساً بحصة الفرد من الناتج القومي وبالقدرة الشرائية الأسمية والفعلية معاً. ويتدرج هذا المؤشر المركب وفق سلَّم يمتد من الواحد الى الصفر ويتألف من ثلاثة أرقام تمثل أجزاء الواحد بعد قسمته على ألف. ووفقاً لمؤشر التنمية البشرية هذا، فإن العالم يقبل القسمة الى مناطق ثلاث يتراوح مؤشرها بين 0.960 كندا و0.176 سيراليون. 1- البلدان المتقدمة، وهي التي يسجل مؤشر تنميتها البشرية معدلاً وسطياً يصل الى 0.911 ويعلو على المعدل الوسطي للعالم 0.764 بنحو 150 نقطة. 2- البلدان النامية، وهي التي يسجل مؤشرها معدلاً وسطياً يصل الى 0.576 ويدنو عن الوسطي العالمي بنحو 190 نقطة. 3- البلدان المتخلفة، والتي لا يجاوز معدلها الوسطي 380.0 والتي تتأخر عن الوسطي العالمي بفارق 384 نقطة، وعن وسطي البلدان المتقدمة بفارق 531 نقطة. وبديهي أن المواقع التي تحتلها بلدان العالم في سلّم التنمية البشرية هذا ليست ثابتة. ففي 1992 كانت مجموعة البلدان المتقدمة، أي التي يعلو مؤشرها على 0.900، تتألف من 19 بلداً، جميعها أوروبية غربية وأميركية شمالية، باستثناء اليابان التي كان ترتيبها من حيث التقدم يأتي الثالث 0.929 بعد كندا 0.932 وسويسرا 0.931، وباستثناء استراليا التي كانت تأتي في المرتبة السابعة 0.926 قبل الولاياتالمتحدة مباشرة 0.925، وأخيراً باستثناء اسرائيل التي كانت تأتي على كل حال في المرتبة الأخيرة 0.900. ولكن بعد خمسة أعوام لا أكثر طرأ تغير مرموق على لوحة البلدان المتقدمة. فقد توسعت أولاً لتضاف اليها ستة بلدان جديدة، ثلاثة منها أوروبية غربية هي اسبانيا واليونان وإيطاليا، وثلاثة آسيوية هي هونغ كونغ وسنغافورة وقبرص. وقد بقيت كندا محافظة على موقعها الأول، ولكن مؤشرها للتنمية البشرية ارتفع من 0.932 إلى 0.960. وبالمقابل تراجعت سويسرا من مرتبتها الثانية إلى المرتبة السادسة عشرة مع حفاظها على مؤشرها نفسه بلا تغيير يذكر، وحلت مكانها في المرتبة الثانية فرنسا التي رفعت مؤشرها من 0.927 إلى 0.946. كذلك انتقلت الولاياتالمتحدة من المرتبة الثامنة 0.925 في 1992 إلى المرتبة الرابعة 0.942 في 1997، بينما تراجعت اليابان من المرتبة الثالثة الى المرتبة السابعة، رغم أن مؤشرها ارتفع من 0.925 عام 1992 إلى 0.940 عام 1997. وهذه ظاهرة لا تجد لها تفسيراً إلا في كون التقدم في مؤشرها كان أبطأ من تقدم المؤشر الوسطي العالمي. وتلتحق بمجموعة البلدان المتقدمة مجموعة من ستة وثلاثين بلداً قابلة للوصف بأنها شبه متقدمة، وذلك لأن مؤشرها للتنمية البشرية يتراوح بين 0.899 و0.800 وهذه المجموعة أكثر تنوعاً بكثير من المجموعة الأولى لأنها تضم كثرة من البلدان الأوروبية الشرقية مثل سلوفينيا 0.886 وتشيكيا 0.882 وسلوفاكيا 0.873 وهنغاريا 0.857 وبولونيا 0.834 وبيولوروسيا 0.806، ومن البلدان الأميركية اللاتينية مثل التشيلي 0.891 وكوستاريكا 0.889 والارجنتين 0.884 والاوروغواي 0.883 وباناما 0.846 وفنزويلا 0.861 والمكسيك 0.853 وكولومبيا 0.848، ومن البلدان الآسيوية الشرقية مثل كوريا الجنوبية 0.890 وتايلاند 0.833 وماليزيا 0.832. وفي قائمة البلدان شبه المتقدمة هذه تظهر لأول مرة اسماء بعض بلدان عربية هي كلها من البلدان الخليجية النفطية الصغيرة، وفي طليعتها البحرين 0.870 والامارات العربية المتحدة 0.866 والكويت 0.844 وقطر 0.840. وبالمقابل، فإن الكثرة الغالبة من الأقطار العربية تحتل مكانها في قائمة البلدان النامية التي تضم 47 بلداً والتي يتراوح مؤشر تنميتها البشرية بين 0.799 و0.600. فصفة "البلدان النامية" تنطبق من هذا المنظور على تسعة بلدان عربية هي التالية: لبنان 0.794، المملكة العربية السعودية 0.774، سورية 0.755، تونس 0.748، الجزائر 0.737، الأردن 0.730، عُمان 0.718، ليبيا 0.703 تبعاً للمؤشر الوحيد المتاح الذي هو مؤشر عام 1992، وأخيراً مصر 0.614. وعلى هذا النحو يمكن أن يقال ان معظم الأقطار العربية تحتل مواقعها في شريحة البلدان التي يتراوح مؤشرها بين 0.799 و0.700 مثل روسيا 0.792 والبرازيل 0.783 وايران 0.780 وتركيا 0.772 ورومانيا 0.748 وتركمانستان 0.723 وجنوب افريقيا 0.716، بينما تتراجع مصر وحدها الى شريحة البلدان التي يتراوح مؤشرها بين 0.699 و0.600 والتي تضم بلداناً متنوعة في الحجم والانتماء الجغرافي مثل اوكرانيا 0.689 واندونيسيا 0.668 وأرمينيا 0.651 واذربيجان 0.636 والصين 0.626. والجدير بالانتباه هنا أن ترتيب مصر في جدول بلدان العالم لعام 1997 لم يتغير عملياً عما كان عليه في جدول 1992: فقد ظلت تحتل موقعها في المرتبة المئة والتاسعة، ولكن مؤشرها للتنمية البشرية سجل بالمقابل تقدماً ملحوظاً. فقد ارتفع من 0.551 عام 1992 إلى 0.636 عام 1997، مما أتاح لها ان تنتقل من قائمة البلدان البطيئة النمو التي يتراوح مؤشرها بين 0.599 و0.400 إلى قائمة البلدان النامية التي يتراوح مؤشرها، كما تقدم البيان، بين 0.799 و0.600. والواقع أن بلدين عربيين اثنين يحتلان موقعهما في شريحة البلدان البطيئة النمو التي تضم 28 بلداً آسيوياً وافريقياً وأميركياً لاتينياً يتقدمها السلفادور 0.592 وتتخلفها جزر القمر 0.412. والبلدان العربيان المشار اليهما هما المغرب 0.566 والعراق 0.531. ولئن يكن المغرب قد تراجع من المرتبة المئة والحادية عشرة عام 1992 إلى المرتبة المئة والتاسعة عشرة عام 1997، فإن مؤشره للتنمية البشرية قد سجل بالمقابل تقدماً طفيفاً، إذ ارتفع في الفترة نفسها من 0.549 إلى 0.566. أما العراق، المختنق تحت وطأة الحصار الدولي، فقد تراجع في المرتبة والمؤشر معاً: فصار يحتل المرتبة المئة والسادسة والعشرين بدلاً من المرتبة المئة وانخفض مؤشره للتنمية البشرية في الوقت نفسه من 0.614 إلى 0.531. نأتي أخيراً الى قائمة البلدان غير النامية التي يتراوح مؤشر تنميتها البشرية بين 0.399 و0.100 فهذه القائمة تضم 35 بلداً، معظمها من افريقيا جنوبي الصحراء مثل نيجيريا 0.393 وزائير 0.381 وتشاد 0.288 والحبشة 0.269 ورواندا 0.187، وبعضها من آسيا مثل بانغلادش 0.368 وكمبوديا 0.348. وتندرج في هذه القائمة ثلاثة بلدان عربية هي على التوالي: اليمن 0.361 وموريتانيا 0.355 والسودان 0.333. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مؤشرات هذه البلدان الثلاثة في 1992 كانت على التوالي 0.323 و0.254 و0.276، فإننا نستطيع أن نتحدث عن تقدم نسبي، ولكنه أبطأ من المعدل الوسطي العالمي، إذ تراجعت اليمن من المرتبة 142 إلى المرتبة 148، والسودان من المرتبة 151 إلى المرتبة 158، بينما تقدمت موريتانيا وحدها من المرتبة 158 إلى 158 الى المرتبة 150.