العلاقات السعودية الأمريكية.. شراكة راسخة وآفاق واعدة    شاشة كبيرة لهاتف Galaxy Z Flip 7    إعلاميّون دوليّون من داخل "واحة الإعلام": تجربة سعودية متقدمة في التغطية والبث    فنون أبها تحتفي ب "إلى من يهمه الشقر"    فريق صُنّاع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في مهرجان المانجو في صبيا    الاتفاق يجدد عقد المدرب الوطني سعد الشهري    ملك البحرين يصل إلى الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    آل الشيخ يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة للتحذير من مخالفة أنظمة الحج والذهاب دون تصريح    مركزا لتنمية الاجتماعية في جازان ينفذ ورشة عمل "إدارة التطوع"        القمم الخليجية الأمريكية.. تكامل المصالح وتقارب الرؤى    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران في زيارة للجوازات بمنطقة نجران    تجمع الرياض الأول يدشّن "موصول" في مستشفى الرعاية المديدة    أكثر من 130 مشروعاً طلابياً من 41 مدرسة في مساحة ابتكار في تعليم الطائف    ضبط مستودع مخالف للمواد الغذائية في وادي الدواسر    أمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة التاسعة عشرة لطلاب وطالبات جامعة تبوك ..غداً    مستشفى الملك عبدالله ببيشة يفعّل اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية ببرنامج توعوي شامل    رئيس جمعية الكشافة يكرِّم شركة دواجن الوطنية لدعمها معسكرات الخدمة العامة    المعرض الدولي للمعدات والأدوات يستعرض الفرص في السوق البالغة قيمته 10.39 مليار دولار أمريكي    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لنظافة الأيدي" و "الصحة المهنية"    مجمع الملك عبدالله الطبي يُعيد الحركة لأربعيني مصاب بانزلاق غضروفي ضاغط على الحبل الشوكي    تيريم يتغنى بسحر حمدالله    النجمة إلى دوري روشن.. والحزم يضمن الملحق    مدير عام فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بجازان يهنئ سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه بمناسبة تعيينهما    القبض على آربعة مواطنين في تبوك    أطفالنا.. لسان الحال وحال اللسان    انطلاق منافسات "آيسف 2025" في أمريكا بمشاركة 40 طالبًا من السعودية    السعودية و"الأونكتاد" يوقّعان اتفاقية لقياس التجارة الإلكترونية والتجارة الرقمية    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم الأمير فهد بن تركي    الرئيس الصيني: نعتزم تعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية في زمن "المواجهة بين الكتل"    "الفاو" و"الأغذية العالمي" و"يونيسف": غزة على أعتاب مجاعة كارثية    الاستسلام الواعي    حلول شاملة ومستدامة لمعالجة نقص مواقف السيارات في الأحياء السكنية    دراسة سعودية تكشف تنوعًا غير مسبوق للثدييات الكبيرة في الجزيرة العربية خلال العصور الماضية    مودي يؤكد وقف العمليات العسكرية.. الهند تتقدم نحو حل سياسي شرط المعالجة الأمنية    العدل: إصدار132 ألف وثيقة صلح في عام 2024    إقرار المبادئ التوجيهية للاستثمارات الخضراء.. مجلس الوزراء: الموافقة على تنظيم هيئة الطيران المدني    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    225 مخبأ سلاح جنوب لبنان والجيش يسيطر    الهلال يهزم النصر.. ويتوج بدوري الطائرة للمرة ال20    "الغذاء والدواء": ثلاثة أنواع من البكتيريا تهدد السلامة    حكاية طفل الأنابيب (4)    محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد تزيل أكثر من 719 ألف طن من الأنقاض    غرامة 20,000 ريال للحج بلا تصريح    خطوة واحدة يا عميد    النجمة يسطع في سماء «روشن» وهبوط العين    الصين من النسخ المقلد إلى صناعة المتفوق    70 % من مرضى الربو يعانون من حساسية الأنف    تعليم المدينة ينفذ إجراءات التوظيف التعاقدي ل1003 مرشحين    «المتحف الوطني» يحتفي باليوم العالمي للمتاحف    «الشؤون الإسلامية» بجازان تحقق 74 ألف ساعة تطوعية    المملكة.. حضور بلا ضجيج    ضمن مبادرة"مباراة النجوم".. القادسية يستضيف 30 شخصاً من ذوي الإعاقة    "الشريك الأدبي" في جازان: حوار مفتوح بين الكلمة والمكان    الشؤون الدينية تطلق خطتها التشغيلية لموسم الحج    حماية مسارات الهجرة بمحمية الملك    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض "مصر في باريس" . كم تبدو حاضرة "باريزيس" كعاصمة فرعونية
نشر في الحياة يوم 04 - 03 - 1998

خصصت فرنسا العام 1998 لإحياء تواصلها مع الثقافة المصرية، أعلنت ذلك منذ أشهر تحت شعار: "مصر وفرنسا، آفاق مشتركة"، واستهلت برنامج هذه الآفاق من خلال المعرض الموسوعي "مصر في باريس" في متحف "ليجيون دونور" حتى منتصف نيسان ابريل المقبل، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، وتضافرت جهود عدة لجمع عناصره من اللوحات والمنحوتات والمجسمات النصبية والمحفورات والتصاميم والرسوم المعمارية والأثريات والقطع الفنية والحرفية والوثائق المصورة وغيرها.
ولو اقتصر المعرض على الآثار لما كان جديداً، فمن المعروف ان متاحف باريس تشكل مستودعاً للذاكرة الفرعونية يتجاوز عدد قطعها في متحف اللوفر وحده خمسة آلاف. تكمن أهمية المعرض في تبيانه الشجاع لبصمات خصائص هذه الآثار والفنون في اللاوعي الثقافي والإبداعي الجمعي، الذي جعل من باريس عاصمة فرعونية مستديمة الإشعاع.
واذا كان - في المقابل - للثقافة الفرنسية دور نهضوي في مصر بعد عهد محمد علي، فلن نعثر في المعرض على هذه البصمات إلا نادراً، من مثال اللوحة الشخصية الشهيرة التي تمثل وجه محمد علي وبعض اللوحات الاستشراقية التي عرضت في "المعرض الدولي" العام في نهاية القرن التاسع عشر. فالتأثير يبدو في اتجاه واحد هو تمصير الوجه الثقافي لباريس، ويصل الأمر الى التماثيل الفرعونية المدفونة تحت وسادة باريس الأثرية منذ العهد الروماني، مثل تمثال "إيزيس" الذي وجد تحت "حي الباستيل" أثناء حفر أنفاق المترو عام 1905، ثم ملاحقة تناسخ نحتها في العديد من الكنائس، في الواجهة الرئيسية لمتحف اللوفر وفي جدران حدائق "كاردينال لوموان"، وفي نصب بحيرة "البعث الجمهوري" التي أقيمت في ساحة الباستيل عام 1793 رمزاً للثورة الفرنسية.
ويظهر نصب ايزيس محروسة بأسدين رابضين مستلهمين من هيئة أبي الهول، وقد اندثر لأنه كان منجزاً من الجص المسلح بالبرونز، ويظهر في المعرض في محفورة "نادرة" تصوره مع الاحتفالات الوطنية حوله.
وحينما صُمم شعار باريس في عهد بونابرت رسمت "إيزيس" رابضة على مركب فرعوني، ثم حيكت الأساطير حول توأمية هذه العلاقة واعتبار التقارب في الإسمين: باريس وايزيس ليس مصادفة، وهذا ما يفسر تسمية باريس أحياناً "باريزيس".
يمر هذا التلاحم الرمزي من اعتبار مصر أماً للحضارة اليونانية - الرومانية، التي تعتبر بدورها الأب الشرعي للحضارة اللاتينية الغالية - الرومانية. ويشير المعرض الى تناسخ أبي الهول اليوناني من المصري والتحام صورة أنطونيوس بأوزاريس كما هي واجهة "بحيرة فلاح" وفندق يوهارنين، كما تعبّر صورة سيرة كيلوباترا وأنطونيو الممثلة في لوحات بالمعرض عن هذا الاسقاط الميثولوجي المصري على الموروث الروماني، بل إن استعارة المسلات الفرعونية وزرعها في مساحات المدن كانت عادة رومانية قبل ان تتناسخ في مسلة ساحة الكونكورد، ووصل التقليد الى تصاميم حاملات المصابيح على طرفي نهر السين.
نعثر في المعرض على رسوم كاريكاتورية بليغة السخرية من موجة "التمصير" بعضها يصور بونابرت وقد إنقلب الى مومياء محنطة في تابوت، وذلك الى جانب اللوحة الاستشراقية المعروفة التي يبدو فيها بونابرت منكباً على تأمل مومياء اكتشفتها بعثة أثرية. تدفعنا هذه الاشارات الى تأمل بواكير الاهتمام بمصر اثر انفتاح محمد علي، ويشير أحد الرسوم الى صورة الزرافة التي أهداها الى ملك فرنسا شارل العاشر، ثم موافقته على إهداء "مسلة الأقصر"، التي ستصبح من أهم معالم باريس، وسيزداد الاهتمام بعد حملة بونابرت 1780 وبافتتاح "قناة السويس" 1896 وإعادة أداء أوبرا عائدة في باريس، ثم اكتشاف الفرنسيين "لمقبرة توت عنخ آمون" 1922.
إذا عكست حملة بونابرت العسكرية بداية الاهتمام بمصر، فإنها تمثل أيضاً التحول من الدفع الاستعماري وفضولية استحواذ الآخر، الى الاستغراق في الخصائص الميتافيزيقية للثقافة المصرية، وهو نوع من المس السحري الشبيه "بلعنة الفراعنة"، فإذا كانت مدافع بونابرت قصفت أنف أبي الهول، فإن شموخ ما يمثله ظل راسخاً في ما حمله الى باريس فنانو الحملة وعلماؤها. نعثر في المعرض على بصمات الاستشراق الاستعماري الأول من خلال صور "نصب شامبليون" الذي شيد عام 1875، وهو يدوس على رأس اخناتون بقدمه. وتستمر هذه الروح في العروض الباريسية للبيت المصري ما بين عامي 1868 و1900 في المعرض العالمي، ثم معرض جناح قناة السويس في المعرض الاستعماري 1931، ثم في المعرض العالمي للفنون 1937، لعل أبرزها المحفورة التي تمثل الجناح المصري في المعرض العالمي 1868 الى جانب برج إيفل، تمثل أربعة عمائر، منزلاً عربياً ومقهى ودكاناً ثم معبد أبي الهول.
من الواجب الاعتراف بأن صبوة المعرض تتجاوز التبسيطية الاستشراقية والسياحية، مؤكدة على التيارات الابداعية للهوس الميثولوجي الذي مسّ فريق بونابرت، وذلك من خلال تسرب الرموز والطرز من مثال زهرة اللوتس والأفعى والخنفساء والشمس المجنّحة والتيجان النخلية ومزهريات البردي في الثقافة اليومية، ثم إعادة افرازها من خلال الذوق الفني المتراكم، ابتداء من رسوم "غوستاف مورو" والماحات "الكسندر دوماس" وحتى شيوع صور الآلهة المصرية: حورس، أنوبيس وحاتور في الطباعات والمسرح والسينما وبطاقات اللعب. تبدو صورة اخناتون ورمسيس في رسوم "هير حبي" تان تان وكتاب الموتى وكأنها في متحف باريسي، أما هيئة تمثال نفرتيتي فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تقاليد الأناقة والتسريحة الباريسية. لعل معايشة هذا التذوق هو الذي دفع أكثر من مليون زائر في معرض "توت عنخ آمون"، ثم في معرضي "رمسيس" و"أمنوفين الثالث"، ومعرض "التمصرن".
يفرق المعرض إذن بين "علم الآثار المصرية" و"التمصرن الثقافي" بما يسمح بالفصل بين الأمثلة المحمولة من جسد الذاكرة وبين التي انتجتها ذاكرة الابداع الباريسي. لذلك فإن العروض تترصد المشاريع التي أنجزت وتحولت أو التي اندثرت، خصوصاً النصب التي تطورت هيئتها المصرية منذ القرن السادس عشر. لعل أبرزها ما جرى على بحيرة ونصب "ساحة شاتليه" التي أسسها بونابرت في مركز العاصمة لكنها لم تكتسب شكلها النهائي حتى عام 1858. كما يتابع المعرض المهرجانات والتظاهرات الموقتة كالتي عرفت "بالجبال المصرية"، أو احتفالات التسلية والمتنزهات على غرار "حديقة الدلتا" 1819 والتي اختفت عام 1825، ولم يبق اليوم منها إلا اسم شارع الدلتا. أما المقاهي الخديوية فاندثرت جميعها مع ملهى حي "مونبارناس"، ولم يبق إلا "مقهى فرعون" 1938، وواجهات بعض المسارح وسينما الأقصر 1920، ومنزل ساحة القاهرة 1828 المؤلف من خمسة طوابق والمنقول عن نموذج دير المدينة ونقوشه الهيروغليفية. ثم بوابات المدينة سان جرمان وسانت دوني وبوابة بوهارني ومجموعة بحيرات قصر الفنون الجميلة والفلاح وقصر الماء والسلام والفنون وهي مونمارتر والعديد من المخازن والعمائر لا يمكن حصره، ناهيك عن أنواع الجسور والحدائق والمقابر الخ.
يشكل "التمصرن" اليوم جزءاً من حداثة باريس، ابتداء من هرم متحف اللوفر، وانتهاء بالجدران الفرعونية العملاقة التي أنجزت عام 1996 على أبنية الدائرتين 15 و18، مروراً بأعمدة الكرنك التي زينت مكتبة فناك الشانزيليزيه 1991 باعتبارها رمزاً للمعرفة. وإذا كانت هذه الأسماء تبدو أعجمية بالنسبة الى القارئ فانها تمثل النقاط الأشد حميمية في باريس التي نكتشفها من جديد عاصمة فرعونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.