ولي العهد يلتقي رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان    القادسية في مفترق طرق.. غونزاليس يغادر ورودجرز قريب من الإشراف الفني    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلّف    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل منتخب جامعة جازان    حين تُستبدل القلوب بالعدسات    ومن الهذيان ما قتل AI الإنسانية    فيصل بن مشعل يتسلّم التقرير الختامي لمبادرة "إرث ينطق"    "إثراء" يحتفي بيوم اللغة العربية على مدار ثلاث أيام    الجاسر يفتتح فعاليات النسخة ال 7 من مؤتمر سلاسل الإمداد    المرأة العاملة بين وظيفتها الأسرية والمهنية    "سعود الطبية" تنجح في إجراء قسطرة علاجية نادرة لطفلة بعمر خمسة أشهر    تقييم الحوادث يعلن نتائج تحقيقاته في عدد من الادعاءات المنسوبة لقوات التحالف    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير ويطّلع على برامجها التنموية    أمانة المدينة ترفع كفاءة شبكات تصريف المياه    شفيعًا تشارك في فعاليات جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة لليوم العالمي لذوي الإعاقة بجامعة الفيصل    الكرملين يعتبر بقاء كييف خارج الناتو نقطة أساسية في المفاوضات    لقاء تاريخي حافل لأبناء عنيزة القاطنين بمكة المكرمة    دور إدارة المنح في الأوقاف    المحسن يكتب.. "النشامى" طريقنا للكاس، والخسارة قدامهم "بِدناش"!    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات بحق 40 سفينة من " أسطول الظل"    التضخم في المملكة يتراجع إلى 1.9% في نوفمبر مسجّلًا أدنى مستوى في 9 أشهر    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالحزام الناري، ما الأسباب وطرق الوقاية لمن هم فوق الخمسين عاما    الفنار للمشاريع تفوز بجائزة المشروع الصناعي للعام ضمن جوائز ميد للمشاريع    قبيلة الجعافرة تكرّم الدكتور سعود يحيى حمد جعفري في حفل علمي وثقافي مهيب    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    ارتفاع أسعار النفط    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    صينية تعالج قلقها بجمع بقايا طعام الأعراس    مواجهات مع مستوطنين مسلحين.. اقتحامات إسرائيلية متواصلة في الضفة الغربية    بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.. ولي العهد ووزير خارجية الصين يستعرضان العلاقات الثنائية    ديبورتيفو الكوستاريكي يتوّج ببطولة مهد الدولية للقارات لكرة القدم    "أمِّ القُرى" تعقد لقاءً تعريفيًّا مع التَّقويم والاعتماد الأكاديمي    الخريجي: الحوار البناء أداة تفاهم بين الشعوب    القراءة الورقية.. الحنين إلى العمق والرزانة    من القمة.. يبدأ السرد السعودي    نجوم القارة السمراء يستعدون لترك أنديتهم.. «صلاح وحكيمي وأوسيمين» تحت المجهر في كأس أمم أفريقيا    السعودية تدين الهجوم الإرهابي.. دمشق توقف 11 عنصراً للتحقيق في هجوم تدمر    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الإرهابي بمدينة سيدني الأسترالية    دعت جميع الشركاء في المنظومة لتفعيل البرنامج.. «الموارد»: 5 مجالات لتعزيز التنمية الشبابة    استضافت اجتماع اللجنة التنفيذية ل«البرنامج التعاوني».. السعودية رائد عالمي في مجال أمن الطيران    أمير نجران يُشيد بإنجازات "الصحة" في جوائز تجربة العميل    دراسة: دواء جديد يتفوق على «أوزمبيك» و«ويغوفي»    في ورشة عمل ب"كتاب جدة" خطوات لتحفيز الطفل على الكتابة    الذكاء الاصطناعي يخفض استهلاك أرامكو للطاقة 15%    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الراجحي يدشن صالونه الأدبي الموسمي ويحتفي بضيوفه بمنتجعه بالرياض    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    نمو أعداد الممارسين الصحيين إلى 800 ألف    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    الغرور العدو المتخفي    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دوافع التصعيد التركي ضد سورية . عزلة المؤسسة العسكرية ورفضها اوروبيا دفعا انقرة الى افتعال مغامرة سياسية
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 1998

على رغم ما يبدو وكأنه انتصار معنوي حققته المؤسسة العسكرية التركية من خلال حملة الترهيب الواسعة التي شنتها ضد سورية، مع استعراض مستمر لآلتها الحربية بمحاذاة الحدود المشتركة للبلدين، الا ان المراقبين يتفقون على ان ما قام به النظام التركي يضيف الى مشاكل تركيا الكثيرة مشكلة جديدة.
فالذريعة التي تختبئ الحكومة التركية خلفها، وهي قضية حزب العمال الكردستاني، لاثارة تلك العاصفة القوية في وجه الدول العربية كلها عبر تهديد سورية ومحاولة استفرادها، هذه الذريعة لم تقنع احداً، كذلك لن يكون لأية ترتيبات امنية يولدها الضغط العسكري نتائج فعلية تؤثر تأثيراً حاسماً على مستقبل الصراع الذي يدور حول القضية الكردية منذ سنوات طويلة. فالقضية الكردية لا يمكن اختزالها بفصيل كردي واحد، على رغم اهمية النشاطات التي تمارسها عناصر حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان داخل الاراضي التركية وحيث توجد الاكثرية الكردية التي تضم ما يزيد عن 12 مليون نسمة. كما ان ما يحدث على الصعيد السياسي لا يقل اهمية عن المجالات الاخرى. ولعل آخر ما سجل في هذا المجال هو انعقاد "برلمان المنفى" الكردي في روما بمباركة اوروبية واضحة، ثم عقد اتفاق مصالحة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين: الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني برعاية اميركية رسمية. اذ سيكون من نتائج هذا الاتفاق، الذي عقد في واشنطن، اعادة تشكيل المؤسسات الكردية المشتركة التي تجسّد واقع الحكم الذاتي في شمال العراق. ومع ان هذه الخطوة يراد منها تضييق الخناق على نظام الرئيس العراقي صدام حسين من خلال تنشيط قوى المعارضة ومحاولة استعادة مواقعها السابقة في الشمال العراقي، لكن النظام التركي يبدي قلقاً واضحاً حيالها، ليس فقط لانه كان بعيداً عن هذا الاتفاق ولم يكن له اي دور فيه، بل وايضاً لأنه يعزز الروح الكيانية لدى الشعب الكردي ويشجع العاملين من اجل اقامة الدولة الكردية المستقلة.
لذلك فان اثارة العاصفة التركية في وجه سورية، على خلفية نشاطات عناصر حزب العمال الكردستاني، في الوقت الذي كان فيه الحزب المذكور قد جمّد نشاطاته المسلحة، بقرار معلن، انما تهدف الى احداث "فرقعة" قوية في المنطقة قد تحمل "الجهات المعنية" على اعادة النظر في حساباتها الخاصة بالقضية الكردية وكيفية التعامل معها.
من جانب آخر - وهنا المفارقة الغريبة - فقد اعلنت الحكومة التركية عزمها على اقامة تمثيل ديبلوماسي بينها وبين بغداد على مستوى السفراء. بيد انها كانت، وفي الوقت ذاته، تدفع بحوالي عشرة آلاف جندي من قواتها لاجتياح الشمال العراقي مجدداً لمطاردة العناصر الكردية التي تنشط في المنطقة. وبذلك تحاول المؤسسة العسكرية التركية استعادة زمام المبادرة فيما يتعلق بتطور القضية الكردية وضع مستقبلها من جهة، ثم ايجاد موقع يتيح لها ان تصبح لاعباً رئيسياً في المنطقة بعد ان فقدت هذا الدور في اعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكيك حلف وارسو وانتهاء الحرب الباردة. فتركيا مرفوضة اوروبياً، كما انها لم تعد تحظى بالاهتمام الاميركي السابق. وعلى الصعيد الاقليمي لم يبد النظام التركي رغبة في تطوير علاقاته مع دول المنطقة بما يتجاوز التبادل التجاري المحدود، فضلاً عن استمرار صراعه التاريخي مع اليونان، واقامة وجود دائم في جزيرة قبرص المقسمة. الى ذلك فان المؤسسة العسكرية التركية اختارت التحالف مع اسرائيل لتضيف عاملاً جديداً الى العوامل التي تباعد بين تركيا والدول العربية وتجعل علاقات الجانبين قائمة على الحذر والشك والريبة. وفي هذا الجانب بالذات كان من الممكن ان يكون للرابطة الاسلامية الجامعة دور في تحقيق بعض التقارب بين الطرفين، على رغم الحساسيات المتخلفة عن مرحلة "الحماية" التركية التي دامت عدة قرون، بيد ان تخلي النظام التركي الكمالي عن هويته الاسلامية ومحاولاته الدؤوبة لاصطناع هوية غربية بديلة، اسقط هذا الاحتمال وجعل تركيا في غربة دائمة عن محيطها الاقليمي وعن الامتدادات الثقافية لشعبها.
واذا اضفنا الى هذه العوامل السلبية كلها، المشاكل التركية الداخلية المتراكمة، ابتداء بالمشاكل الاقتصادية المتزايدة وانتهاء بصراع الهوية المتجدد، تتضح لنا حقيقة الاندفاعة التركية المتهورة في اتجاه سورية، ومحاولة المؤسسة العسكرية، ذات النفوذ المطلق، فرض شروط واملاءات ليس من شأنها سوى ان تعيد الى الذاكرة العربية تلك القرارات الهمايونية المرتبطة بفترة الاستعمار التركي، وان تفسد مجدداً ما جرى اصلاحه مع مرور السنين.
وليس ادل على ذلك من محاولة الحكومة التركية - بضغط واضح من جنرالات الجيش - تحريك مشكلة خامدة، او كامنة، هي مشكلة لواء الاسكندرون السوري الذي ضمته تركيا الى اراضيها في عام 1939 بتسهيل من سلطة الانتداب الفرنسية، في محاولة لرشوة الحكم التركي - آنذاك - وحمله على الوقوف الى جانب الحلفاء ضد المانيا الهتلرية. فالنظام التركي لا يكتفي بعملية الاغتصاب، الباقية دائماً كشاهد على مرحلة تاريخية معينة لا يبرز منها سوى مظاهر الاضطهاد المختلفة ووأد الارادة الوطنية، بل هو يتعمد الآن المجاهرة بها على نحو استفزازي فج يراد منه، كما هو واضح، اما تحدي المشاعر الوطنية السورية بقصد احراج القيادة السورية فاخراجها، واما محاولة الحصول على براءة ذمة بالنسبة لما جرى اغتصابه، وهو امر يؤدي الى النتيجة ذاتها.
اظهرت تجارب العقود الماضية ان النظام التركي هو الذي كان يبادر الدول العربية بالعداء من خلال عمله الدائم ضد مصالحها وقبوله ان يلعب دور رأس الحربة في الاحلاف العسكرية الغربية التي تستهدفها. وفي الواقع فان تحالفه العسكري الاستراتيجي مع اسرائيل يعد استمراراً لهذا الدور ولا يشكل حالة شاذة في التوجهات التركية الرسمية التي تعبّر عنها المؤسسة العسكرية افضل تعبير.
واذا كان من واجب الدول العربية ان تستخلص الامثولة المناسبة من هذه التجربة الجديدة مع النظام التركي، الا ان ما هو اهم من ذلك بالنسبة اليها يتمثل الآن في عدم مجاراة المؤسسة العسكرية التركية في لعبتها الى حد بلوغ مرحلة التصادم العسكري، ليس فقط لأن الدول العربية غير قادرة في ظروفها الراهنة على مواجهة هذا التحدي، بل لتفويت الفرصة على الجنرالات الاتراك ليحققوا هدف مناورتهم، وذلك بتحويل الانتباه عن مشاكلهم الداخلية من جهة، واجتذاب اهتمام الدول الكبرى اليهم والى دورهم المفقود من جهة اخرى.
ومن الواضح ان الاسلوب الذي عالجت به القيادة السورية المشكلة الراهنة ينم عن وعي كامل بالابعاد الحقيقية للعبة "حافة الهاوية" التركية. كما ان الوساطة المصرية المبكرة، كذلك الجهود العربية الاخرى، ومثلها المسعى الايراني، نجحت حتى الآن في تعطيل اللغم التركي الموقوت، على رغم استمرار لعبة الاستفزاز التي يمارسها الجنرالات الاتراك، بايقاعات متفاوتة. قد يكون ابرز ما حققه النظام التركي في مناورته السياسية - العسكرية، هو تخفيف الضغوط السياسية العربية عنه في ما يخص تحالفه مع اسرائيل. لكن، فضلاً عن ان هذا المكسب ليس دائماً لانه مرتبط بمدى تطور هذا التحالف ودرجة تهديده للمصالح العربية، فانه لا يوازي الضرر الذي اصاب العلاقات التركية - العربية والذي سيمس القسم الاكبر منه المصالح الاقتصادية التركية.
ان محصلة هذه الازمة تعكس، على نحو شديد الوضوح، حال التخبط التي يعيشها النظام التركي مع مشاكله الكثيرة وخياراته المتناقضة، لكنها تدل ايضاً على ان سياسة الهروب الى الامام لن تحل اي مشكلة.
فهل تعمد المؤسسة التركية الحاكمة الى استخدام عقلها بدلاً من الاعتماد على هراوتها في صورة دائمة: في الخارج كما في الداخل، وفي الحاضر القريب كما في الماضي البعيد؟
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.