متسلحاً بتاريخ السلطنة العثمانية، وبمواقفه المناهضة لإسرائيل، وبدعم الحلف الأطلسي، إنطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في جولة على بلدان «الربيع العربي». في القاهرة، حيث استقبله «الإخوان المسلمون» استقبال الفاتح، خاطب العرب عبر جامعتهم شبه المنهارة، هنأهم ب»الربيع». حضهم على الديموقراطية، طارحاً نفسه وحزبه وبلاده نموذجاً عصرياً لتطور الإسلام السياسي وملاءمته القيم الغربية، وتعايشه مع العلمانية. شجعته على ذلك كتابات كثيرة عن النموذج الذي يمثله، فضلاً عن تشجيع الحلف الأطلسي الذي اكتشف، بعد الحروب المدمرة على المنطقة، أن المسلمين يمكن ان يتقبلوا استبدال ثروتهم بالديموقراطية والعلمانية. والعراق كان دليله إلى هذا الإستنتاج، والآن ليبيا وقائدها العسكري عبد الحكيم بلحاج الذي زجه القذافي في السجن بالتعاون مع الإستخبارات الأوروبية والأميركية. كلما خطط أردوغان للتقدم خطوة في العالمين العربي والإسلامي كلما صعد ضد إسرائيل. قبل إنذاره الرئيس بشار الأسد و»نزعه الشرعية» عنه هدد باستخدام أسطوله لحماية سفنه التجارية وتلك المتوجهة إلى غزة. وقال إن الأبيض المتوسط لم يعد بحيرة إسرائيلية. أي أنه منح نفسه لقب «سلطان البر والبحر»، على ما كان يفعل أسلافه. الواقع أن إيران سبقت أردوغان في توسل المسألة الفلسطينية للدخول إلى العالم العربي من بابه الواسع. وذهبت في خيارها إلى التحالف الإستراتيجي مع سورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، فدعمت «حماس» و»حزب الله» بالسلاح والمال. واستخدمت، وما زالت، هذا الموقف سلاحاً في مواجهتها مع الغرب، ومع بعض العرب أيضاً. أما تركيا «حزب العدالة والتنمية» فتستخدمها لتشكيل تحالف، لنقل أنه « تحالف السلام»، بالتوافق مع الغرب، أي مع الأطلسي (إسرائيل جزء من الحلف). وفي خلفية هذا المسعى أن معظم العرب والمسلمين باتوا مقتنعين باستحالة الإنتصار في الحرب، وأنهم توجهوا إلى السلام. صرحوا بذلك غير مرة، على أعلى المستويات، ومن لم يصرح منهم صفق للرئيس محمود عباس الذي لم يترك مناسبة من دون أن يؤكد خيار الحل السلمي ضد الكفاح المسلح، وأنشأ اجهزة بالتعاون مع الغرب وإسرائيل لملاحقة أي مسلح في الضفة الغربية. لا يمكننا أن نضع تصعيد أردوغان ضد إسرائيل إلا في إطار التنافس بين الحلفاء. حلفاء بمرجعية واحدة، الولاياتالمتحدة والأطلسي، فهو يعرف جيداً أن اي مواجهة حقيقية مع الدولة العبرية تتطلب الخروج عن إرادة هذه المرجعية التي تدير الصراع وتراقبه عن كثب. ويحتاج إلى تحالفات أخرى، واجواء عربية وإسلامية مختلفة إذا شاء المواجهة الفعلية. جربت إيران، قبل أردوغان الدخول إلى العالم العربي ونجحت إلى حدود معينة، لكن هذا العالم الذي كان منقسماً بين مؤيد للسلام مع إسرائيل وممانع أصبح منقسماً بين معاد لطهران ومتضامن معها. وجاءت تركيا لتزيد هذا الإنقسام حدة، خصوصاً في زمن «الربيع العربي». ربيع يدعي أردوغان أنه راعيه ورسول الأطلسي إليه. وهذا بالضبط ما جعل دولاً عربية مؤثرة تتحفظ عن التوجهات التركية، وتعتبرها محاولة لمد نفوذ دولة طالما كانت على خلاف معها، وما زالت تتوجس منها لأنها قد تتقاسم معها تأييد الشارع في هذه اللحظة المفصلية في الشرق الأوسط.