استشهاد 15239 طفلاً في غزة    المعرض السعودي يستقبل زواره بالرقصات الشعبية والعروض الفلكلورية    المملكة توقع 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم مؤتمر مستقبل الطيران 2024    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد المملكة ال 36 للاتحاد البرلماني العربي في الجزائر    إسبانيا: تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    كوادر سعودية ترسم السعادة على ضيوف الرحمن الأندونيسيين    خطيب المسجد الحرام: مواقف السعودية ثابتة ومشرفة تجاه القضية الفلسطينية    موقف مالكوم من مواجهة الهلال والنصر    الفرصة مهيأة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بيريرا: سأجتمع مع إدارة الشباب لمناقشة مستقبلي    يايلسه: يجب أن يعلم الجميع أين كنا الموسم الماضي    البليهي: تفكيرنا الآن في مباراة الوحدة.. وننتظر الجماهير غدًا    اللجنة الوزارية تنقل أزمة غزة إلى باريس    إدانة 5 مستثمرين وإلزامهم بدفع 4.8 مليون ريال    توجيهات عليا بمحاسبة كل مسؤول عن حادثة التسمم    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    المخرجة السعودية شهد أمين تنتهي من فيلم "هجرة"    اتفاقية ب25 مليون دولار لتصدير المنتجات لمصر    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور ب"AI"    تحذيرات علمية من مكملات زيت السمك    معالي أمين منطقة عسير يزور معرض صنع في عسير    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    ارتفعت 31.5 % في الربع الأول    أمسك.. حرامية المساجد!    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    قد لا تصدق.. هذا ما تفعله 6 دقائق من التمارين يومياً لعقلك !    5 أطعمة تعيق خسارة الوزن    الفيحاء يتعادل إيجابياً مع التعاون في دوري روشن    السلاحف البحرية معرضة للانقراض    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    الفتح يتغلب على الحزم بهدفين في دوري روشن    الاتحاد يتغلب على ضمك برباعية في دوري روشن    مواجهة الهلال والوحدة بين الطائف والرياض    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    حظي عجاجه والحبايب (قراطيس) !    الدكتوراه لفيصل آل مثاعي    القمر يقترن ب «قلب العقرب» العملاق في سماء رفحاء    هل بقيت جدوى لشركات العلاقات العامة؟    نمو الجولات السياحية ودعم الاقتصاد الوطني    «الحونشي»    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    تنوع أحيائي    ثانوية السروات تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من نظام المسارات    نزاهة: حادثة التسمم الغذائي بأحد مطاعم الرياض لن تمضي دون محاسبة    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية يكرم موظف سوداني    فيلم "نورة"يعرض رسميا في مهرجان كان السينمائي 2024    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للربو"    القبض على وافد بتأشيرة زيارة لترويجه حملات حج وهمية ومضللة    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    دشن هوية «سلامة» المطورة وخدمات إلكترونية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد سير العمل في الدفاع المدني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من لقاء وعي مسكون بالتفوق مع خصوم مثلنا... نحصل على نتانياهو
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2009

ليست رؤية سياسية متطرفة أو بعيدة من العدالة تلك التي تضمنها خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أخيراً في صدد مستقبل الفلسطينيين. هي قبل كل شيء رؤية عادمة للسياسة. شرط السياسة، ولو متطرفة، مساواة من نوع ما في المرتبة الوجودية، قبول بأن الخصم مكافئ مبدئياً في الجدارة الإنسانية والسياسية. لا شيء من ذلك في خطاب نتانياهو.
كان يمكن النظر إلى كلام الرجل على دولة فلسطينية منزوعة السلاح كموقف إسرائيلي جائر، لو لم يكن منغرساً في بنية ذهنية متجذرة تضع اليهودي فوق الفلسطيني جوهرياً. عن هذه البنية تصدر المطالبة باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة الشعب اليهودي، الأمر الذي يعني الإقرار به تسليماً بالعقيدة الصهيونية، أي الإيديولوجية الوطنية الإسرائيلية، وإدانة ذاتية للوطنية الفلسطينية واعتذاراً عنها. التصور الإسرائيلي لتسوية مع الفلسطينيين يقايض «تنازلاً» إسرائيل للقبول بكيان مكشوف ومبدد للفلسطينيين في مقابل استقالة وجودية ذاتية من جانبهم، ينسلخون بموجبها عن كيانهم ويضوون ما بقي لهم من وجود شحيح تحت كنف الكيان الذي أقيم على حسابهم.
في عين الإيديولوجية الصهيونية، ليست إسرائيل يهودية لأن أكثريتها من اليهود، بل هي كذلك جوهرياً، وقد كانت كذلك منذ 3500 عام على قول نتانياهو نفسه، حتى حين كان اليهود أقلية ضئيلة فيها. لا مكان في إسرائيل الجوهرية هذه للفلسطينيين. فإن وجدوا كان وجودهم عارضاً ومن مرتبة أدنى، وليس وجوداً أصيلاً من صنف الوجود اليهودي.
وعودة اللاجئين ليست مرفوضة سياسياً بل جوهرياً، أعني استناداً إلى مفهوم إسرائيل ذاته كما هو متمثل في الإيديولوجية الصهيونية. إسرائيل الجوهرية هذه ليست دولة مثل غيرها، ولا هي تعويض عن الهولوكوست، بقدر ما هي تحقيق لوعد إلهي متعال عن السياسة والتاريخ. القدس عاصمة «أبدية» لإسرائيل الجوهرية الثابتة بحكم تعريفها ذاتها. لقد كانت كذلك دوماً ولا تستطيع إلا أن تكون كذلك. إسرائيليتها ووحدتها مسألة تعريف وماهية.
وفي عالم الجواهر والماهيات هذا تستحيل التسوية، لأن السياسة ذاتها غير ممكنة. التظاهر بها ممكن ومرغوب. هيّا إلى السلام، يخاطب نتانياهو نظراءه العرب بنبرة تنز خيرية وطيبة. لكن السلام هنا أيضاً تعريف لأي شيء تفعله إسرائيل. إنه وصية أنبيائها وتحية أبنائها وختام صلوات مواطنيها، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه. السلام اسم لإسرائيل وليس فعلاً سياسياً تشارك فيه مع غيرها. ولعلها لم تخض ست حروب أو سبعاً، فضلاً عن حريبات لا تتوقف، إلا لأنها السلام مجسداً. السلام ممكن بين دول مصنوعة من الحرب، أما مع دولة يشكل السلام ماهيتها، فالسلام الممكن الوحيد هو السلام الأورويلي.
النتائج الواقعية على كل حال تؤكد أن التسوية المقبولة إسرائيلياً هي تلك التي تضمن مزيداً من تآكل الوجود الفلسطيني. نحو 16 عاماً بعد أوسلو، يبدو الفلسطينيون أخف وجوداً مما كانوا قبل أوسلو. ويبدو وجودهم مرشحاً لمزيد من التبدد والتآكل. ليست إسرائيل وسندها الأميركي هما السبب الوحيد، لكن إسرائيل وسندها ليسا سبباً يقارن بغيره. من في رصيده سبب كهذا يستطيع أن يرتكب كل الأخطاء في العالم، ومن يناهضه سبب كهذا لا يكاد ينفعه عقله. وليست ثانوية الوجود الفلسطيني مسألة استدلال أو تخمين. بعد حرب 1967 أمكن موشيه دايان أن يقول إن الفلسطينيين الذين يبقون في أرضهم سيتحوّلون إلى «غبار بشر، وحثالة مجتمع». وحتى حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 كان في وسع غولدا مائير أن تقول: «أين هم الفلسطينيون؟ إنني لا أراهم!».
ثم إن ما يستخلص من خطاب نتنياهو هو ذاته ما كان يمكن استخلاصه من الفتك الرهيب بغزة قبل أشهر. دلت عملية «الرصاص المسكوب» تلك على أن الفلسطينيين غير مرئيين من الإسرائيليين. أولئك بالكاد حائزون على ضرب من الوجود شبحي، أدنى نوعياً من وجود الإسرائيليين، يعيشون في عالم مواز غير العالم الذي يعيش هؤلاء فيه، وغير مساو له. كيان الفلسطينيين ثانوي، قابل للتقليص والحذف والقص والمحو والطمس والإزالة والتبديد. وجودهم عارض، هامشي، هش، مؤذ، وشرير جوهرياً، إن لم يكن إعدامه أمراً مرغوباً، فإنه بعد كل حساب ليس بالشيء المهم. هم لا ينكرون وجود الفلسطينيين والحق يقال، لكنهم يخصونهم بوجود بخس، يتساوى مع العدم أو يكاد. وجود الإسرائيليين في المقابل أول، أصيل، حقيقي، متين، راسخ، متفوق وخيّر، غير قابل للحذف إلا بدمار العالم.
لكن بعد قول ذلك كله، ليس لنا أن نبالغ في استثنائية الوعي الذاتي الإسرائيلي وخروج كيان إسرائيل على السياسة. الدول عموماً كائنات نصف عاقلة، مسوخ نصفها إنسان ونصفها الآخر حيوان. وجانبها غير العاقل يطل على بعد الهوية والقومية والماضي فيها (الوعد الإلهي والشعب المختار في حالة إسرائيل)، فيما يطل جانبها العاقل على البعد القانوني والمؤسسي والراهن (دولة القانون...). وهي لا تتأنسن، لا تسلك عقلانياً في المجال الدولي ولا في المجال الداخلي إلا مضطرة. في هذا إسرائيل مثل غيرها. إلا أنها تنفرد عن غيرها بقلة اضطرارها، بتمتعها برعاية وحرية لا نظير لهما على مستوى العالم. لذلك أصول معروفة في الماضي الحديث، وله أصول ثقافية أقدم، تحيل إلى المناهل الثقافية وأصول «الحضارات». لكنّ له أسساً معاصرة تتمثل في تطوير الإسرائيليين نظاماً عاقلاً إلى أقصى حد لتعاملاتهم في ما بينهم. يتعزز هذا بواقع أن خصوم إسرائيل، الفلسطينيين والعرب، قلما تبينوا هذه المعادلات العالمية، وقلما عملوا على زحزحتها، ولطالما كانت معاملاتهم في ما بينهم مثالاً لغير المعقول.
فإذا التقى وعي ذاتي متأصل ومسكون بالتفوق مع قلة الاضطرارات ووفرة الرعاية ومع خصوم مثلنا لم يشتهروا بحسن التدبير والسياسة، حصلنا على... نتانياهو.
على أن ارتفاع الاضطرار عن إسرائيل مضر بها على المدى الأطول. الاضطرارات تربي، تروض على التواضع وقبول العادية. هذا شيء مقصّى من الخبرة الإسرائيلية. وهو ما يجعلها دولة قليلة التربية، وقحة بإفراط، مغرورة جداً، وصلفة إلى أقصى حد. فإذا التقت يوماً قلة التربية هذه مع قدر من الحكمة من طرفنا وشيء من التحفظ حيالها من جهة الغرب، أمكن احتواء إسرائيل وضبطها، لتغدو دولة مثل غيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.