التحالف الإسلامي يدشن مبادرة لتعزيز قدرات فلسطين في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال    أنشيلوتي يرحل عن ريال مدريد ويتولى تدريب منتخب البرازيل    3 نجوم على رادار الهلال في كأس العالم للأندية    استقبال بهيج لحجاج أندونيسيا بماء زمزم والورود في مكة    مجلس الوزراء: نتطلع أن تعزز زيارة الرئيس ترمب التعاون والشراكة    تفعيل اليوم العالمي للتمريض بمركز القلب بالقصيم    محافظ الطائف يستقبل الفائزين من جامعة الطائف بمعرض جنيف العلمي الدولي    ولي العهد يستقبل عبدالرحمن القرشي بمناسبة تحقيقه ذهبية دورة الألعاب البارالمبية في باريس    "لازوردي" تحقق 12% نموا في الإيرادات التشغيلية خلال ربع 2025 الأول    هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية تصدر تقرير إنترنت السعودية 2024    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    ورشة "صناعة المحتوى الرقمي" تختتم برنامج "الصحافة الرقمية والإعلام الجديد" بحفرالباطن    ضبط مواطنًا لارتكابه مخالفة التخييم في محمية الملك عبدالعزيز الملكية    المطلقة غير صالحة للزواج    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    ولي العهد يعلن إطلاق شركة "هيوماين" كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحقق صافي ربح قدره 67.4 مليون ريال في الربع الأول من 2025 بنمو 11%    القصيم: انتاج طائر الكرك الاكحل المهاجر    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    توصيات شورية لتعزيز الإعلام السياسي وتطوير البنية العدلية الرقمية    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    انخفاض الذهب بعد محادثات إيجابية بين الصين وأمريكا    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    اليوم..القمر يظهر بحجم أصغر في سماء السعودية لتزامنه مع نقطة الأوج    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    استشهاد 16 فلسطينيًا    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    3.2 تريليون ريال قروض مصرفية    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    جراحة روبوتية لإنقاذ طفل مصاب بفشل كبدي بالرياض    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأب» لأوغست سترندبرغ: المرأة..آه من المرأة!
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 2011

كان الكاتب السويدي اوغوست سترندبرغ يكره النساء في شكل عام. وقد يكون من الصعب العثور على سمات هذه الكراهية في كل اعماله المسرحية، ولكن ثمة مرحلة في حياته تشغل على الأقل ثمانينات القرن التاسع عشر، شهدت كتابته لعدد لا بأس به من مسرحيات تؤكد هذه الكراهية. فمثلاً في مسرحيته «الرفاق» تكذب البطلة برتا على زوجها اكسل وتغشّه ليس فقط في مجال انتزاع المال منه، بل ايضاً من اجل تدمير سمعته كإنسان وفنان. وفي مسرحية «الدائنين» تدمر الزوجة تكلا إرادة زوجها ادولف وشجاعته وكذلك الحال في عدد من مسرحيات الفصل الواحد التي كتبها في ذلك الحين، وصولاً الى مسرحية «الأمومة» التي تتحدث عن فتاة هوى سابقة ترفض السماح لابنتها بأن تتصل بأبيها او تتلقى اي عون منه. وإذا كان هذا البعد نفسه يسري على لعبة الحب/ الكراهية التي تهيمن على مسرحية سترندبرغ الكبرى «الآنسة جوليا» حيث تؤدي سيطرة الأم وعدوانيتها الى الحيلولة دون نضوج جوليا، فإن مسرحية «الأب» التي كتبها اوغوست سترندبرغ في عام 1887، تبقى الأكثر دلالة على ما نقول. ولا شك في ان سترندبرغ، إذا كان قد جعل نتفاً من مشاعره وتفاصيل حياته الخاصة تبدو من مواقفه في كل هذه الأعمال، فإنه في «الأب» جعل الأمر كله يبدو اشبه بسيرة ذاتية.
في تلك الفترة من حياته كان صاحب «سوناتا الأشباح» يعيش وضعاً عائلياً مزرياً، إذ ان زوجته كانت لا تكف عن الإيحاء امام الأصدقاء والأهل بأن زوجها يعاني درجة اكتئاب وجنون متقدمة، وأن هذا يؤثر سلباً في اسلوب تعاطيه مع الأطفال وتربيته لهم، ما يستدعي وضعه تحت الوصاية وسحب الأطفال منه. كان من الواضح ان زوجة سترندبرغ تود في ذلك الحين لو تراه يموت، وصولاً حتى الى قبض قيمة التأمين على حياته. فهل كان هذا كله صحيحا؟ هل كانت زوجة سترندبرغ شريرة الى هذا الحد، ام ان نوعاً من البارانويا (رهاب الاضطهاد) كان يعتمل في داخل سترندبرغ مصوراً له الأمور على هذا النحو؟ مهما كان من شأن الجواب، من المؤكد ان كاتبنا عرف كيف يقاوم. والفعل الأساس في مقاومته تجلى في كتابته لمسرحية «الأب» وسط اعمال اخرى له تحمل الذهنية نفسها، والرغبة العنيفة في «فضح اخلاقيات النساء».
إذاً، في «الأب» لدينا رجل (هو الأب والشخصية الأساس في المسرحية) وهو كابتن في سلاح الفرسان، ورجل عمل إضافة الى ذلك ونحن لا نعرفه إلا باسم «الكابتن». والكابتن هذا يعيش محاطاً بعدد من النساء، وفي مقدمهن زوجته لورا، وابنتهما برتا، وهناك ايضاً الممرضة العجوز مرغريت، وحماة الكابتن، والمربية. ومن الطبيعي للكابتن ان يشعر بقدر ما من الاختناق وسط هذا المناخ. وهو، إذ يحب ابنته حباً جماً، من الواضح انه يرغب لها ان تفلت من هذا الجو، فيقرر ان عليها ان تسافر بعيداً لكي تستكمل دراستها. بيد ان الأم لورا تعارض هذا. إنها تريد لابنتها ان تبقى ها هنا. ثم اذ يحتدم الصراع حول هذا الأمر بين الكابتن ولورا، تبدأ هذه الأخيرة نسج مؤامرة توحي من خلالها، وبدفع ومساعدة من طبيب العائلة، أن برتا ليست في الحقيقة ابنة الكابتن، وإنما هي ابنة علاقة آثمة اقامتها لورا في الماضي. في البداية يقاوم الكابتن هذه الفكرة تماماً، غير ان شيئاً من الشك يبدأ بالتسرب إليه. ومناخ الشك هذا هو الذي يسيطر تدريجاً على المسرحية ككل، وإلى درجة يبدأ الكابتن معها في التساؤل حول ما اذا كان، هو، في كامل عقله ام انه مجنون. ولورا لا تتوقف عن تغذية مشاعره وأفكاره هذه الى درجة تفقده في نهاية الأمر كل هدوئه ورصانته حتى يصيبه ما يشبه المسّ الحقيقي، ما يدفع ممرضته - المتواطئة اصلاً مع لورا - الى ربطه بقميص المجانين وتكون النتيجة ان يصاب بذبحة قلبية ويموت. اما لورا فإنها ستسعد بذلك الانتصار الذي حققته.
من ناحية مبدئية يبدو الموضوع بسيطاً في خطّيته، كما يبدو فوز لورا في الصراع حتمياً في مناخ يعيش فيه الكابتن محاطاً بالأعداء. ولكن من الواضح ان ما هو مهمّ هنا، ليس هذا الحدث بل دلالاته والكيفية التي عالج بها الكاتب شؤونه الخاصة مسقطاً إياها على شخوص مسرحيته. فالموضوع الجوهري هنا انما هو الصراع الذي تخوضه لورا، تلك المرأة التي لا تكف طوال الوقت عن تبرير تصرفاتها مضفية عليها طابع المشروعية، انطلاقاً من قناعتها التامة بأن الحب بين الجنسين إنما هو فعل صراع دائم. غير ان موقف المرأة «الشرير» هذا، لا ينبغي عليه ان يبعدنا عن رؤية ان دوافع الكابتن نفسه ليست دوافع طيبة، بمعنى ان سترندبرغ هو هنا ابعد من ان يصوّر لنا صراعاً بين الخير والشر. فالحب الذي يكنّه الكابتن لابنته انما هو في حقيقته صورة لأنانيته ولرغبته في امتلاك ابنته. ومن هنا فإن الصراع الذي يصوره لنا اوغوست سترندبرغ انما هو صراع بين طبيعتين انانيتين. وفي هذا الصراع العنيف والذي تستخدم فيه كل ضربات ما دون الحزام، من قبل الطرفين، لا يكون الانتصار للأقوى، بل للأكثر سوءاً... لمن يستخدم القدر الأكبر من الشر. وبالنسبة الى سترندبرغ، المتشائم عادة إزاء الطبيعة الإنسانية، المرأة هي الأكثر شراً بين الطرفين، من دون ان يعني ذلك ان الرجل ليس شريراً، كل ما في الأمر ان لدى المرأة من الحيل وضروب المكر والخداع ومن القدرة على الكذب، ما يفوق ما يملكه الرجل. ومن هنا تكون هي المنتصر في نهاية الأمر.
وهكذا، على هذا النحو المثير بدوره للتساؤلات، تمكن سترندبرغ من ان يصور في هذه المسرحية القاسية والسوداء، هواجسه الحياتية ونظرته الى الصراع - الصامت احياناً والصارخ في احيان اخرى - الذي كان يدور داخل حياته. وانطلاقاً من هنا صوّر سترندبرغ - ومن دون ان يوفّر نفسه او مشاعره الخاصة او انانيته - صوّر مخاوفه إزاء المرأة: كل امرأة سواء كانت زوجة ام اماً ام ابنة ام حتى خادمة. لكنه صوّر ايضاً تواطؤ طبيب العائلة، ثم حمق الرجل بشكل عام وغرقه في شكوكه ما ان تجري امامه تلميحات. ولعل الأمور هنا تصل الى ذروة الإيلام حين يصوّر سترندبرغ كيف ان ابنته تقف الى جانب امها حين يحتدم الصراع ضاربة عرض الحائط بكل الخير الذي يريده لها، وكذلك حين يصوّر خديعة الممرضة إذ تتواطأ عليه بعد ان تبدو لحين عاطفة عليه متفهمة له، فإذا بها، في حقيقة الأمر، تلهيه حتى تلبسه سترة المجانين.
حين كتب سترندبرغ مسرحية «الأب» كان في الثامنة والثلاثين من عمره، هو المولود في العام 1849 في ريدارهولم غير بعيد من استوكهولم عاصمة السويد. وكان قد سبق له ان نشر، منذ عام 1869 من المسرحيات ما أمّن له شهرة كبيرة ومكانة اساسية في تاريخ المسرح السويدي، قبل ان يواصل مسار مسرحه الواقعي والقاسي، جاعلاً من نفسه واحداً من اقطاب الكتابة المسرحية في الأزمان الحديثة. ولقد كتب سترندبرغ حتى رحيله في العام 1912 مسرحيات تدور حول الصراعات الداخلية والحياة العائلية وعودة الماضي، ضمن اسلوب قاسٍ، وتعمّق في نفسيات شخصياته. ومن ابرز اعماله الأخرى «الى دمشق» في جزأيها و «طقس عاصف» و «رقصة الموت»، اضافة الى عدد كبير من المسرحيات التاريخية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.