سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    الخريف استعرض فرص الاستثمار للشركات.. تطوير التعاون الصناعي والتعديني مع الدنمارك    جدول الضرب    4 مسارات لتعزيز برنامج الأمن السيبراني في موسم الحج    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    وسط تنديد روسي.. قادة أوروبا يؤيدون مقترح الهدنة في أوكرانيا    بحث معهما القضايا ذات الاهتمام المشترك.. ولي العهد يستعرض العلاقات مع ملك البحرين وأمير الكويت    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بملك البحرين    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    الداخلية: غرامة مالية تصل إلى (20,000) ريال بحق من يقوم من حاملي تأشيرات الزيارة بأنواعها كافة أو يحاول القيام بالدخول إلى مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أو البقاء فيهما    مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة يستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من جيبوتي لأداء فريضة الحج    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    السعودية مركز رائد في العلوم والابتكار والاحتفاء بالمعرفة    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    100 مركز للتوعوية في الحرم بعدة لغات في موسم الحج    ابن فرحان يتلقى اتصالاً من وزير الخارجية البريطاني.. ويستقبل نظيره الإيراني    معرض للمجوهرات الثمينة بالمنطقة الشرقية    8 توصيات لتعزيز التنافسية في لوجستيات الأحساء    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    وصول أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من الصومال لأداء فريضة حج هذا العام    تعزيز الأمن الدوائي    6 مليارات قروض الخدمات الائتمانية    الشباب يخشى الأهلي والفيحاء يحل ضيفاً على الاتحاد    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. إقامة نهائي كأس الملك الجمعة في ال3 من ذي الحجة    "باعشن".. يشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    فهد بن سلطان يرعى حفل تخرج بجامعة تبوك الأربعاء    نائب وزير الحرس: ثقة غالية من القيادة الرشيدة    في حائل.. الطموحات تتحقق وتبشّر بمنجزاتها    موعد مباراة الأهلي والشباب في الدوري السعودي    تدريبات النصر من دون رونالدو    فهد بن سعد يشكر القيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير القصيم    المملكة وضيوف الرحمن    زراعة سماعة عظمية إلكترونية في 20 دقيقة    أوكرانيا وحلفاؤها يقترحون هدنة شاملة لمدة 30 يومًا    الثقافة السعودية تحضر في بينالي البندقية    وزير «الشؤون الإسلامية» يلتقي برؤساء وأعضاء المجالس العلمية لجهة مراكش    وساطة تنهي أخطر مواجهة منذ عقود بين الهند وباكستان    هيئة الصحفيين بنجران تنظم ورشة الإعلام والتنمية    القبض على 11 مخالفًا لتهريبهم 165 كجم "قات" في عسير    إبادة عائلة في غزة وتحذيرات دولية من كارثة إنسانية خانقة    علاج جديد لالتهابات الأذن    الأطعمة المعالجة بشكل مفرط تزيد من خطر الوفاة المبكرة    احتفال الجمعية السعودية للروماتيزم باليوم العالمي للذئبة الحمراء    الحرفيين الاماراتيين يجسدون الإرث الإماراتي الأصيل خلال مشاركتهم في مهرجان الحرف الدولي بمحافظة الزلفي    المملكة ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان والهند    الدكتورة إيناس العيسى ترفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينها نائبًا لوزير التعليم        الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يتنافس مع 1700 طالب من 70 دولة    الأرصاد: رياح نشطة على الرياض والقصيم    بث مباشر من مدينة الملك عبدالله الطبية لعملية قسطرة قلبية معقدة    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    جازان تودّع ربع قرن من البناء.. وتستقبل أفقًا جديدًا من الطموح    هلال جازان يحتفي باليوم العالمي للهلال الأحمر في "الراشد مول"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة توفيق صايغ الشاعر السجالي
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 2011

شهدت مرحلة الخمسينات من القرن العشرين حركة تجديد شعري وأدبي، تمحورت حول مجلتي «الآداب» و «شعر»، وشكلت تحوّلاً كبيراً في مجرى الشعرية العربية، وتمخضت عن أسماء كبيرة ساهمت في صناعة هذا التحول، وتوفيق صايغ أحد هذه الأسماء. من هنا، فانّ العثور على نصوص غير منشورة لهذا الاسم أو ذاك يشكل نوعاً من لقية ثمينة لما من شأنه أن يضيء حركة الاسم من جهة، والحقبة التاريخية التي عاش فيها من جهة ثانية. وعليه، يُعتبر نشر الباحث الفلسطيني محمود شريح «رسائل توفيق صايغ والطيب صالح» و «التوفيقيات المجهولة» (دار نلسن) لقية حقيقية تضيء جوانب جديدة في شخصية صايغ ومهاراته الثقافية المتنوعة. على أن علاقة الباحث بموضوعه ليست جديدة فقد سبق له أن أصدر «توفيق صايغ: سيرة شاعر ومنفى» (دار رياض الريس 1989). أمّا الجديد فقد يكون الإضاءة على توفيق صايغ الناشر والناثر من خلال الرسائل المتبادلة بينه وبين الروائي السوداني الطيب صالح والمتمحورة حول نشر روايتيه «موسم الهجرة الى الشمال» و «عرس الزين»، وقد يكون رصد بعض تطور صايغ الروحي من خلال نشر ست قصائد لم تنشر سابقاً.
في «رسائل توفيق صايغ والطيب صالح»، يحدّد شريح الإطارين الزمني والمكاني لتبادل الرسائل بحيث «تبدأ في نهاية 1963 وتتوقف في أيلول 1967 حين غادر صايغ بيروت نهائيّاً» (ص 10). وهكذا، تكون امتدّت على مدى أربع سنوات وليس خمس كما ورد في المقدمة. ويصفها بأنها «شكلت نصّاً أدبيّاً متماسكاً» (ص 10) الأمر الذي لا يستقيم إزاء الفحص والتحليل، فالرسائل ذات قيمة توثيقية، تاريخية، تكشف جوانب شخصية وتاريخية لكنها لا تشكل نصّاً أدبيّاً متماسكاً أو مفكّكاً، وإن كانت تعكس صداقة أدبية دافئة.
في «التمهيد» يتفاوت الحيّز الذي يُفرده شريح لكل من المتراسلَين، ففي حين يخصّ صايغ بسبع صفحات يترك لصالح ثلاثاً فقط، وهي قسمة غير عادلة، على المستوى الكمّي، على الأقل. وهو يرسم الإطار التاريخي/الثقافي لظهور صايغ مطلع الخمسينات بعد نكبة فلسطين، وبالتزامن مع ظهور مجلتي «الآداب» و «شعر». ثم يذكر محطات من سيرته الشعرية/الثقافية، بدءاً بصدور ديوانه الأول «ثلاثون قصيدة» 1954، مروراً بصدور «القصيدة ك» 1960 و «معلقة توفيق صايغ» 1963، وإصداره مجلة «حوار» 1962، وصولاً الى اهتمامه بالبحث في «أضواء جديدة على جبران» والترجمة في «رباعيات أربع» و «تطور الأميركي» و «خمسون قصيدة من الشعر الأميركي المعاصر». ويذيّل شريح تمهيده بمقطع من سيرة صايغ الشخصية من حيث الولادة والنشأة والهجرة والدراسة والتدريس. وهكذا، يختتم بما كان ينبغي أن يبدأ به وفقاً للأعراف المتبعة في كتابة السيرة. أمّا حصة الطيب صالح من التمهيد فتتمحور حول الإطار الزمني/المكاني لكتابة روايتيه في قرية صغيرة قرب كان الفرنسية عام 1960، وحول قراءاته التحضيرية لعملية الكتابة التي شملت «الحضارة ومنغصاتها» لسيغموند فرويد.
في الشكل، تتوزع الرسائل بنسبة ثلاث عشرة رسالة لتوفيق صايغ الى سبع للطيب صالح، وهي نسبة قريبة من حصة كل منهما في التمهيد. يوردها شريح مطبوعة وبخط اليد، وفق المعيار الزمني، بدءاً بالأقدم. ويجاور بين الرسالة والجواب عنها في حال وجوده. يستهل الطيب رسائله بعبارة «أخي توفيق» ويذيّلها بعبارة «أخوك الطيب» بينما يستهل صايغ رسائله ب «عزيزي الطيب» ويذيّلها ب «توفيق صايغ».
في المضمون، تتكشّف الرسائل عن علاقة صداقة أدبية بين الرجلين، وعن مودة شخصية، على رغم تمحورها حول نشر الروايتين. وتتمخّض عن جوانب معينة في شخصيتيهما؛ فيبدو صايغ مشجّعاً لصالح، متلهّفاً لنشر نتاجه، فخوراً بذلك، متابعاً دؤوباً، ملمّاً بالتفاصيل. ويبدو صالح متردّداً، متباطئاً، مفتقراً الى الحماس، معجباً بشعر صاحبه.
ترصد الرسائل المخاض الذي تمر به الروايتان قبل تحوّلهما الى كتابين، فنرى فيها نوعاً من «تاريخ النص» منذ الحمل به حتى الولادة والاحتفاء به من المثقفين والنقاد. لذلك، قد نقع في هذه الرسالة أو تلك على انطباع نقدي أو رأي شخصي، ففي رسالة بتاريخ 7 أيلول 1965 يشير صالح الى معلقة صايغ بالقول: «أثارت في نفسي إحساساً بالحزن ما كنت أحسب أن الشعر الحرّ قادر عليه» (ص 54)، بينما يتناول صايغ في رسالة له بتاريخ 17 أيلول 1966 «موسم الهجرة الى الشمال» بالقول: «وأنا فخور جدّاً بنشرها، وأتأكد أنها ستكون قنبلة أدبية حين تظهر» (ص 82). وقد يكون الرأي صادراً عن طرف ثالث، فينسب صايغ في رسالة بتاريخ 6/12/1966 الى محمد الماغوط قوله عن الرواية: «إنها فريدة. إنها عمل خارق وكائن لا مثيل لنضرته وحيويته بين عشرات السنين من «الطروح» الأدبية في بلادنا» (ص 86). وينسب إلى جبرا ابراهيم جبرا قوله في بطاقة معايدة: «قصة الطيب صالح أروع ما قرأت من قصص في اللغة العربية» (ص 98). وغير خفيٍّ جنوح صاحبي الرأيين الأخيرين الى المبالغة والإطلاق.
من جهة ثانية، تبرز في بعض الرسائل أزمة مجلة «حوار» وما أثارته من سجال يتعلق بتمويلها والجهة الداعمة لها الأمر الذي أدى الى احتجابها في أيار 1967. وتبرز في بعضها الآخر أساليب الترويج التي كان يعتمدها الناشر في الستينات، من الإعلان الصحافي والتوزيع على المكتبات الى الاتصال بالملحقين الثقافيين ورجال الصحافة والأدب ووسائل الإعلام.
وبعد، إن الرسائل المتبادلة بين توفيق صايغ والطيب صالح ليست بين شاعر وروائي، بل هي بين ناشر متلهف لنشر الجديد والجيد وكاتب مزاجي متردد يقدم رجلاً ويؤخر أخرى. ومع هذا، تكتسب أهمية توثيقية، تاريخية، في إضاءة زوايا من الحركة الأدبية في الخمسينات والستينات.
في «التوفيقيات المجهولة»، ينشر شريح ست قصائد لصايغ «لم يكن الشاعر قد نشرها أو وضعها في صورتها النهائية. ولأنها مكتوبة بخط يده ويعود بعضها الى بداية الخمسينات ويعود بعضها الآخر الى نهاية الستينات» يثبتها على هيئتها الأصلية ويعلق عليها (ص 10). و «هي قصائد ست حبّرها توفيق صايغ على مدى عشرين سنةً وفي أماكن عدة مبدأها البحر المتوسط... ومنتهاها المحيط الهادي...» (ص 24).
على أن شريح، قبل إثبات القصائد والتعليق عليها، يقدم سيرة مركّبة للشاعر؛ تتناول جوانب شخصية وشعرية وثقافية من حياته، ويرسم الإطار التاريخي/ الثقافي لظهوره ممّا سلفت الإشارة اليه. ثم يخصص لكل قصيدة فصلاً خاصّاً بها يحمل اسمها، يتناول فيه الإطار المادي الذي كتبت القصيدة عليه، ويعلّق عليها في ضوء قصائد أخرى للشاعر أو لسواه، ويحدد اللحظة الفنية التي تمثلها القصيدة في مسيرته الشعرية، وينطلق للحديث عن الشاعر راصداً حركته المهنية/ الثقافية. وهكذا، يتخذ من النص منطلقاً لدراسة صاحبه والظروف التي عاشها وشكلت قابلة شعرية لولادة القصيدة.
يورد شريح القصيدة في شكلها الخام بخط صاحبها وما أجرى عليها من شطب ومحو وتصحيح وإضافة، ثم يوردها مطبوعة بعد تنقيتها من هذه العمليات. ويصف نوع الورق وقياسه ولونه وشكله، وهنا، لست أدري ما هي الفائدة المتوخاة من هذه التفاصيل؟ وهو حين يعلق على القصيدة يبذل جهداً واضحاً في التعليق والتحليل والنقد والمقارنة والاستنتاج، ما يعكس ثقافة نقدية واسعة وأداة منهجية فاعلة.
يفرد شريح للقصيدة الأولى «وأفعى من الشرق عليلة» التي لا تتعدى خمسة أسطر تسع عشرة صفحة متوقفاً عند رمزية «الأفعى» في مؤلفات شعرية ودينية، متخذاً من النص دليلاً على صاحبه، فيخلص الى أن «القصيدة محاولة من توفيق للخروج من جحيم يقض مضجعه» (ص 49). ويستدل بالقصيدة الثانية على تطور صايغ الشعري حين يرى فيها «نقلة موفقة باتجاه الرمزية» (ص 67). وينطلق من تاريخ كتابة القصيدة الثالثة ليضيء جزءاً من حركة الشاعر المهنية بين التدريس والنشر والعمل والكتابة والسفر. ويتخذ من القصيدة الرابعة مؤشراً لتحديد موقع صايغ بين الأعداء والخصوم. ويضيء من خلال القصيدة الخامسة تجربته المرّة في مجلة «حوار». ويستشهد بالقصيدة السادسة والأخيرة على إحساس الشاعر باقتراب الرحيل معبّراً عن ذلك في القصيدة بلغة مكثّفة تتكئ على المعجم الديني والرمزي والأسطوري.
وهكذا، يكون شريح قد عالج القصيدة التوفيقية كأداة لسبر أغوار الشاعر ورصد حركته والظروف التي يتحرك فيها أكثر مما عالجها كغاية بذاتها يفكك العلاقات التي تربط بين المفردات والجمل والمقاطع، على المستويات المختلفة.
وبمعزل عن آلية المعالجة، نسجل لمحمود شريح دقّته وعنايته بالتفاصيل ودأبه وشغفه في مقاربة موضوع البحث وإخلاصه للحقيقة وأمانته العلمية ما جعل عمله لقية ثمينة يفرح الحصول عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.