أمير حائل يستقبل رئيس جامعة حائل    الرئيس ترامب يطلق مشروع بناء سفن حربية من فئة جديدة تحمل اسمه    نائب وزير الرياضة يتوج نابولي بطلًا لكأس السوبر الإيطالي في نسخته ال(38)    كأول جمعية متخصصة بالمنطقة.. "يمنّاكم" لرعاية الأحداث بجازان تعقد لقاءها التشغيلي الأول    تحت رعاية ولي العهد.. أمير المدينة يحضر افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي        مفردات من قلب الجنوب 34    «الداخلية» تسهم في إحباط محاولتي تهريب أكثر من (200) كيلوجرام من المواد المخدرة بسلطنة عُمان    أكد الالتزام بمرجعيات المرحلة الانتقالية.. العليمي يدعو المجلس الانتقالي لتغليب الحوار    افتتاح المتنزه سيشكل نقلة نوعية.. الداود: القدية وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة    ترأسا الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق المشترك.. وزير الخارجية ونظيره العماني يبحثان تعزيز العلاقات    1 % ارتفاع التكاليف.. نهضة قوية بقطاع البناء في المملكة    موجز    الاستعداد للامتحان    «النيابة»: يحظر ترك الحيوانات خارج الأماكن المخصصة لها    أقر عدداً من مذكرات التفاهم الدولية.. «الشورى» يطالب جامعة الملك خالد بتطوير إستراتيجية «الموارد»    تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    وصول الطائرة السعودية ال 76 لإغاثة الشعب الفلسطيني    الوقت كالسيف    ب "علينا"… علي عبدالكريم يستعيد عرش الأغنية الطربية    استعراض التخلي    الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق    الكلام    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    أوميغا- 3 والحوامل    18 ألف جنيه إسترليني تعويضاً عن ركل سائح    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميز    الملحق العسكري في سفارة مصر بالمملكة يزور التحالف الإسلامي    غارات على رفح وخان يونس وتجدد نسف المنازل في غزة    «قسد» تستهدف أحياءً سكنيةً ونقاطاً لقوى الأمن الداخلي والجيش السوري    لؤلؤة الشرقية    دراسة أثرية تكشف فجوة تاريخية منسية في وادي القرى    تجاويف العُلا الصخرية.. خزانات طبيعية    سعود بن نهار يطلق "شتاؤهم عون ودفء"    الشورى يطالب جامعة الملك خالد بتطوير الأداء وتحقيق الأهداف    برشلونة يبتعد عن الريال    طائرة الأهلي تكسب الهلال    مجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يجري عملية استبدال للركبة باستخدام مفصل مطبوع بالتقنية ثلاثية الأبعاد    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميّز    ترشيح الحكم الدولي د. محمد الحسين لبرنامج التعليم التحكيمي الآسيوي 2025 في سيئول    لجنة التحكيم بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل تعلن الفائز الأول في شوط سيف الملك "شقح"    اتفاق النخبة يواصل صدارته قبل التوقف    القادسية بطلاً للمملكة للسباحة ب 36 ميدالية    مناورات صاروخية إيرانية    المنح التعليمية ودورها في التنمية    وزير الإعلام: تنفيذ المرحلة السابعة من قطار الرياض العام المقبل    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    الجمعية التعاونية الزراعية التسويقية بخميس مشيط تطلق مبادرة «تمكين"    جناح إمارة مكة المكرمة يقدم عرضًا تعريفيًا عن محافظات المنطقة ضمن مهرجان الإبل    بين الملاحظة و«لفت النظر».. لماذا ترتاح المرأة للاهتمام الذي لا يُطلب !!    الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة الشعبية وإعادة بناء النظام في سورية
نشر في الحياة يوم 10 - 04 - 2011

من وجهة نظر تاريخية، دخل النظام المقيم في سورية منذ نصف قرن طور انتهاء صلاحيته. ولقد دخلت البلاد في طور التحول نحو نظام سياسي جديد، أكثر تعددية وانفتاحاً وتمثيلاً للمجتمع السوري. وعلى رغم كل ما يرجح أن يحمله هذا التحول من تعثرات وصراعات جديدة وانتكاسات محتملة وأوضاع غير مستقرة، فإن الأوضاع الحالية جامدة وشائخة وغير قادرة على معالجة أية مشكلة وطنية. إنها «نظام قديم» لا مستقبل له. هذه مقدمة أولى لكل تفكير سياسي مثمر في البلاد اليوم. وهي في الآن نفسه ما قد يساعد على بلورة سياسات عملية من وجهة نظر حركة المعارضة الجديدة في البلاد، وحتى من وجهة نظر أي جهة عاقلة داخل نخبة الحكم. البلد في أزمة عامة، لأن نظامه السياسي الموروث أضحى متجاوزاً. وبينما لا يبدو حتى الآن أن حركة الاحتجاج الشعبي قادرة على حسم معركة التغيير السياسي بقواها الخاصة، وأنه ليست في النظام قوى تستطيع التقدم بمبادرة سياسية كبرى تفتح أفقاً سياسياً وأخلاقياً جديداً أمام البلد، فإن سورية قد تكون على أعتاب أزمة وطنية متمادية، يصعب توقع منعطفاتها وأخطارها.
غاية ما قامت وتقوم به نخبة النظام حتى اليوم وعود شكلية ومناورات وألعاب على الهامش، تعكس افتقارها إلى وعي مناسب بديناميات الزمن الراهن السياسية والاجتماعية والنفسية، وأكثر منه عنادها وتمسكها بمواقعها وامتيازاتها القائمة. قد تستطيع العثور على محاورين وشركاء في الطيف المعارض القديم، لكنها مع شركائها المحتملين هؤلاء في غربة متساوية عن الوقائع الجديدة، والمعارضة الشابة الجديدة، وروح التحرر والاستقلال الجديدة التي تسري في المجتمع السوري. هذا الجديد السوري الواعد ينفتح فقط على تغيير سياسي حقيقي، يطوي صفحة الحكم المطلق أو حكم الواحد الأبدي، حزباً أم فرداً. هذا هو المنبع الفياض للمشكلات الوطنية الأخرى من فساد كاسح وحكم اللاقانون واختناق اجتماعي ووطني عام. وليس غير نهاية الحكم المطلق الدائم ما يمكن أن يكون نقطة تحول لا بد منها ليمكن الكلام على تغيير سياسي حقيقي ونظام سياسي جديد.
وعلى كل حال، يمتنع التكلم على آليات إصلاح ذاتية لنظمنا السياسية، وهو ما يُعول أن تثمره الانتفاضات والثورات الجارية، من دون وضع حد للحكم المطلق والأبدي. الحكم الصالح هو المزود بآليات إصلاحية ذاتية (انتخابات حرة وتداول السلطة، تنظيم سياسي مستقل، حريات عامة...)، فيما لا يمكن للحكم الدائم أن يكون إلا مضخّة للفساد والتفكك الوطني الدائم.
****
لا يعني الانتهاء التاريخي للنظام القديم في سورية انتهاءه السياسي الفوري. لقد دخل أزمته التاريخية التي يتعذر عليه مغالبة مفاعيلها المميتة من دون توسع في وسائل الإكراه. هذا ما يثير تخوفاً محسوساً لدى كثيرين من ثمانينات جديدة أمام البلاد. كان ذلك عقداً مجنوناً، كارثة وطنية كبرى تفوق في فداحتها كارثة حزيران (يونيو) 1967.
ولقد رأى السوريون في الأسابيع الأخيرة نماذج سريعة من امتزاج العنف القاتل مع إثارات طائفية منتشرة، الأمر الذي يذكر بمزيج الثمانينات الانفجاري نفسه. لكن هذا الاحتمال العدمي الذي تفجر بصورة غامضة في غير منطقة من البلد، انطوى بسرعة أيضاً، وإن من دون ضمان بأن لا تتكرر مشاهد شبيهة هنا وهناك. مع ذلك نجزم بأن سورية لن تشهد ثمانينات جديدة، وبالمقياس المهول لتلك السنوات المظلمة. غاية ما يمكن أن يحصل تمارين استذكارية مقلقة، من نوع ما رأينا في الأسابيع الأخيرة. وكانت هذه ثمانينات وجيزة ومُلخّصة، تشير إلى امتناع عودة تلك السنوات الأليمة أكثر مما إلى احتمال عودتها. لقد تغيرت الأزمنة، بفعل سلمية الاحتجاجات الشعبية ووطنيتها السورية الجامعة. لم تطلق رصاصة واحدة من المحتجين المطالبين بالحرية والكرامة في درعا واللاذقية ودوما وحمص والقامشلي. وأظهرت الاحتجاجات وعياً قوياً بوحدة السوريين، وحرصاً واضحاً على تحييد التمايزات الإثنية والدينية والمذهبية الموروثة بينهم.
لقد أورثت التجارب الأليمة الشعب السوري وعياً كافياً بأن العنف والطائفية محرمان وطنيان، وأن من شأن الانجرار إلى أي منهما أن يتسبب في كارثة وطنية وإنسانية تهدد كيان سورية ومعناها، وتخدم كل ما هو متدهور فيها. وهما على كل حال وجها استراتيجية السيطرة السياسية المجربان، وليسا بحال من أدوات التحرر الديموقراطي.
****
هل من المحتمل أن تستمر الأوضاع السورية الحالية لوقت طويل؟ احتجاجات شعبية منتشرة، لكنها غير حاسمة، تواجَه بمزيج من القمع ومحاولة الاحتواء؟ هذا مستبعد في تقديرنا. السلطات تفقد أعصابها حين يتظاهر الناس في الشوارع، وعلى رغم اجتهادها في الربط بين الاحتجاجات الشعبية وبين «عصابات مسلحة» حيناً، و «إرهابيين» حيناً، و «أصوليين» حيناً آخر، لتستطيع مواجهتها في الملعب الذي تملك أفضلية مطلقة فيه، ملعب العنف. إلا أنه لا يبدو أن أحداً في داخل البلاد أو خارجها مقتنع بهذه الرواية. وهذا يشكل ضغطاً لا يستهان به على النظام، بخاصة في ظل عالم الاتصالات المفتوح.
هل يحتمل أن تنتقل السلطات من منطق الإجراءات الجزئية و «الوعود الإصلاحية» إلى مبادرة سياسية كبيرة، تعود بمكاسب حقيقية على الشعب، وتعيد عملياً بناء النظام السياسي بحيث يستمد شرعيته، أو جانباً أساسياً منها، من انتفاضة ربيع 2011؟ ليس ثمة علائم على ذلك. وهو يبدو مستبعداً من وجهة نظر النظام والمصالح المتأصلة، المادية والسياسية، لنخبه القائدة.
هل يحتمل أن تتوسع الاحتجاجات الشعبية وتنتقل من مرتبة تظاهرات واعتصامات بالألوف إلى عشرات الألوف ومئات الألوف، مع محافظتها على سلميتها وطابعها الوطني العام، وتفوقها الأخلاقي الذي لا جدال فيه، فتكون عامل حسم لمصير النظام، ومصدر الشرعية الحصري لنظام جديد في البلاد؟ التكهن صعب.
لأسباب اجتماعية وتاريخية تتصل بتكوين المجتمع السوري وبنية نخبة السلطة، يستحسن البحث عن مخارج سياسية تفاوضية للأزمة الوطنية القائمة. لكن قبل كل شيء، هذا يقتضي تغييراً فعلياً كبيراً في النظام، وهو الجهة السياسية الأشد غروراً ورفضاً للمساواة بين السوريين، والطرف الذي رفض على الدوام الاعتراف بسورية الأخرى، هذه التي تحتج اليوم وتنتفض وتطالب بالحرية والعدالة والمواطنة.
الخيار الوطني الأكثر عقلانية هو الاعتراف بشرعية الانتفاضة، وإعادة بناء النظام السياسي في البلاد حول هذا الاعتراف. هذا يضمن مزيجاً من تغيير محرر ومن استقرار منشود، ويستجيب للتكوين المركّب للمجتمع السوري، ولهواجس مشروعة لدى قطاعات منه، ويجنبه أخطار التطرف والواحدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.