ساهم إنسان شبه الجزيرة العربية بقسط وافر في الحضارات الإنسانية التي قامت في منطقة الشرق الأدنى القديم، عبر العصور التاريخية المختلفة. ومن أرض الجزيرة العربية انبثق نور الإسلام، دين الحق والعدل والمحبة والسلام، وساهم بنصيب وافر في بناء الحضارة الإنسانية. ولأهمية هذا النطاق الجغرافي؛ تأسست في العام 1975م في جامعة الملك سعود "الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية"، على أن يتم عقدها مرة كل عامين. الندوة الأولى نظمتها كلية الآداب في نيسان (ابريل) 1977م، وتناولت حصر المصادر التي يمكن أن يعوَّل عليها في دراسات تاريخ الجزيرة العربية، بينما خُصصت الثانية لحقبة ما قبل الإسلام، والثالثة شملت عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، والرابعة اقتصرت على العصر الأموي. أما الندوة الخامسة فخُصصت لدراسة تاريخ الجزيرة العربية منذ قيام الدولة العباسية وحتى نهاية القرن الرابع الهجري. وخُصصت الندوة السادسة لدراسة تاريخ الجزيرة العربية منذ بداية القرن الخامس الهجري وحتى نهاية القرن السابع الهجري، والسابعة لدراسة تاريخ الجزيرة العربية من بداية القرن الثامن حتى نهاية التاسع الهجريين. وتناولت الندوة الثامنة دراسات تاريخ الجزيرة العربية في القرن العاشر الهجري. تهدف هذه الندوات إلى دراسة تاريخ الجزيرة العربية في مختلف العصور دراسة عميقة تشمل تاريخها السياسي والحضاري والاقتصادي، وتجلي عناصر الوحدة بين أقاليمها وثراء التنوع في مجتمعاتها والاستمرار والتغيير في عاداتها وتقاليدها وعلاقاتها بالأرياف والبوادي، وعلاقاتها بالأقطار المجاورة والنائية. وتوظف فيها المصادر الأصلية الأدبية (المكتوبة) والآثارية، بحيث يفضي كل ذلك إلى كتابة تاريخ شامل يقوم على منهج علمي دقيق. تتنوع محاور الندوات ما بين الأحوال السياسية وسلطات الحكم وطبيعتها في أقاليم ومدن الجزيرة العربية والعلاقات في ما بينها، ونفوذ القوى الإسلامية الرئيسية في الجزيرة العربية. كذلك الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، ومجتمعات الجزيرة العربية (السكان، المدن، الأرياف، البوادي). واقتصاديات الجزيرة العربية (التجارة، الزراعة، النشاط الحرفي، النشاط الرعوي، العلاقات الاقتصادية مع أقاليم العالم الإسلامي والعالم، دور الحج في التبادل التجاري). كذلك الأحوال العلمية والثقافية، والمراكز العلمية، وطبيعة العلوم، والتواصل العلمي مع العالم الإسلامي، وحركة التأليف، ونظم التعليم ووسائله ومؤسساته، والشعر والكتابات النثرية، والرحلات إلى الجزيرة العربية. كذلك الأحوال الدينية، من أوقاف الحرمين الشريفين، والأوقاف (الأحباس) داخل الجزيرة العربية وخارجها، وأثر المذاهب الفقهية في المجتمع. أيضاً الآثار في الجزيرة العربية، من حيث المواقع الأثرية، والعمارة والفنون، والكتابات والنقوش، والمنشآت المائية، وطرق الحج ونشاطها، والطرق الأخرى. وأيضًا الأحوال البيئية، مثل الأمطار والجفاف، والتغيرات المناخية. والحوادث والكوارث الطبيعية، والمجاعات والأوبئة. وبعد أربعين عاماً على تأسيس هذه الندوة وتجذرها ونجاحاتها المتميزة أصبحت الحاجة ماسة لتحويلها إلى "مركز دراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها"، ومقره في رحاب قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة الملك سعود. اهتمت رسالة المركز بتحقيق الدور الريادي للجامعة والمجتمع في مسيرة التنمية وإمداده بالخبرات التي يحتاج إليها في مجال الدراسات المتخصصة في تاريخ وحضارة وتراث الجزيرة العربية. ويعمل المركز على تمكين المستفيدين من خدماته للارتقاء مهنياً وعملياً. ومن بين مهام المركز السعي لأن يكون المرجع الأساس لكل ما يخص تاريخ الجزيرة العربية في السعودية، والتنسيق مع المراكز الأخرى في دول الجزيرة العربية والمراكز العالمية ذات الاهتمامات المشابهة لاهتمامات المركز، ورسم سياسات تدريس التاريخ الوطني والجامعي والتاريخ العام بالتنسيق مع الجهات الأخرى ذات الاختصاص، وعقد ندوات ومؤتمرات عامة ومغلقة تبحث في تاريخ الجزيرة العربية بعامة وتاريخ السعودية بخاصة، وعلاقاتها مع جيرانها ومع الدول والتجمعات الإقليمية الأخرى. كما تتضمن رسالته عقد ندوة عالمية كل سنتين، في موضوع له علاقة بتاريخ الجزيرة العربية وحضارتها، مع تشجيع طلاب الدراسات العليا على تسجيل موضوعات علمية تخص الجزيرة العربية، وتوفير الدعم والاستشارة لهم ومساعدتهم على اختيار الموضوعات ونشر الأبحاث والأطروحات العلمية. وكذلك تنفيذ مشاريع بحثية مشتركة بالتعاون مع المراكز العلمية والأكاديمية ذات الاهتمام المشترك داخل المملكة وخارجها، مع تكوين قاعدة بيانات معلوماتية حول كل ما يتعلق بتاريخ الجزيرة العربية وحضارتها، وإنشاء مكتبة للمركز تضم كل ما يمكن الحصول عليه من مصادر ومراجع تاريخ الجزيرة العربية عبر العصور. وعملت إدارة المركز على إنشاء موقع إلكتروني خاص به يشمل التعريف بنشاطه، وأحدث أخباره والفاعليات التي هي في طور الإعداد. وقام المركز أيضاً بعمل مجموعة من الشراكات العلمية المتميزة مع المؤسسات الأكاديمية والإدارية داخل السعودية وخارجها، فقد تعاون مع دارة الملك عبدالعزيز في "اللقاء التشاوري لمركز دراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها" في جامعة الملك سعود في 13/3/2014م، ودار النقاش حول المشروعات العلمية المقترح تنفيذها، وآليات تأسيس مجلة علمية متخصصة، ووسائل دعم المركز علمياً ومالياً، وسبل التعاون مع المراكز الأخرى داخل المملكة وخارجها. كذلك أقام المركز شراكة مع الجمعية التاريخية السعودية لتدعيم الرؤى الأكاديمية بين الطرفين. وعقد المركز شراكة مع وكالة المشاريع للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بحيث يتولى مدها بما تحتاج إليه من خبرات واستشارات علمية وثقافية لتوثيق مواقعها الأثرية وتطويرها، والمشاركة بفاعلية في البرامج الثقافية التي تعقدها إدارة المراسم في الإمارة على هامش الفاعليات التي تقوم بها على الصعيدين الداخلي والخارجي.