سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    النفط والذهب يتراجعان    "التجارة" تعطل مجلس إدارة غرفة الرياض الجديد    حماية أجور العمالة المنزلية بدءاً من يوليو    أمير القصيم يقلد العسعوس رتبته الجديدة "لواء"    مكة: القبض على 3 أشخاص لنشرهم إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    الجامعة العربية: استكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء خلال 13 عاما    أمير المدينة يتفقد مركز الترحيب واستقبال الحجاج    محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان .. الأربعاء    ساوثجيت يرد على شائعات انتقاله لقيادة مانشستر يونايتد    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    جامعة طيبة تحتفل بتخريج الدفعة العشرون من طلابها    انطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    300 طالب يشاركون بحلول رقمية إبداعية في "برمجاثون"    ارتفاع عدد كوادر التمريض إلى 235 ألفاً في 2023    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    أمير تبوك يطلع على إنجازات التجارة.. ويرأس اجتماع لجنة الحج.. اليوم    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    جامعة «مالايا» تمنح العيسى الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية    إزالة 23 مظلة وهنجراً عشوائياً في أحياء الطائف    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف.. السعودية تطلق خارطة طريق الطيران    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    حظر «الرموش الصناعية» على العاملات في تحضير الأغذية    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    الخليج يطرح تذاكر مواجهة الاتحاد .. في الجولة 32 من دوري روشن    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    البصمة السينمائية القادمة    نحو سينما سعودية مبهرة    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    نسيا جثمان ابنهما في المطار    إبادة بيئية    تحسينات جديدة في WhatsApp    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    مواد مسرطنة داخل السيارات    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    محافظ جدة يدشن مبادرة " العمل والأسرة"    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    أرتيتا يحلم بتتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي في الجولة الأخيرة    الهلال يوافق على انتقال بيريرا لكروزيرو    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيرغر: السعوديون حذرون.. وعلماء المسلمين لا يراعون الجوانب الإنسانية في الحلال والحرام
نشر في الحياة يوم 07 - 12 - 2010

لعل جامعة لايدن الهولندية العريقة (تأسست عام 1575)، كانت الرائدة أوروبياً في تنفيذ فكرة إعداد أئمة للمسلمين في داخل وطنهم الجديد، إذ بدأت مشروعها قبل خمس سنوات تقريباً، وأرادت بذلك أن تعالج الفجوة التي يعاني منها المسلمون هناك إذ يحتاجون إلى من يفهمهم ويساعدهم في الحياة في مجتمعهم الأوروبي، من دون أن يتعارض ذلك مع دينهم، لا يريدون أن تصبح المساجد منعزلاً عن المجتمع، بل تكون مكاناً قادراً على استيعابهم، وتزويدهم بالعلوم الشرعية بأسلوب يتناسب مع طريقة تفكيرهم المنطقية، تبعاً للمنهج العلمي الذي تعلموه في مدارسهم، والذي لا يصلح فيه الاكتفاء بتلقينهم الحلال والحرام، مع العجز عن إقناعهم ومناقشتهم، وتعريفهم بالآراء كافة، ومساعدتهم في التوصل إلى الصواب بناء على قناعاتهم. وفي خضم المحاولات التي تقوم بها دول أوروبية عدة، للقيام بمشاريع مشابهة، كان من المنطقي أن نسأل عن ثمار التجربة الهولندية، وأن نتعرف عن كثب على الأوضاع هناك بعد أن أصبح «قسم الدراسات الإسلامي» جزءاً راسخاً في الجامعة، وأثبت قدرته على البقاء.
في الحديث الشامل مع البروفيسور ماوريتس بيرغر أوضح الفرق بين دراسة العلوم الإسلامية في دولة إسلامية، وفي جامعة لايدن، والسبب في تمسّك الأوروبيين بحرية التعبير، والتي تؤدي أحياناً إلى غضب المسلمين، كما تحدّث بكل شفافية عن نظرته إلى المملكة العربية السعودية، وشعبها وعلمائها وصورتها في الغرب، وتصوراته عن سبل التعاون الممكنة معها.
الحديث مع عازف العود، ورجل الإعلام، والأستاذ الأكاديمي، والقاضي، الدكتور بيرغر، حديث مع مسيحي بروح إسلامية... فإلى تفاصيل الحوار:
درست القانون والعلوم العربية وعملت محامياً، هل أنت محامٍ عن العرب؟
- محامٍ عن العرب، أم محامٍ عن المسلمين؟ عموماً من وجهة النظر السياسية والاجتماعية أعتقد أننا في الغرب من يحتاج إلى محامٍ للدفاع عنهم، فالمسلمون هم المشكلة، ونحن الغربيين من يحتاج إلى محامٍ، ولكني على أي حال تركت عمل المحاماة كلياً، وأعمل مرة في الشهر قاضياً، في القضايا المتعلقة بالأمراض النفسية، إنه عمل مختلف تماماً.
هل يراعي القانون الهولندي التشريع الإسلامي عند الحكم في العقوبات، فمثلاً حكمت قاضية في العام الماضي ببراءة شخص مسلم ضرب زوجته، وقالت إن ذلك طبيعي عند المسلم والقرآن يسمح بذلك؟
- أنا أرفض ذلك، وأرى أن ذلك خطأ، لأن القانون الجنائي بالذات، لا يمكن أن نجعل فيه استثناءات لكل مجموعة من الناس داخل هولندا، وأرى ضرورة أن تسري الثوابت القانونية الهولندية على الجميع، وأرفض التنازل عن الهوية الهولندية في القضاء.
في أي الدول ترى التأثير الإسلامي وتجد له المكانة العليا؟
- ما المقصود بالتأثير؟ السياسي أم الاجتماعي أم من جميع الجوانب؟ في رأيي ليس هناك تأثير مباشر على المواطنين، ربما كان هناك تأثير ولكنه محدود، أجهزة المخابرات هنا كانت قلقة من تأثير الأموال القادمة في شكل مساعدات مالية للمساجد، وغير ذلك، ربما يكون هناك تأثير، ولكنه من وجهة نظري محدود.
هل تقبل مثلاً كرسياً أكاديمياً من السعودية، كما قبلتم كرسياً من سلطنة عمان؟
- أنا في رأيي ممكن، ولكننا في النظام العلمي في هولندا لسنا معتادين على تقبل مساعدة مالية من الخارج، على عكس النظام الأنجلوسكسوني، الذي يعتبر هذا الأمر عندهم عادياً، وهناك شيء آخر هو كيفية تمويل الكرسي، عندما دفعت سلطنة عمان مبلغاً من المال، يتم تمويل الكرسي من ريعه، وأحصل على راتبي، وليس هناك تدخل على الإطلاق من الجانب العماني فيه.
في رأيك هل تجيد الدول الإسلامية التعامل مع الإسلام في الغرب... أم أن هناك صراعات من أجل الفوز بمساحات أكبر في الغرب؟
- إذا كان المقصود أن تقوم هذه الدول بتقديم تمويل مثلاً في مجال التعليم العالي، لا أعتبره تدخلاً، بشرط ألا يعني التمويل الانتقاص من استقلال الجهة التعليمية، وفي رأيي أن العلاقات تقوم بين وزارات الخارجية، علماً بأن العلاقات بشتى أنواعها مع العالم العربي بالذات، تواجه صعوبات كثيرة. علماً بأنني كنت أعمل في معهد دراسات العلاقات الدولية في لاهاي، وكنا لا نحصل على ردود من العالم العربي، على عروضنا، إذ إن لديهم خوفاً من تأثير أوروبا، أكثر من خوف أوروبا من العالم العربي.
اذكر لي مثلاً محدداً لمشروع تقدمتم به، ولم يأتِ رد أو جاء رفض من العالم العربي؟
- مثلاً عندما يتم عرض مساعدات لمجموعات في العالم العربي بهدف دعم الديموقراطية، تعتقد الدول العربية أننا نحاول أن نمارس تأثيراً، لكن لو حدث العكس لما كانت هناك مشكلة. منذ سنوات عدة تزداد العلاقات صعوبة، ولكن هناك الآن فرصة للتعاون في مجال التعليم العالي، العولمة في هذا المجال مهمة للغاية.
كيف يستطيع المفكّر الغربي أن يتعرف على الإسلام من مصادره الأصلية، من دون صبغات مذهبية أو اختلافات مهما كان نوعها؟
- عندي سلسلة محاضرات نترجم فيها مع الطلاب نصوصاً عن موضوع المرأة في الإسلام، ونقرأ من القرآن والفقه، ولكننا نقرأ أيضاً من تعليقات نقدية من العرب والمسلمين في الغرب، أي من مختلف المصادر، في بعض المصادر نجد أسلوب تفكير غير موضوعي، ونناقش كل هذه الآراء ليس باعتبارها صواباً أو خطأ، بل لبحث كيفية التفكير، وكيف يشرح الشخص القرآن أو الفقه، وهذا في رأيي هو النموذج الوحيد الصالح لدرس هذه القضايا، بالاطلاع على مختلف الآراء سواء أكان الكاتب شيعياً أم سنياً أم سلفياً أم غيره، ونناقشها بأسلوب نقدي.
هل يمكنكم من خلال دراستكم للنصوص مثلاً أن تحكموا على فتوى صادرة من دولة إسلامية بأنها لا تتفق مع مصادر الكتاب والسنة؟
- نعم هذا ممكن. نقرأ الآن مثلاً عن موضوع ضرب المرأة الناشز، وعندي طالبة مسلمة ومحجبة وملتزمة بدينها، وترفض ذلك، وتستند في ذلك إلى مصادر إسلامية، ونلاحظ وجود نقاشات حول هذه القضايا بين الدارسين المسلمين.
الدور السعودي
كيف تقوّم الدور السعودي في تقديم الشخصية الإسلامية في الغرب؟ وكيف ترى شيوخ المملكة؟
- عندي فكرة عن الموضوع، أولاً الأشخاص الذين يتحدثون عن الخارج ولم يزوروا الخارج في حياتهم، ليست عندهم فكرة عن الموضوع، ثانياً هناك كثير من الشيوخ في المملكة يقولون الأحكام والتشريع بشكل عام، باعتبارها أشياء ثابتة، وليس فيها استثناءات، ولا يهتمون بظروف المسلمين، سواء تعلق الأمر بالمسلمين في النروج أم السعودية، وسواء كان ذلك في القرن الثاني من الهجرة أم القرن ال 16، وهناك علماء مسلمون في خارج السعودية، يقولون بأهمية مراعاة الظروف، ويؤمنون بوجود استثناءات، بناء على اختلاف الأوضاع، والأزمان، الشريعة ثابتة، لكن الأحكام يمكن أن تتغيّر.
هل ترى أن المؤسسات السعودية تستخدم آليات جديدة، وأنها قادرة على التحدث بروح العصر؟ أم مازالت متوقفة عند الفكر الثابت؟
- أنا زرت المملكة عام 2002، بعد 11 أيلول (سبتمبر) بسنة، وبصراحة لم أكن أعرف سعوديين سوى السياح القادمين في الصيف في القاهرة ودمشق، وكانت نظرتي إليهم محدودة، ولكن في زيارتي إلى السعودية تعرفت على كثيرين ممن يمتلكون خبرة وآمالاً وأفكاراً كثيرة، ولمست تطورات إيجابية كثيرة، ولكن السعوديين إجمالاً حذرون، يقومون بكل شيء لكن خطوة خطوة.
الإسلام الذي يدرس عندكم بماذا يختلف عن الإسلام الذي يدرس في الدول الإسلامية؟
- الإسلام لا يختلف، ولكن نموذج التعليم هو الذي يختلف، نحن لا نعلِّم الطلاب الصواب والخطأ، بل نموذج التفكير، نعلم الإسلام بمذاهبه كافة.
هل يسعى معهدكم لتأهيل أئمة من الداخل؟ وهل ترفض حضور أئمة من الخارج؟
- نعم أفضّل من الداخل، لأن الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين، هم هولنديو الجنسية، وبصراحة من ناحية الدين هم أكثر تديناً من أهلهم، وهم في الوقت ذاته مواطنون هولنديون، يتحدثون اللغة الهولندية، فإذا ذهبوا إلى المسجد لم يفهموا ما يقوله الأئمة الذين يتحدثون باللغات الأصلية للمهاجرين، كما أن هؤلاء الأئمة ربما لا يفهمون الظروف الاجتماعية والسياسية في هولندا، ولهذا السبب فإن المسلمين هنا يحتاجون إلى أئمة منهم.
هل ترحّب بقدوم طلاب سعوديين من الجامعات السعودية للدراسة عندكم في المعهد؟
- أكيد، وقد تحدثنا في ذلك مع السفير السعودي لدى هولندا، لكن بعض سفراء العالم الإسلامي يعتقدون أن تدريس الدين الإسلامي في بلادهم أفضل، فنقول لهم إن ذلك صحيح، ولكن الإسلام في الغرب المعاصر موضوع مختلف تماماً، وليس عندكم فكرة عنه على الإطلاق، وعندكم فكرة سلبية للغاية عن الإسلام في الغرب لأسباب خاطئة، عندما نزور الدول الإسلامية يقولون لنا أنتم تحرقون المساجد في هولندا، وغير ذلك من هذه الاتهامات. نحن عندنا في هولندا 450 مسجداً، في هذه الدولة الصغيرة، ومسموح بارتداء النقاب في الجامعة، على رغم أنه ممنوع مثلاً في تركيا المسلمة، وفي ألبانيا المسلمة.
هل الليبرالية المطلقة في هولندا هي التي أدت فجأة إلى شعور المواطنين الهولنديين بالغربة في بلادهم في ظل انتشار النقاب والمظاهر الإسلامية في هذا البلد؟
- هناك ليبرالية قانونية وليبرالية ثقافية، الليبرالية القانونية متسامحة جداً، على عكس الليبرالية الثقافية، ليس عندنا مسلمون يريدون قلب نظام الحكم، أو إقامة دولة إسلامية في هولندا، ولكن هناك أشخاصاً متدينين يرفضون مصافحة المرأة الأجنبية، كما فعل أحد أئمة المساجد عندما مدت له وزيرة هولندية يدها لمصافحته، فرفض ذلك! بالنسبة إلى الهولنديين هذا تصرف «قليل الأدب جداً جداً جداً»، وهو أمر يفعله مسلمون غيره من العاملين في المؤسسات الهولندية، بل عندي طلاب يرفضون المصافحة، وهم يقولون إنهم يفعلون ذلك استناداً إلى حريتهم الدينية ولأن دينهم يأمرهم بذلك، ولكن ذلك شيء من الناحية الثقافية قليل الأدب جداً، ويعتبره الكثيرون من الهولنديين دليلاً على رفض المسلمين للمجتمع الهولندي، وهذا تصرّف بسيط ولكنه يوضح المسألة.
كيف تكسب هولندا المهاجرين المسلمين؟
- السؤال هل يعتقد المسلمون أن هولندا هي وطنهم؟ بشكل عام لا، بسبب رفض المجتمع لهم، أي أن سلوكهم هو رد فعل على رفض المجتمع الهولندي للمسلمين، ويقول المسلمون إنهم يريدون أن يكونوا هولنديين مع الاحتفاظ بهويتهم المسلمة، بعض الهولنديين يطالب المسلمين بالتخلي عن هويتهم المسلمة، أو هويتهم المغربية والذوبان في المجتمع الهولندي، وعندها لا يهم أن تكون مسلماً أو غير ذلك، مادمت مواطناً هولندياً.
هل تتعرض للاتهامات بأنك موالٍ للمسلمين ومتغاضٍ عن عيوبهم، عند محاولتك الدفاع عنهم؟
- نعم، لكن الحقيقة، أنني أوجّه نقدي للجمهور الذي أتحدث إليه بصورة أكثر من الجمهور الذي أتحدث عنه، وأحاول أن أشرح لكل جمهور «الطرف الآخر»، ولذلك حين أتحدث إلى المسلمين أحاول أن أشرح لهم ما يشعر به الهولنديون، وحين أتحدث مع الهولنديين أحاول أن أوضح لهم ما يشعر به المسلمون. على فكرة الحي الذي كنت أعيش فيه أصبح الآن حياً مغربياً بحتاً، ويسميه السكان الهولنديون في المدينة، «المغرب الصغير».
وإذا ذهب أهلي معي للخباز هناك لا يفهمون شيئاً، لأن الحديث هناك باللهجة المغربية فقط، أو اللغة البربرية، المسلمون لا يدركون أنهم منذ جاءوا في السبعينات، حدثت ثورة اجتماعية خلال هذه الفترة القصيرة. كان المسلمون في الماضي في إسبانيا على حدود أوروبا، والعثمانيون كانوا على حدود أوروبا، ولكنهم حالياً يقيمون في الداخل، في قلب أوروبا، معنا كمواطنين، حدث ذلك كله فجأة، في خلال 10 إلى 20 سنة، أصبح الحي مغربياً.
هذا ما أقوله للمسلمين، ولكن عند حديثي مع الهولنديين أتحدث بأسلوب مختلف، أحاول أن أجعلهم يتفهمون المسلمين، وأن أقوم بالتقريب بين الجانبين، وأسألهم ما هو الاختلاف بين المسلمين وبينكم، هل هو الدين؟ المهم أن تفرقوا بين الإسلام كدين والمسلمين كأشخاص، وحتى لو قال الإسلام بقطع يد السارق، ولكن ما يهمني هو الإنسان المسلم المقيم معي، وهل هو يريد تطبيق ذلك الحد هنا أم لا.
حرية الرأي و الكاريكاتير
هل تستحق حرية الرأي وحرية التعبير التي استند إليها رسام الكاريكاتير في الصور المسيئة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، أن أهدد من أجلها علاقتي بالمسلمين في الداخل والخارج؟ أم أن الأمر مبدأ ولا أسمح بأن يفرض عليّ أي طرف أن أتنازل عن ثوابتي من أجل إرضاء المسلمين؟
- هذا سؤال صعب بالنسبة إليّ، سؤال مهم ولكنه صعب، المسلمون في العالم الإسلامي بشكل عام، يطلبون من العالم الغربي أن يغيّر قوانينه بحيث لا تسمح بازدراء الأديان، ولكننا في الغرب لا نفرض حصاراً على الأفكار أو الأيديولوجيات أو الأديان، لأن ذلك ضمن حرية التعبير، قل ما شئت، نحن ندافع عن الأشخاص، وليس عن أديانهم، وهذه المشكلة من الناحية القانونية.
عندنا تاريخ وتراث، وتقاليد بحرية النقد، وحتى الأشخاص الذين يقدمون الكوميديا، يكونون قساة جداً في سخريتهم، والرسوم الكاريكاتيرية بالنسبة إلينا ليست شيئاً مقارنة بالسخرية اللاذعة للدين المسيحي، ونحن نضحك على ذلك، عندنا عدم الحساسية والإحساس بالفكاهة، وهذا هو صدام الحضارات، في العالم العربي ليس الممنوع مقتصراً على السياسة، بل يشمل الثقافي والإنساني، إذ ممنوع النقد للأهل أو للسلطة أو للدين، عندنا بالعكس ننتقد الأهل والسلطة والدين.
هل معنى ذلك أنه ينبغي على الغرب أن يتمسّك بحرية الرأي، حتى ولو غضب الآخرون؟
- نعم، ولكن يجب أن يكون الحديث متصفاً بالأدب وبالرحمة، والاحترام، ولكن لا يمكن فرض قوانين لتنظيم الحديث وكيف يكون مؤدباً، هذا غير ممكن، وهذا يسري على الجانبين، على حساسية الإسلام، وعلى حرية الرأي، فالشارع يقول إننا نحتاج إلى قوانين جديدة، ولكن رأيي أننا لا نحتاج إلى قوانين، إذ إننا كأفراد في المجتمع قادرون على النقاش سوياً، ونختلف مع بعض، ولكن إذا قنّنا السلوك الأدبي أصبحنا مثل أنظمة الحكم الدينية، وهذا ما لا نريده.
من الناحية القانونية النقاب مسموح به، ولكن من الناحية الثقافية هل يتقبل المجتمع النقاب؟
- لا، بشكل عام لا، وهذا شيء ثقافي، نحن في هولندا عندنا في تاريخنا نجد مذكرات فرنسيين وروس وإنكليز يتفقون على أن «الهولنديات وجوههن مكشوفة، وهن ينظرن إليك»، وهذا شيء ثقافي موجود عندنا، النساء الهولنديات عندهن ثقة بالنفس، عندنا كشعب هولندي اهتمام بالنظر إلى من أمامنا في وجهه المكشوف. الحجاب مقبول، ولكن النقاب لا.
هل يتم النظر إلى الأشخاص الهولنديين الذين يعتنقون الدين الإسلامي باعتبارهم متطرفين؟ كما تزعم السلطات الأمنية في عدد من الدول الأوروبية؟
- نعم يتم النظر إليهم باعتبارهم متطرفين، ولكن طبعاً هناك استثناءات.
هل هناك إسلام أوروبي؟
- الإسلام هو الإسلام، لكن التطبيق يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، كان هناك مؤتمر للمسلمين في بروكسيل، جاءوا من إنكلترا وهولندا وفرنسا وألمانيا، وكانوا يعتقدون أنهم مسلمون مع بعضهم بعضاً ويمكنهم مناقشة المواضيع والمشكلات المشتركة، ولكن المسلمين الهولنديين كانوا يتكلمون كهولنديين، والمسلمين الألمان تحدثوا كألمان، والمسلمين الإنكليز تحدثوا كإنكليز، لوجود اختلاف في الخطاب الإسلامي في كل دولة من هذه الدول.
ومن هذا المؤتمر تبيّن أن المسلمين يختلفون باختلاف الدولة التي يحملون جنسيتها، على رغم أن الإسلام يشكّل هويتهم. البعض يتكلم عن الإسلام الأوروبي باعتباره إسلاماً ليبرالياً، وهذا يعبّر فقط عن أمل لديهم، طبعاً نتمنى في المستقبل أن يكون الإسلام هنا ليبرالياً، ونحن كأوروبيين ليبراليين، كنا نعتقد أن قدوم الإسلام إلى هنا سيجعله إسلاماً ليبرالياً، ولكن الحقيقة العكس هو الصحيح، الجيل الثاني أكثر تديناً من الجيل الأول، ونحن نستغرب من كون الجيل الثاني أكثر تشدداً، كنا كأوروبيين ليبراليين نعتقد أن المسلم الذي سيأتي إلى هنا سيكون ليبرالياً.
السبب في ذلك ... هو الإنترنت أم المساجد أم غيرهما؟
- هناك أسباب عدة، الإنترنت عامل صغير منها، السبب الأول هو بحث الجيل الثاني في العالم كله عن هويته، الجيل الأول لا يواجه هذه المشكلة، على عكس الجيل الثاني، والسبب الآخر أن المسلمين في هولندا يشعرون بأن المجتمع يرفض الإسلام ويرفض المسلمين، وكرد فعل يصبح الجيل الثاني أشد تمسّكاً بإسلامه.
لماذا يشعر الشاب المسلم بالغربة في هذا المجتمع، وبازدراء للمجتمع الغربي الذي يشرب الخمر ويقيم علاقات خارج الزواج؟
- موجود هذا الاتجاه، ويتبناه قسم من المسلمين، وبعضهم يرفض المجتمع باعتباره مجتمعاً غير أخلاقي، ولكن هناك مسيحيين أيضاً يتبنون هذه الآراء نفسها عن المجتمع الهولندي، ويعيشون في مناطق في هولندا معزولة عن بقية المجتمع، ولا يربطهم بالدولة الهولندية سوى دفع الضرائب، وإذا ذهبت إلى هناك يوم الأحد وأنا أرتدي بنطلوناً قصيراً (شورت) فإنهم يقذفونني بالحجارة، أي أنه إلى جانب وجود متطرفين مسلمين، هناك متطرفون مسيحيون، ومن حق الجميع الوجود.
هناك مجموعة أخرى كبيرة من المسلمين تلتزم بأحكام الدين من صلاة وصيام وغير ذلك، ويعتبرون أنفسهم هولنديين، وهم مسلمون أقوياء لأنهم في المجتمع الهولندي أقلية، ولكنهم يصومون والناس حولهم يأكلون في كل مكان، ولذلك أعتبرهم مسلمين أقوياء، وهناك مسلمون ذابوا في المجتمع، وتخلوا عن إسلامهم.
هل أخطأت هولندا في اختيار نوعية المهاجرين إليها من العمال البسطاء غير المتعلمين، على عكس الولايات المتحدة التي تختار أكاديميين مثقفين
- لم يكن استقدامهم آنذاك خطأ، في الخمسينات والستينات كانت أوروبا مدمرة، وكنا محتاجين لهذه النوعية من الأشخاص.
ولكن تسبب ذلك في مشكلات الآن، أليس كذلك؟
- كان العمال آنذاك يعتقدون أن بقاءهم موقت، ولكنهم بقوا، فبناء على ميثاق حقوق الإنسان الأوروبي، كان من حق العامل أن يأتي بأهله، وفي السبعينات والثمانينات حدث التغيّر الكبير وحضر الكثيرون، ولعل إحدى مشكلات المسلمين في الغرب هي نقص المرجعيات الدينية، من العلماء والشيوخ.
الشريعة لا أحد يعرفها
البعض ينتابه الخوف من مصطلحات انتشر استعمالها في هولندا على يد الحزب اليميني المتطرف مثل الشريعة وفتنة وتقية. فهل يمكن تصحيح مفاهيم هذه المصطلحات؟
- عندما أتحدث مع المسلمين، دائماً أسألهم: «ما رأيكم في الشريعة؟» فيقول 90 في المئة منهم، إنهم يؤيدون الشريعة، وسؤالي الثاني لهم: «ما هي الشريعة؟»، فلا تكون عندهم فكرة، ربما يقولون إنها الأشياء الطيبة فقط، فأسألهم هل تريدون قطع اليد هنا أيضاً؟ فمنهم من يقول نعم إننا محتاجون إلى ذلك هنا أيضاً، ولكن هناك أيضاً هولنديين يطالبون بأحكام صارمة، وفي المقابل أسأل الهولنديين عن رأيهم في الشريعة، فيقولون لا نريدها، ولكن هم أيضاً ليست عندهم فكرة عن الشريعة، إذاً فالمسلمون والهولنديون لا يعرفون معنى الشريعة، الصحافيون والسياسيون يقولون كلاماً ساذجاً عن الشريعة، وليست عندهم أدنى فكرة عنها.
هل يتعارض الإسلام مع الولاء لدستور أوروبي؟
- المسلمون من الجيل الثاني هنا مشكلتهم أنهم يقولون هذا حرام وهذا حلال، وللأسف كثيراً ما تقرأ من علماء السعودية اقتصار الدين على الحلال والحرام، فأين النواحي الإنسانية؟ للأسف غير موجودة، في مرة كان صديقي وهو عالم من سورية، يزور هولندا في إطار ورشة عمل لطلاب مسلمين تتراوح أعمارهم بين 20 و 25 سنة، جاءوا وهم غاضبون لأنهم سمعوا عن العنصرية في هولندا، وبعد أسبوع من بقائه هنا قال لي إنه جاء من سورية وهي دولة مسلمة، لكنها بلد غير إسلامي، أما هولندا فهي غير مسلمة، ولكنها بلد إسلامي، هولندا أكثر إسلاماً من دول كثيرة مسلمة، فيها أخلاقيات ومبادئ، إسلامية أو إنسانية عموماً، والجيل الثاني من المسلمين هنا يقول إن عندهم حرية دينية في هولندا أكثر من العالم الإسلامي.
ولكن مشكلتنا ليست حرية الدين، بل حرية التعبير، التي تتسبب في شتم الإسلام، هذه مشكلتنا. عندي طالبة تقول لها أمها أن تخلع حجابها، ليسهل عليها أن تحصل على وظيفة، فردت عليها ابنتها بأنها هولندية أكثر منها مغربية، وحرية العقيدة مكفولة أكثر من وطن أهلها، وهويتها إسلامية، ومعترف بها في هولندا، ولا يتسبب حجابها في أي مشكلة، وهذه حقيقة الجيل الثاني. هؤلاء الشباب المسلم المتدين جداً، يكون أكثر نقداً للدول العربية والإسلامية، ويتساءلون أين العدالة؟ لأنهم يؤمنون أنه إذا غابت العدالة غاب الإسلام. ومن المهم أن نستمع إلى الشباب.
الملك عبدالله يقوم بالكثير من الإصلاحات في المملكة، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، فهل تلاحظون ذلك؟
- معرفتي عن تاريخ المملكة والمجتمع السعودي بسيطة، ونحن كمراقبين في الخارج، نلاحظ وجود تطورات، ولا نعتقد بإمكان أن يتوقف المجتمع السعودي في مكانه، ربما يتراجع أحياناً، ولكنه يعود ليواصل المسير إلى الأمام.
ما هي صورة المملكة في هولندا؟
- تعاني صورة المملكة من بعض السلبيات، بسبب الفصل بين الجنسين، وقضية حقوق المرأة، والقانون الجنائي وتطبيق الحدود، وحقوق الأقليات الدينية، وممارسة الدين من دون تسامح.
يسأل المسلمون دوماً: لماذا ينتقد الغرب ديننا ولا يتجرأ على انتقاد الديانة اليهودية؟ فما رأيك؟
- هل تعرف أن العنصرية ضد اليهود موجودة هنا في هولندا، لكنها موجّهة ضد الإنسان اليهودي، ضد الأشخاص اليهود، ليست ضد الدين اليهودي، على عكس العنصرية التي تواجه الدين الإسلامي، إنها ليست موجّهة ضد المسلمين كأشخاص، ومن ناحية القانون الجنائي هذه مشكلة، لأن القوانين عندنا كما قلت لك تدافع عن الأشخاص، ولا تدافع عن الأديان، هذا هو الفرق.
ولذلك إذا عاديت يهودياً يقال لك أنت معادٍ للسامية؟
- إن اليهود عانوا من العداء للسامية، والتي تعادي اليهود كأشخاص، في حين أن المسلمين يعانون من ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي تعادي الإسلام كدين، ولا تعادي المسلمين كأشخاص.
معنى ذلك أنه لا مبرر لنشر الخوف من أن تصبح هولندا بعد 20 عاماً دولة إسلامية؟
- نعم لا مبرر لذلك، ولكن هناك ظواهر تجعلهم يشعرون بالخوف، كما ذكرت لك خلال 20 عاماً أصبح الحي الذي أسكن فيه مغربياً خالصاً، هذا هو «الاحتلال الإسلامي».
الإسلام والمسلمون سيصبحون شيئاً طبيعياً في أوروبا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.