ليس الخبر كالمعاينة) حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الطيالسي، وهذا ما سيطرحه المقال من وسط الحدث، ومن معاين ومستفيد من قطار المشاعر. في البدء لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن فكرة القطار فكرة رائدة تأخرنا في تنفيذها كثيرا،وهي تعني اختصار الوقت والقضاء على زحام الحافلات، وسهولة الانتقال بين المشاعر، وبانطلاق قطار المشاعر تدخل خدمات الحج مرحلة جديدة بآليات ورؤية مستقبلية متطورة، وترتبط المشاعر في ما بينها بحركة ترددية آلية، وقدرة استيعابية عالية تصل إلى 100 ألف حاج في الساعة كما صرح بذلك مدير عام المشروع. ولأهمية هذا القطار رصدت لها حكومة خادم الحرمين الشريفين مبلغا سخيا يقدر بنحو 6.7 مليارات ريال سعودي. ذلك وغيره كثير نسمعه عن القطار المهم، ولكن التجربة جعلتنا نسجل الملاحظات التالية: أولا: طريقة التفويج تمت بطريقة عشوائية، فإلى الساعة الحادية عشرة من ليلة عرفة لم يعرف الحجيج وقت التفويج للقطار، اللهم إلا تخمينات من هنا وهناك، وإشارة إلى احتمالية التفويج مابين الساعة 7 إلى 11 صباحا، وعليك أن تتخيل مرارة الانتظار من بعد السابعة حتى جاءت ساعة الفرج الساعة التاسعة، وأعتقد أن من حق المستفيد أن يبين له وقت التفويج بالساعة والدقيقة لا سيما أنه قد دفع 250 ريال، وعلى المسؤولين أن يلتفتوا إلى أهمية ضبط وتنظيم عمليات التفويج. ثانيا: ومن الانطلاقة من الحملة وحتى ساعة استقلال القطار قضينا ساعتين، أي: مابين التاسعة وحتى ال11، ابتداء من زحمة المصعد نظرا لوجود من يحتاج له بين أظهرنا، ولأن محطة القطار لم تزدان إلا بمصعدين فقط، اضطرنا أن نقف ساعتين خلف طوابير البشر المتراكمة ما بين منى وعرفة، وكذلك في النفرة من عرفة إلى مزدلفة حتى قررنا ألا نركبه مرة أخرى، لأن صعود السلالم للمضطرين أهون من الانتظار الطويل وزحمة البشر. ثالثا: وصلنا بحمد الله إلى محطة القطار بعد ساعتين من الانتظار في انتظار قطار المشاعر الحلم الذي طالما انتظرناه، ففوجئنا بقطار لا يتطابق مع مانشر عنه من مواصفات ومقاييس، ذلك أن القطار حتى يقف بجوار الباب الزجاجي لم يضبط إلكترونيا للوقوف بل ستسمع من يقول له بالمكبرات للإمام قليلا حتى يتطابق باب القطار مع الباب الزجاجي وكأننا لسنا في عصر العولمة العصر التقني، ثم سيطرق سمعك طامة ليست بأقل من سابقتها تحذير: انتبه بين القطار والباب مسافة سنتيمترات كن على حذر، لأن قدمك لو سقطت لا سمح الله ستكون شهيد قطار المشاعر؟ فأين أعين المهندسين والمنفذين والشركة الصينية وسسترا الفرنسية والاتحاد الفدرالي الألماني عن مثل هذا الخطأ الذي يودي بأقدام البشر ؟. رابعا: ركبنا بحمد الله القطار، وتفاجأت بعد أن عقدت مقارنة سريعة بين قطارات العالم (الميترو) التي استقليتها في بلاد العالم ولم يصرف عليها ربع ميزانية قطار المشاعر وبين قطار المشاعر، عدد الكراسي المحدود جدا في المركبة حتى إن نصف السيدات إن لم يزد ذلك صرن واقفات بعد أن نفذت المقاعد المحدود التي لم يجلس عليها رجل واحد، وهل هذا التصميم الحضاري هو نتاج تجارب الشركات الألمانية والفرنسية والصينية، وما الفارق بين قطارات العالم ذات المستوى المتقدم جدا وقطار المشاعر، وهل يعقل أن المسؤولين والمنفذين راضون عن القطار بهذه الصورة؟ خامسا: وصلنا بحمد الله إلى عرفة، ومع محدودية العدد الذي ازدحم به القطار ذو المسارين، تفجأك طريقة التفويج التي اعتمدت على اجتهادات أصحاب الحملات، وكأنك في مطار جدة وأصحاب الحملات كل ينادي على أصحابه، وننتظر ساعة إلا ربع حتى يجتمع الركب، فذهبت بي الذاكرة للمستقبل، وكأني بالقطار يخدم الملايين بدل المئات، ما الذي سيحصل؟ وما مصير الحجاج في مثل هذه الفوضوية. استغرق طريقنا في القطار وإن شئت فقل رحلتنا: أربع ساعات وزيادة من منى إلى عرفة، ومن عرفة إلى مزدلفة، مع العلم أن مخيماتنا كانت قريبة من محطة القطار جدا، وللإضافة فإن الوقت من لحظة ركوب القطار إلى الوصول للمحطة الأخرى لم يتجاوز التسع دقائق، فالخلل إذن في طريقة التفويج والعشوائية في التنظيم، وعدم تكامل الخدمات في محطة القطار, وقد قررت بعدها ألا أتمتع بهذا القطار في حج هذا العام مع إمكانية التنقل به بين محطات منى الثلاث، لأني آمنت أن انتقالي بقدمي سيوفر لي كثيرا من الوقت. بقي أن أطرح سؤالا ملحا أليس قطار المشاعر مشروع حيوي مهم لخدمة ضيوف الرحمن، ودعم منظومة النقل في الحج وفقا لمعايير عالمية وتقربا إلى الله بخدمة ضيوف الرحمن، فهل روعيت عملية التقييم الدقيقة جدا لهذه التجربة؟ وهل سيستفاد من وجهات نظر المستفيدين منه، لتلافيها في السنوات القادمة على أمل أن يحقق القطار أعلى درجات النجاح والتميز. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]