تراجع أسعار النفط    مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة بشأن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم "أرض الصومال"    الصين تجري مناورات عسكرية لليوم الثاني على التوالي حول تايوان    قيادة القوات المشتركة للتحالف (تحالف دعم الشرعية في اليمن): تنفيذ ضربة جوية (محدودة) استهدفت دعم عسكري خارجي بميناء (المكلا ).    مجلس الاقتصاد والتنمية: ارتفاع مستويات الإنتاج الصناعي واستقرار معدل التضخم    غزال ما ينصادي    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    "مسك" تحتفي بتخريج "قيادات واعدة"    رونالدو يُشعل الصحف العالمية بثنائية الأخدود    تتويج أبطال المملكة للمبارزة    "المدينة المنورة" لذوي الإعاقة يتوج بكأس السوبر    300 ألف متطوع في البلديات    فيصل بن بندر يزف 106 من أبناء «إنسان» للحياة الزوجية    معرض «بصمة إبداع» يجمع مدارس الفن    وزير التعليم يزور جامعة حائل    غياب ضعف وتراجع!    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    افتتاح أول متنزه عالمي بالشرق الأوسط في القدية    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    «عريس البراجيل» خلف القضبان    أمانة جدة تتلف 4 أطنان من اللحوم الفاسدة    حكاية وراء كل باب    نتنياهو يسعى لخطة بديلة في غزة.. حماس تثق في قدرة ترمب على إرساء السلام    نقص حاد في المساعدات والمأوى.. والأونروا: الشتاء القاسي يفاقم الكارثة الإنسانية في غزة    أكد أهمية الكليات والهاكاثونات في تحفيز الإبداع.. السواحه: تمكين رواد الأعمال من التوسع في مجالات التقنية    رامز جلال يبدأ تصوير برنامجه لرمضان 2026    تدريب 320 مراقباً في مبادرة «رافد الحرمين»    التقدم الزمني الداخلي    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    المزارع البعلية.. تراث زراعي    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    في روشن.. الحزم يعبر الرياض.. الفتح يواصل صحوته والتعاون يصعق النجمة    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. تونس تسعى لعبور تنزانيا.. ونيجيريا تلاقي أوغندا    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    محمد إمام يحسم جدل الأجور    %69 من مساكن المملكة بلا طفايات للحريق و87% بلا أجهزة إنذار    اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    رهانات وقف النار على غزة بين اختبار المرحلة الثانية وسيناريو التعثر    التعاون لوصافة دوري روشن بالفوز على النجمة    الهلال والنصر يسيطران على الريشة    السعودية وإدارة التحولات الإقليمية    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    رئاسة أمن الدولة تستضيف التمرين التعبوي السادس لقطاعات قوى الأمن الداخلي "وطن 95"    بلدية محافظة بيش تواصل أعمال النظافة اليومية بالكورنيش حفاظًا على الشاطئ وراحة الزوار    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنة «أركون» تتوسع بعد رحيله... وتشكيكه في «القرآن» لم يُبقِ له صديقاً!
نشر في الحياة يوم 01 - 10 - 2010

غيب الموت قبل نحو أسبوعين الكاتب الفرنسي من أصل جزائري محمد أركون، بعد نحو عقدين، سخّرهما لنقد ما سماه «العقل الإسلامي»، إلا أنه في ذلك العمل الذي تعددت أجزاؤه وعناوينه، في رأي المفكرين حتى المتنورين، لم يكن سوى جاحد للنصوص المقدسة التي يقوم عليها بنيان الدين الإسلامي الذي ينتسب إليه.
إلا أن ذلك لم يدفع بالمنصفين، إلى الزعم بأن جميع ما كتبه الراحل يخلو من فائدة نقدية، وإن اتفقوا على سلوكه سبيل عدد من المستشرقين الذين استغلوا بحوثهم التراثية في محاولة تقويض مصداقية ما يؤمن به المسلمون من ثوابت.
وهذا ما دفع أكاديمياً سعودياً مثل الدكتور عبدالرحيم السلمي إلى اعتبار من يترحم ويظهر تعاطفاً مع أركون «إما جاهل بفكره ويحب أن يتكلم فيما لا يعلم، وإما منحرف في عقيدته ودينه ولا يعرف حقيقة الإسلام»، فالراحل من وجهة نظر السلمي «من أكثر العلمانيين العرب تطرفاً في التعامل مع القرآن ونصوص الوحي، ومادته مأخوذة من غلاة المستشرقين، وأتعجب كثيراً ممن فتن بالدفاع عنه وعن (أبو زيد) ويقيمون مآتم وأروقة عزاء وهم ممن ينتمون إلى الفكر الإسلامي».
النظرة إلى القرآن
إذا كان هذا الحكم عاماً في حق الراحل، فإن باحثاً آخر هو الدكتور محمد حامد الأحمري، يفسر لنا من جهته لماذا استحق أركون أن يوصف بعدوّ الوحي.
وقال «لو تجاوزنا قضية شكه في القرآن وردّه للسنة من باب أَوْلى فماذا يفسر به القرآن وكيف يفهمه، إنه يقول: «إن القرآن - كما الأناجيل - ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً، أما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس - اعتقاد الملايين - بإمكان تحويل هذه التعابير المجازية إلى قانون شغال وفعال، ومبادئ محدودة تطبق على كل الحالات وفي كل الظروف».
ويقول في موضع آخر: «إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تُتلقَّى بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير محورة عن مطامح ورؤى وعواطف حقيقية يمكن فقط للتحليل التاريخي السيولوجي والبسيكولوجي اللغوي - أن يعيها ويكشفهما».
ويرى أن القرآن عمل أدبي لم يدرس كما يجب إلا من قِبَل ندرة أهمهم عنده «محمد أحمد خلف الله» عندما كتب عن القصص الفني في القرآن وقال إن القصة القرآنية مفتعلة، ويتحسر على عدم استمرار «خلف الله» ويذكر أن الأسباب التي لم تمكن «خلف الله» في عمله أنه راعى الموقف الإسلامي الإيماني أولاً، وثانياً: لنقص المعلومات.
إذاً - كما يرى الأحمري -: «آل الأمر إلى أركون الذي سيهاجم القرآن، لأنه لا يراعي الموقف الإسلامي الإيماني لأنه مطلع على الأبحاث الجارية. ومع زعمه أنه يعرفها والتي كتبها فوكو والحاخام دريدا؛ فإنه يظهر للقارئ بشكل يجعله لا يثق في قدرة أركون ولا أنه فهم ما زعم فهمه من قضايا المعرفة ونقد اللاهوت ونظريات البنيوية وما بعدها».
نزع الثقة من القرآن
وأما أخطر ما قاله الأحمري في مقالة نشرها في حياة الراحل، فهو حديثه عن الأهداف التي تتقاطع عندها أقوال أركون في القرآن والشريعة والسنة، إذ رأى أن أهم تلك الأهداف: «من أهم ما يهدف له أركون في كتاباته المكررة والمملة نزع الثقة من القرآن الكريم وقداسته واعتباره نصاً أسطورياً قابلاً للدراسة والأخذ والرد. وهو يغالط كثيراً في معنى كلمة «أسطورة» ويقول: إنه يعاني من صعوبة هذه الكلمة على أسماع العرب الذين يربطون بين هذه الكلمة والأكذوبة أو الخرافة، لكن ما هي الكلمة التي يستخدمها أركون في تعبيره عن القرآن باللغة الفرنسية التي يكتب كل كتبه بها».
ووثق الأحمري كيف أن الباحث «استخدم كلمة MYTHE وبالإنكليزية MYTH والكلمتان كلتاهما تعنيان الخرافة أو الحكاية، والكلمتان جاءتا من الكلمة الإغريقية MUTHOS وهي تعني في جميع اللغات الأوروبية حكاية خرافية شعبية تتحدث عن كائنات تجسد - بصورة رمزية - قوى الطبيعة والوضع الإنساني.
ثم إذا سلم بهذه الأسطورة - بزعمه - فإنها أولاً لم تصلنا بسند مقطوع الصحة، لأن القرآن - كما يقول - لم يُكتب كله في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل كُتب بعض الآيات ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد وهذه من المغالطات التي يسوقها أركون بكل سهولة ويخلط فيها ما بين قضية الجمع وقضية الكتابة، ويزعم أن الظروف السياسية هي التي جعلت المسلمين يحافظون فقط على قرآن واحد ويتركون ما عداه».
مقارنة الإنجيل بالوحي
ومن أجل أن يمهد أركون لما يريد من إنكار القرآن سنداً في أول الأمر يقول الأحمري: «يدخل بعد ذلك إلى نصوص القرآن فيشكك في القصص والأخبار ويرى أن التاريخ الواقعي المحسوس هو الذي يحاكَم إليه القرآن، فالأخبار والآثار التاريخية هي الموثوقة! ولنقرأ له هذا النص الذي يجد القارئ في كتبه كثيراً مثله، يقول: «ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس».
ويجمل الباحث الأحمري خلاصة فكر الراحل في أنه «يرى القرآن والكتب السابقة تعاني من سياق واحد، ويضع القرآن مع الأناجيل في مستوى من الثبوت والدراسة واحد، ويرى أهمية النقد والتجديد».
وعمله هذا النقدي السلبي النافي «الذي يمسخ كل الحقائق وكل المعاني»، كما يقول منتقده لا يراه الأحمري بحال قابلاً لأن يكون «مذهباً فكرياً بديلاً؛ بحيث يحل محل شيء من الفرق أو الجماعات التي وجدت على الساحة الإسلامية وليس بأسلوب يمكن قبوله من قِبل السنة أو الشيعة؛ ذلك أنه يلغي الجميع ويرى العدمية التي يقدمها هي البديل أو التجديد، فالشك والجحود بكل شيء لن يكون أبداً بديلاً للإيمان، إذ هذا العدم لا يكون ديناً ولا يبني خلقاً».
المراوغة والتمرير
من جانبه، يشير الأكاديمي المختص في الفلسفة من جامعة الملك عبدالعزيز ياسر المطرفي إلى جزئية اعتبرت من أساليب الراحل في إيصال أفكاره وإيقاع الآخرين في حبائلها من غير أن يشعروا.
وذلك عند تناوله في إحدى فقرات بحث له عن أركون، مسألة طبيعة الخطاب الذي كان وعاء لأفكار الباحث الجزائري.
وقال: «أركون يتراوح نصه بين الوضوح تارة والغموض تارة أخرى، خصوصاً كلما اقتربنا من المناطق الخطرة، وهذا ما جعل أدونيس يقول: «إن أقرب مفكر على ملامسة هذه المسلمات، ولكن بشكل مداور وغير مباشر هو محمد أركون... إن محاولة أركون تحتاج إلى مزيد من الجرأة وإلى مزيد من التوسع وإلى مزيد من البناء على الأطروحة التي يقدمها، وهو يعترف بذلك، وأنا ناقشته أكثر من مرة، ولديه خشية من أن يؤدي ما يقوله إلى أن يدفع حياته ثمناً لذلك، وهو ليس مستعداً كما قال لي، ليدفع هذا الثمن». [الحداثة وانتقاداتها إعداد محمد سبيلا وعبدالسلام بن عبدالعالي ص 90.
ويشير إلى هذا المعنى علي حرب عندما يتحدث عن موقف أركون من موضوع القرآن، إذ يقول: «يبدو لي أن أركون يتردد في الإجابة، إنه يجيب كل مرة إجابة مختلفة، تنبي عن الحرج والخشية في مواجهة هذه المشكلة الحساسة، بل هو يلجأ إلى الحيلة والمداورة، بمعنى أنه يجيب ولا يجيب...» [الممنوع والممتنع 119].
ولكننا بالرغم من ذلك نستطيع القول: إن أركون من خلال مجموع كتبه استطاع أن يقول أغلب ما لديه على أقل تقدير».
خمس سنوات مع أركون
مع ذلك تبقى الشهادة الأسوأ في حق الراحل، إذ جاءت على لسان الباحث عبدالله المالكي الذي كانت رسالته في الماجستير عن فكر أركون، إذ قال « قبل 5 سنوات سجلت رسالتي حول المفكر الفرنسي محمد أركون، وكان عندي شيء من التقدير والإعجاب به وقتها، لبعض الجوانب التي تصورتها من خلال كتاباته التي قرأتها بشكل سريع في مرحلة البكالوريوس، لكن بعد 5 سنوات وبعد أن عشت مع أركون ليالي وأياماً مع فكره ومع المنابع والأصول والمرجعيات التي بنى من خلالها منهجيته وانطلق منها في قراءة التراث، بعد كل ذلك وبعدما سلمت رسالتي لم يبق في قلبي أي تقدير ولا إعجاب ولا احترام لهذا الرجل، ولا أجد أي دافع أو مبرر يدفعني للترحم عليه، وإن كانت رحمة الله واسعة وسعت من هو أشد من أركون، أقول ذلك وأنا بكامل حريتي وإرادتي، الحرية هي التي جعلتني أترحم على محمد عابد الجابري، وأتوقف عند محمد أركون، ومع ذلك فالرجل أفضى إلى ما قدم، ورحمة الله واسعة لا تنتظر دعوتي ولا دعوة فلان (...) إلا أن موقفه الجذري من الوحي والقرآن، فعلاً لم يبقِ في قلبي أي احترام»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.