لطالما عرّف العلماء، الذكاء بالقدرة على التركيز، وكشفت الأبحاث أن عقول الأذكياء تُصفي المعلومات غير المهمة وبالتالي تصبح لديهم قدرة أكبر على التركيز. وبينت دراسة نشرت في دورية "الوراثة البشرية" في أيار (مايو) 2016، أن التركيز هو العامل المشترك بين الأطفال النوابغ والتوحد، إذ قام العلماء بفحص 11 عائلة فيها أطفال نوابغ، ليجدوا أن في كل عائلة هناك على الأقل شخصاً واحداً مصاباً بالتوحد. وذكرت الطبيبة المشرفة على الدراسة، كريستوفر بارتليت، أن هناك كروموسوم مشترك بين الطفل النابغة والمصاب بالتوحد، وأن بنيته هي ذاتها في شكل عام، إلا أن هناك اختلافاً في جين واحد أو أكثر، أي أن النابغة أخذ إيجابيات التوحد من دون سلبياته. وأوضح أنه يعمل على أبحاث على جين الطفل النابغة، الذي من المتوقع أن يساعد في علاج التوحد. وأكد وجوب إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد هذا الرابط، إلا أن النوابغ قليلون، فمنذ مئة عام إلى الآن لم يظهر سوى 20 طفلاً ذوي مواهب غير اعتيادية. ويعتبر الطفل "النابغة" هو الذي يستطيع تقديم مستوى عال في مجال صعب، قبل بلوغه سن المراهقة، مثل موزارت مثلاً الذي كتب أول سيمفونية له وهو في التاسعة من عمره. وأظهرت الإحصاءات أن من بين كل خمسة ملايين هناك نابغة واحد فقط. ولكن ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى الأشخاص العاديين؟ وهل يمكننا الاستفادة من هذه الدراسات عندما يتعلق الأمر بهم؟ هذا ما فكر به براين غريسكو عندما اكتشف هذه المعلومات، وقام بمحاولة ربطها بالشخصيات الانطوائية. ويميل الانطوائيون إلى النشاطات الفردية ويفضلون التركيز على شيء واحد بدلاً من التشتت، ويظهر ذلك خصوصاً على الصعيد الاجتماعي فهم يفضلون الاجتماع بالأصدقاء المقربين وينزعجون من النشاط الاجتماعي الزائد والاشتراك فيه. وقال غريسكو، الذي يعتبر نفسه انطوائياً، إنه لطالما أجبره والده بأن يخرج للعب مع أصدقائه في حين كان يفضل أن يظل في غرفته ليقرأ أو يرسم. وأضاف أن ذلك كان بداية طريقه إلى عالم الكتابة، إذ إن أصدقاءه الخياليين وحواراته معهم والعوالم التي كان يختلقها ما هي إلا طريقته في سرد القصص. وأوضح أن ذلك غير نظرته كثيراً في التربية، إذ إنه أصبح يجعل طفله يركز فيما يحب لعله يبدع بذلك، بدلاً من إجباره على لعب ألعاب معينة أو مصادقة أشخاص معينين.